آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ
ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ

وشهر بني أمية والهدايا إذا سيقت مدرجها الدماء
وسماه النبي عليه السلام شهر الله، أي شهر آل الله، وكان يقال لأهل الحرم آل الله، ويحتمل أن يسمى شهر الله لأن الله سنه وشدده إذ كان كثير من العرب لا يراه، وأما الْهَدْيَ فكان أمانا لمن يسوقه لأنه يعلم أنه في عبادة لم يأت لحرب وأما الْقَلائِدَ فكذلك كان الرجل إذا خرج يريد الحج تقلد من لحاء السمر أو غيره شيئا فكان ذلك أمانا له، وكان الأمر في نفوسهم عظيما مكنه الله حتى كانوا لا يقدم من ليس بمحرم أن يتقلد شيئا خوفا من الله، وكذلك إذا انصرفوا تقلدوا من شجر الحرم، وقوله تعالى: لِلنَّاسِ لفظ عام، وقال بعض المفسرين أراد العرب.
قال القاضي أبو محمد: ولا وجه لهذا التخصيص، وقال سعيد بن جبير جعل الله هذه الأمور للناس وهم لا يرجون جنة ولا يخافون نارا، ثم شدد ذلك بالإسلام، وقوله تعالى: ذلِكَ إشارة إلى أن جعل هذه الأمور قياما، والمعنى فعل ذلك لتعلموا أن الله تعالى يعلم تفاصيل أمور السماوات والأرض ويعلم مصالحكم أيها الناس قبل وبعد، فانظروا لطفه بالعباد على حال كفرهم، وقوله تعالى: بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ عام عموما تاما في الجزئيات ودقائق الموجودات، كما قال عز وجل وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها [الأنعام: ٥٩]، والقول بغير هذا إلحاد في الدين وكفر، ثم خوف تعالى عباده ورجاهم بقوله اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ الآية، وهكذا هو الأمر في نفسه حري أن يكون العبد خائفا عاملا بحسب الخوف متقيا متأنسا بحسب الرجاء.
قوله عز وجل:
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٩٩ الى ١٠٢]
ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (٩٩) قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠٠) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْها وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٠١) قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ (١٠٢)
قوله تعالى: ما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ إخبار للمؤمنين فلا يتصور أن يقال هي آية موادعة منسوخة بآيات القتال، بل هذه حال من آمن وشهد شهادة الحق. فإنه إذ قد عصم من الرسول ماله ودمه، فليس على الرسول في جهته أكثر من التبليغ والله تعالى بعد ذلك يعلم ما ينطوي عليه صدره، وهو المجازي بحسب ذلك ثوابا أو عقابا، والْبَلاغُ مصدر من بلغ يبلغ، والآية معناها الوعيد للمؤمنين إن انحرفوا ولم يمتثلوا ما بلغ إليهم وقوله قُلْ لا يَسْتَوِي الآية لفظ عام في جميع الأمور يتصور في المكاسب وعدد الناس والمعارف من العلوم ونحوها، ف الْخَبِيثُ من هذا كله لا يفلح ولا ينجب ولا تحسن له عاقبة، وَالطَّيِّبُ ولو قل نافع جميل العاقبة وينظر إلى هذه الآية قوله تعالى: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً [الأعراف: ٥٨] والخبث هو الفساد الباطن في الأشياء حتى يظن بها الصلاح والطيب وهي بخلاف ذلك، وهكذا هو الخبث في الإنسان، وقد يراد بلفظة خبيث في الإنسان

صفحة رقم 244

فساد نسبه، فهذا لفظ يلزم قائله على هذا القصد الحد، وقوله تعالى فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ تنبيه على لزوم الطيب في المعتقد والعمل، وخص أُولِي الْأَلْبابِ بالذكر لأنهم المتقدمون في ميز هذه الأمور والذي لا ينبغي لهم إهمالها مع البهائم وإدراكهم وكأن الإشارة بهذه الْأَلْبابِ إلى لب التجربة الذي يزيد على لب التكليف بالحنكة والفطنة المستنبطة والنظر البعيد.
وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ الآية، اختلف الرواة في سببها فقالت فرقة منهم أنس بن مالك وغيره: نزلت بسبب سؤال عبد الله بن حذافة السهمي، وذلك أن رسول الله ﷺ صعد المنبر مغضبا، فقال: لا تسألوني اليوم عن شيء إلا أخبرتكم به، فقام رجل فقال أين أنا؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في النار فقام عبد الله بن حذافة السهمي وكان يطعن في نسبه، فقال من أبي؟ فقال: أبوك حذافة.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وفي الحديث مما لم يذكر الطبري فقام آخر فقال من أبي؟
فقال أبوك سالم مولى أبي شيبة، فقام عمر بن الخطاب فجثا على ركبتيه وقال رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا ومحمد نبيا نعوذ بالله من الفتن، وبكى الناس من غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزلت هذه الآية بسبب هذه الأسئلة.
قال القاضي أبو محمد: وصعود رسول الله ﷺ المنبر مغضبا إنما كان بسبب سؤالات الاعراب والجهال والمنافقين، فكان منهم من يقول أين ناقتي؟ وآخر يقول ما الذي ألقى في سفري هذا؟ ونحو هذا مما هو جهالة أو استخفاف وتعنيت، وقال علي بن أبي طالب وأبو هريرة وأبو أمامة الباهلي وابن عباس، في لفظهم اختلاف، والمعنى واحد. خطب رسول الله ﷺ الناس فقال: أيها الناس كتب عليكم الحج وقرأ عليهم وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران: ٩٧] قال علي:
فقالوا يا رسول الله: أفي كل عام؟ فسكت، فأعادوا، قال: لا ولو قلت نعم، لوجبت، وقال أبو هريرة: فقال عكاشة بن محصن وقال مرة فقال محصن الأسدي، وقال غيره فقام رجل من بني أسد، وقال بعضهم فقام أعرابي فقال يا رسول الله، أفي كل عام؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: من السائل؟
فقيل فلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، «لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت لم تطيقوه، ولو تركتموه، لهلكتم» فنزلت هذه الآية بسبب ذلك، ويقوي هذا حديث سعد بن أبي وقاص أن النبي عليه السلام قال:
«إن أعظم المسلمين على المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته» وروي عن ابن عباس أنه قال: نزلت الآية بسبب قوم سألوا عن البحيرة والسائبة والوصيلة ونحو هذا من أحكام الجاهلية، وقاله سعيد بن جبير.
قال القاضي أبو محمد: وروي أنه لما بين الله تعالى في هذه الآيات أمر الكعبة والهدي والقلائد، وأعلم أن حرمتها هو الذي جعلها إذ هي أمور نافعة قديمة من لدن عهد إبراهيم عليه السلام، ذهب ناس من العرب إلى السؤال عن سائر أحكام الجاهلية ليروا هل تلحق بتلك أم لا، إذ كانوا قد اعتقدوا الجميع سنة لا يفرقون بين ما هو من عند الله وما هو من تلقاء الشيطان والمغيرين لدين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام

صفحة رقم 245

كعمرو بن لحي وغيره، وفي عمرو بن لحي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأيته يجر قصبه في النار وكان أول من سيب السوائب.
قال القاضي أبو محمد: والظاهر من الروايات أن رسول الله ﷺ ألحت عليه الأعراب والجهال بأنواع من السؤالات حسبما ذكرناه، فزجر الله تعالى عن ذلك بهذه الآية وأَشْياءَ اسم جمع لشيء أصله عند الخليل وسيبويه شيئا مثل فعال قلبت إلى لفعاء لثقل اجتماع الهمزتين، وقال أبو حاتم أَشْياءَ وزنها أفعال وهو جمع شيء وترك الصرف فيه سماع، وقال الكسائي: لم ينصرف أَشْياءَ لشبه آخرها بآخر حمراء، ولكثرة استعمالها، والعرب تقول أشياوات كما تقول حمراوات، ويلزم على هذا أن لا ينصرف أسماء لأنهم يقولون أسماوات، وقال الأخفش: أَشْياءَ أصلها أشياء على وزن أفعلاء، استثقلت اجتماع الهمزتين فأبدلت الأولى ياء لانكسار ما قبلها ثم حذفت الياء استخفافا، ويلزم على هذا أن يكون واحد الأشياء شيئا مثل هين وأهوناء، وقرأ جمهور الناس «إن تبد» بضم التاء وفتح الدال وبناء الفعل للمفعول، وقرأ مجاهد «إن تبد» بفتح التاء وضم الدال على بناء الفعل للفاعل، وقرأ الشعبي «إن يبد لكم» بالياء من أسفل مفتوحة والدال مضمومة «يسؤكم» بالياء من أسفل، أي يبده الله لكم.
وقوله تعالى وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ قال ابن عباس: معناه لا تسألوا عن أشياء في ضمن الإخبار عنها مساءة لكم إما لتكليف شرعي يلزمكم وإما لخبر يسوء. كما قيل للذي قال أين أنا؟ ولكن إذا نزل القرآن بشيء وابتدأكم ربكم بأمر فحينئذ إن سألتم عن تفصيله وبيانه بين لكم وأبدى؟.
قال القاضي أبو محمد: فالضمير في قوله عَنْها عائد على نوعها لا على الأولى التي نهى عن السؤال عنها، وقال أبو ثعلبة الخشني رضي الله عنه: إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها وحد حدودا فلا تعتدوها وعفا من غير نسيان عن أشياء فلا تبحثوا عنها، وكان عبيد بن عمير يقول:
إن الله أحل وحرم فما أحل فاستحلوا وما حرم فاجتنبوا وترك بين ذلك أشياء لم يحلها ولم يحرمها، فذلك عفو من الله عفاه، ثم يتلو هذه الآية.
قال القاضي أبو محمد: ويحتمل قوله تعالى: وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ أن يكون في معنى الوعيد كأنه قال لا تسألوا وإن سألتم لقيتم عبء ذلك وصعوبته لأنكم تكلفون وتستعجلون علم ما يسوءكم كالذي قيل له إنه في النار، وقوله تعالى: عَفَا اللَّهُ عَنْها تركها ولم يعرف بها، وهذه اللفظة التي هي عَفَا، تؤيد أن الأشياء التي هي في تكليفات الشرع، وينظر إلى ذلك قول النبي عليه السلام إن الله قد عفا لكم عن صدقة الخيل، وغَفُورٌ حَلِيمٌ صفتان تناسب العفو وترك المباحثة والسماحة في الأمور.
وقرأ عامة الناس «قد سألها» بفتح السين. وقرأ إبراهيم النخعي «قد سألها» بكسر السين، والمراد بهذه القراءة الإمالة، وذلك على لغة من قال سلت تسأل، وحكي عن العرب هما يتساولان، فهذا يعطي هذه اللغة هي من الواو لا من الهمزة فالإمالة إنما أريدت وساغ ذلك لانكسار ما قبل اللام في سلت كما جاءت الإمالة في خاف لمجيء الكسرة في خاء خفت، ومعنى الآية أن هذه السؤالات التي هي تعنيتات

صفحة رقم 246
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية