
قوله عز وجل: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٨)
ادعى كل واحد من اليهود والنصارى أنهم أبناء الله وأحباؤه وقد رُوي أنهم قالوا ذلك قولاً حذرهم النبي عليه الصلاة والسلام نقمة الله، فقالوا: لا تخوفنا فإنا أبناء الله وأحباؤه وزعم اليهود أن الله تعالى أوحى إلى إسرائيل أن وَلَدَكَ بكري من الولد، وأمَّا النصارى فقد قيل إنهم قالوا ذلك لِمَا حُكِي عن قول المسيح أنا ذاهب إلى أبي وأبيكم، ورُوي أنهم قالوا: ما اقتضى معناه هذا القول وإن لم يتفوهوا بذلك تفوهاً كقولك: فيمن يدعي تخصصاً بسلطان فلان يقول أنا يد السلطان ولسانه، قيل:
وكانوا يقولون إن غضب الله علينا كما يغضب الإنسان على ابنه وحبيبه.
فكذبهم الله فيما ادعوه من محبتهم له ومحبته لهم، فإن المحبة تقتضي ترك المخالفة ومن أحب الله لم يخالفه، ولهذا قال الشاعر:

تَعْصِي الإلَه وَأَنتَ تُظْهِرُ حُبَّه | هَذا مُحال فِى القِياسِ بَدِيعُ |
لَوكَانَ حُبُكَ صَادقاً لأطَعْتهُ | إِن المُحبَ لِمنْ أَحبَّ مُطِيعُ |
فقد رُوي أنه إذا أحب الله عبداً تعهده وأحسن إليه. رُوي عنه عليه الصلاة والسلام: (إن الله قال ما زال العبد يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببتهُ كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به).
إن قيل: كيف احتج عليهم بهذا ولم يقولوا إنا لا نعذب بل قالوا: إنا لا نعذب إلا أياماً بقدر ما عبدنا فيه العجل؟
قيل: إنه إشارة إلى ما تقدم من تعذيب الله إياهم، فكأنه قيل: فلم عذب من كان قبلكم الذين كانوا أمثالكم ثم قال: (بَل أَنتُم بَشَرٌ ممَّن خَلَق) أي نسبتكم إليه نسبة العبودية كسائر الناس وإنما يَفْضُل من يفضل بالتقوى، كما قال: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ). صفحة رقم 308