آيات من القرآن الكريم

وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ۚ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ ۖ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ۚ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ

صِفَةً، فَإِنْ كَانَ ذَاتًا فَذَاتُ اللَّه تَعَالَى قَدْ حَلَّتْ فِي عِيسَى وَاتَّحَدَتْ بِعِيسَى فَيَكُونُ عِيسَى هُوَ الْإِلَهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ.
وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ الْأُقْنُومَ عِبَارَةٌ عَنِ الصِّفَةِ، فَانْتِقَالُ الصِّفَةِ مِنْ ذَاتٍ إِلَى ذَاتٍ أُخْرَى غَيْرُ مَعْقُولٍ، ثُمَّ بِتَقْدِيرِ انْتِقَالِ أُقْنُومِ الْعِلْمِ عَنْ ذَاتِ اللَّه تَعَالَى إِلَى عِيسَى يَلْزَمُ خُلُوَّ ذَاتِ اللَّه عَنِ الْعِلْمِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا لَمْ يَكُنْ إِلَهًا، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْإِلَهُ هُوَ عِيسَى عَلَى قَوْلِهِمْ، فَثَبَتَ أَنَّ النَّصَارَى وَإِنْ كَانُوا لَا يُصَرِّحُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ إِلَّا أَنَّ حَاصِلَ مَذْهَبِهِمْ لَيْسَ إِلَّا ذَلِكَ.
ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ احْتَجَّ عَلَى فَسَادِ هَذَا الْمَذْهَبِ بِقَوْلِهِ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَهَذِهِ جُمْلَةٌ شَرْطِيَّةٌ قَدَّمَ فِيهَا الْجَزَاءَ عَلَى الشَّرْطِ. وَالتَّقْدِيرُ: إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا، فَمَنِ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَدْفَعَهُ عَنْ مُرَادِهِ وَمَقْدُورِهِ، وَقَوْلُهُ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً
أَيْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنْ أَفْعَالِ اللَّه شَيْئًا، وَالْمُلْكُ هُوَ الْقُدْرَةُ، يَعْنِي فَمَنِ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ شَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِ اللَّه تَعَالَى وَمَنْعِ شَيْءٍ مِنْ مُرَادِهِ. وَقَوْلُهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً [المعارج: ١٤] يعني أن عيسى مشاكل لمن فِي الصُّورَةِ وَالْخِلْقَةِ وَالْجِسْمِيَّةِ وَالتَّرْكِيبِ وَتَغْيِيرِ الصِّفَاتِ وَالْأَحْوَالِ، فَلَمَّا سَلَّمْتُمْ كَوْنَهُ تَعَالَى خَالِقًا لِلْكُلِّ مُدَبِّرًا لِلْكُلِّ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا خَالِقًا لِعِيسَى.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنَّمَا قَالَ وَما بَيْنَهُما بعد ذكر السموات وَالْأَرْضِ، وَلَمْ يَقُلْ: بَيْنَهُنَّ لِأَنَّهُ ذَهَبَ بِذَلِكَ مَذْهَبَ الصِّنْفَيْنِ وَالنَّوْعَيْنِ.
ثُمَّ قَالَ: يَخْلُقُ مَا يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَفِيهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: يَعْنِي يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ، فَتَارَةً يَخْلُقُ الْإِنْسَانَ مِنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى كَمَا هُوَ مُعْتَادٌ، وَتَارَةً لَا مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ كَمَا في خلق آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَتَارَةً مِنَ الْأُمِّ لَا مِنَ الْأَبِ كَمَا فِي حَقِّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالثَّانِي: يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ، يَعْنِي أَنَّ عِيسَى إِذَا قَدَّرَ صُورَةَ الطَّيْرِ مِنَ الطِّينِ فاللَّه تَعَالَى يَخْلُقُ فِيهِ اللَّحْمِيَّةَ وَالْحَيَاةَ وَالْقُدْرَةَ مُعْجِزَةً لِعِيسَى، وَتَارَةً يُحْيِي الْمَوْتَى وَيُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ مُعْجِزَةً لَهُ، وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى اللَّه تعالى في شيء من أفعاله.
[سورة المائدة (٥) : آية ١٨]
وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٨)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ وَفِيهِ سُؤَالٌ: وَهُوَ أَنَّ الْيَهُودَ لَا يَقُولُونَ ذَلِكَ الْبَتَّةَ، فَكَيْفَ يَجُوزُ نَقْلُ هَذَا الْقَوْلِ عَنْهُمْ؟ وَأَمَّا النَّصَارَى فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ فِي حَقِّ عِيسَى لَا فِي حَقِّ أَنْفُسِهِمْ، فَكَيْفَ يَجُوزُ هَذَا النَّقْلُ عَنْهُمْ؟
أَجَابَ الْمُفَسِّرُونَ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ حَذْفِ الْمُضَافِ، وَالتَّقْدِيرُ نَحْنُ أَبْنَاءُ رُسُلِ اللَّه، فَأُضِيفَ إِلَى اللَّه ما هو في الحقيقة مضاف إلى رسول اللَّه، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ [الْفَتْحِ: ١٠] وَالثَّانِي: أَنَّ لَفْظَ الِابْنِ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى ابْنِ الصُّلْبِ فَقَدْ يُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مَنْ يَتَّخِذُ ابْنًا، وَاتِّخَاذُهُ ابْنًا بِمَعْنَى تَخْصِيصِهِ بِمَزِيدِ الشَّفَقَةِ وَالْمَحَبَّةِ، فَالْقَوْمُ لَمَّا ادَّعَوْا أَنَّ عِنَايَةَ اللَّه بِهِمْ أَشَدُّ وَأَكْمَلُ مِنْ عِنَايَتِهِ بِكُلِّ مَا سِوَاهُمْ، لَا جَرَمَ عَبَّرَ اللَّه تَعَالَى عَنْ دَعْوَاهُمْ كَمَالَ عِنَايَةِ اللَّه بِهِمْ بِأَنَّهُمُ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ أَبْنَاءُ اللَّه. الثَّالِثُ: أَنَّ الْيَهُودَ لَمَّا زَعَمُوا أَنَّ عُزَيْرًا ابْنُ اللَّه، وَالنَّصَارَى زَعَمُوا أَنَّ الْمَسِيحَ ابْنُ اللَّه، ثم زعموا أن عزيزا وَالْمَسِيحَ كَانَا مِنْهُمْ، صَارَ

صفحة رقم 328

ذَلِكَ كَأَنَّهُمْ قَالُوا نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّه، أَلَا تَرَى أَنَّ أَقَارِبَ الْمَلِكِ إِذَا فَاخَرُوا إِنْسَانًا آخر فَقَدْ يَقُولُونَ: نَحْنُ مُلُوكُ الدُّنْيَا، وَنَحْنُ سَلَاطِينُ الْعَالَمِ، وَغَرَضُهُمْ مِنْهُ كَوْنُهُمْ مُخْتَصِّينَ بِذَلِكَ الشَّخْصِ الذي هو الملك والسلطان فكذا هاهنا، وَالرَّابِعُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا جَمَاعَةً مِنَ الْيَهُودِ إِلَى دِينِ الْإِسْلَامِ وَخَوَّفَهُمْ بِعِقَابِ اللَّه تَعَالَى فَقَالُوا:
كَيْفَ تُخَوِّفُنَا بِعِقَابِ اللَّه وَنَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ، فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ إِنَّمَا وَقَعَتْ عَنْ تِلْكَ الطَّائِفَةِ، وَأَمَّا النَّصَارَى فَإِنَّهُمْ يَتْلُونَ فِي الْإِنْجِيلِ الَّذِي لَهُمْ أَنَّ الْمَسِيحَ قَالَ لَهُمْ: أَذْهَبُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى كَانُوا يَرَوْنَ لِأَنْفُسِهِمْ فَضْلًا عَلَى سَائِرِ الْخَلْقِ بِسَبَبِ أَسْلَافِهِمُ الْأَفَاضِلِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ حَتَّى انْتَهَوْا فِي تَعْظِيمِ أَنْفُسِهِمْ إِلَى أَنْ قَالُوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ.
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَبْطَلَ عَلَيْهِمْ دَعْوَاهُمْ وَقَالَ: قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ وَفِيهِ سُؤَالٌ، وَهُوَ أَنَّ حَاصِلَ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا أَبْنَاءَ اللَّه وَأَحِبَّاءَهُ لَمَا عَذَّبَهُمْ لَكِنَّهُ عَذَّبَهُمْ، فَهُمْ لَيْسُوا أَبْنَاءَ اللَّه وَلَا أَحِبَّاءَهُ، وَالْإِشْكَالُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَالَ: إِمَّا أَنْ تَدَّعُوا أَنَّ اللَّه عَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا أَوْ تَدَّعُوا أَنَّهُ سَيُعَذِّبُهُمْ فِي الْآخِرَةِ، فَإِنْ كَانَ مَوْضِعُ الْإِلْزَامِ عَذَابَ الدُّنْيَا فَهَذَا لَا يَقْدَحُ فِي ادِّعَائِهِمْ كَوْنَهُمْ أَحِبَّاءَ اللَّه لِأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ كَانَ يَدَّعِي أَنَّهُ هُوَ وَأَمَّتُهُ أَحِبَّاءُ اللَّه، ثُمَّ إِنَّهُمْ مَا خَلَوْا عَنْ مِحَنِ الدُّنْيَا. انْظُرُوا إِلَى وَقْعَةِ أُحُدٍ، وَإِلَى قَتْلِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، وَإِنْ كَانَ مَوْضِعُ الْإِلْزَامِ هُوَ أَنَّهُ تَعَالَى سَيُعَذِّبُهُمْ فِي الْآخِرَةِ فَالْقَوْمُ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ. وَمُجَرَّدُ إِخْبَارِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِكَافٍ فِي هَذَا الْبَابِ، إِذْ لَوْ كَانَ كَافِيًا لَكَانَ مُجَرَّدُ إِخْبَارِهِ بِأَنَّهُمْ كَذَبُوا فِي ادِّعَائِهِمْ أَنَّهُمْ أَحِبَّاءُ اللَّه كَافِيًا، وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ ضَائِعًا.
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ مَوْضِعَ الْإِلْزَامِ هُوَ عَذَابُ الدُّنْيَا، وَالْمُعَارَضَةُ بِيَوْمِ أُحُدٍ غَيْرُ لَازِمَةٍ لِأَنَّهُ يَقُولُ: لو كانوا أبناء اللَّه وأحباءه لما عذبهم اللَّه فِي الدُّنْيَا، وَمُحَمَّدٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ادَّعَى أَنَّهُ مِنْ أَحِبَّاءِ اللَّه وَلَمْ يَدَّعِ أَنَّهُ مِنْ أَبْنَاءِ اللَّه فَزَالَ السُّؤَالُ. الثَّانِي: أَنَّ مَوْضِعَ الْإِلْزَامِ هُوَ عَذَابُ الْآخِرَةِ، وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى كَانُوا مُعْتَرِفِينَ بِعَذَابِ الْآخِرَةِ كَمَا أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً [الْبَقَرَةِ: ٨٠] وَالثَّالِثُ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ فَلِمَ مَسَخَكُمْ، فَالْمُعَذَّبُ فِي الْحَقِيقَةِ الْيَهُودُ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَ الْيَهُودِ الْمُخَاطَبِينَ بِهَذَا الْخِطَابِ فِي زَمَانِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، إِلَّا أَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا مِنْ جِنْسِ أُولَئِكَ الْمُتَقَدِّمِينَ حَسُنَتْ هَذِهِ الْإِضَافَةُ، وَهَذَا الْجَوَابُ أَوْلَى لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ لِيَأْمُرَ رَسُولَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْ يَحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ لَمْ يَدْخُلْ بَعْدُ فِي الْوُجُودِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ تَعَالَى يُعَذِّبُنَا، بَلِ الْأَوْلَى أَنْ يَحْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ قَدْ وُجِدَ وَحَصَلَ حَتَّى يَكُونَ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ قَوِيًّا مَتِينًا.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ حَقٌّ يُوجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ حَقٌّ يَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ يُعَذِّبَهُ، بَلِ الْمُلْكُ لَهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ.
وَاعْلَمْ أَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ مُرَادَ الْقَوْمِ مِنْ قَوْلِهِمْ نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ كَمَالُ رَحْمَتِهِ عَلَيْهِمْ وَكَمَالُ عِنَايَتِهِ بِهِمْ.
وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَمَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَطَاعَ اللَّه وَاحْتَرَزَ عَنِ الْكَبَائِرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى اللَّه عقلا إيصال الرحمة والنعمة إليه أبدا الْآبَادِ، وَلَوْ قَطَعَ عَنْهُ بَعْدَ أُلُوفِ سَنَةٍ فِي الْآخِرَةِ تِلْكَ النِّعَمَ لَحْظَةً وَاحِدَةً لَبَطَلَتْ إِلَهِيَّتُهُ وَلَخَرَجَ عَنْ صِفَةِ الْحِكْمَةِ، وَهَذَا أَعْظَمُ مِنْ قَوْلِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّه وَأَحِبَّاؤُهُ، وَكَمَا أَنَّ قَوْلُهُ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ إِبْطَالٌ لِقَوْلِ الْيَهُودِ. فَبِأَنْ يَكُونَ إِبْطَالًا لِقَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ أَوْلَى وَأَكْمَلُ.

صفحة رقم 329
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية