آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ
ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ

فكذلك الحال بالنسبة إلى الناس، فالقليل الطيب منهم خير من الكثير الخبيث، فطائفة قليلة من شجعان المؤمنين تغلب الطائفة الكثيرة من الجبناء المتخاذلين، وجماعة قليلة من ذوى البصيرة والرأى تأتى من الأعمال ما يعجز عنه الكثير من أهل الحمق والبلاهة، فالعبرة بالصفة لا بالعدد، والكثرة لا تكون خيرا إلا بعد التساوي فى الصفات الفاضلة.
(فَاتَّقُوا اللَّهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) أي فاتقوا الله يا أرباب العقول الراجحة، واحذروا أن يستحوذ عليكم الشيطان، فتغتروا بكثرة المال الخبيث وكثرة أهل الباطل والفساد من الخبيثين، فتقوى الله هى التي تجعلكم من الطيبين وبها يرجى أن تكونوا من المفلحين الفائزين بخيرى الدنيا والآخرة.
وخص أولى الألباب بالاعتبار لأنهم هم أهل الروية والبصر بعواقب الأمور التي ترشد إليها مقدماتها بعد التأمل فى حقيقتها وصفاتها، أما الأغرار الغافلون فلا يفيدهم وعظ واعظ ولا تذكير مذكّر فلا يعتبرون بما يرون بأعينهم ولا بما يسمعون بآذانهم، كما يشاهد ويرى من حال كثير من الأغنياء الذين ذهبت أموالهم الكثيرة التي جمعت من الحرام، وحال الدول التي ذهب ريحها بخلوها من فضيلتى العلم والخلق وورثها من كانوا أقل منهم رجالا ومالا إذ كانوا أفضل منهم أخلاقا وأعمالا.
[سورة المائدة (٥) : الآيات ١٠١ الى ١٠٢]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْها وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٠١) قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ (١٠٢)
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه وظيفة الرسول وأنها تبليغ الرسالة وبيان شرع الله ودينه فحسب، وبذا تبرأ ذمته- ناسب أن يصرح بأن الرسول قد أدى وظيفة البلاغ الذي

صفحة رقم 39

كمل به الإسلام- وأنه لا ينبغى للمؤمنين أن يكثروا عليه من السؤال، لئلا يكون ذلك سببا لكثرة التكاليف التي يشق على الأمة احتمالها، فيسرع إليها الفسوق عن أمر ربها.
روى أن هذه الآية نزلت من جرّاء أن قوما كانوا يسألون النبي ﷺ امتحانا له أحيانا، واستهزاء أحيانا أخرى، فيقول له بعضهم من أبي؟ ويقول بعضهم إذا ضلت ناقته أين ناقتى؟ ونحو ذلك.
روى أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وغيرهم عن أنس بن مالك قال: «خطب رسول الله ﷺ خطبة ما سمعت مثلها وقال فيها:
لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، قال فغطّى أصحاب رسول الله وجوههم.
لهم حنين وبكاء مرتفع من الصدر، فقال رجل من أبي؟ قال فلان فنزلت هذه الآية
(لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ) »

وروى ابن جرير عن قتادة فى قوله: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) الآية.
قال فحدّثنا أن أنس بن مالك حدّثه «أن رسول الله ﷺ سألوه حتى أحفوه بالمسألة، فخرج عليهم ذات يوم، فصعد المنبر فقال: (لا تسألونى اليوم عن شىء إلا بينته لكم) فأشفق أصحاب رسول الله ﷺ أن يكون بين يدى أمر قد حضر، فجعلت لا ألتفت لا يمينا ولا شمالا إلا وجدت كل رجل لافّا رأسه فى ثوبه يبكى، فأنشأ رجل كان يلاحى فيدعى إلى غير أبيه، فقال: يا نبيّ الله من أبى؟ قال:
(أبوك حذافة) قال ثم قام عمر فقال: رضينا با لله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا أعوذ با لله من شر الفتن. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم أر فى الخير والشر كاليوم قط، صوّرت لى الجنة والنار حتى رأيتهما دون الحائط»
.
قال الزهري: فقالت أمّ عبد الله بن حذافة: ما رأيت ولدا أعق منك، أكنت تأمن أن أمك قد قارفت ما قارف أهل الجاهلية فتفضحها على رءوس الناس؟ فقال والله لو ألحقنى بعبد أسود للحقته.

صفحة رقم 40

وروى مسلم عن أبي هريرة قال: خطبنا رسول الله ﷺ فقال: «أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا، فقال رجل أكلّ عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت لما استطعتم ثم قال: ذرونى ما تركتكم، فنزلت (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) »
الإيضاح
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) أي يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله: لا تسألوا عن أشياء من أمور الدين ودقائق التكاليف، أو من الأمور الغيبية أو الأسرار الخفيّة أو غير ذلك مما يحتمل أن يكون إظهارها سببا للمساءة فيما بشدة التكاليف وكثرتها، وإما بظهور حقائق تفضح أهلها.
(وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ) أي وإن تسألوا عن جنس تلك الأشياء التي من شأنها أن يكون إبداؤها مما يسوءكم حين ينزّل القرآن فى شأنها أو حكمها لأجل فهم ما نزّل إليكم، فإن الله بيديه لكم على لسان رسوله.
قال الحافظ ابن كثير: أي لا تستأنفوا السؤال عنها، فلعله قد ينزل بسبب سؤالكم تشديد أو تضييق،
وقد ورد فى الحديث: «أعظم المسلمين جرما من سأل عن شىء لم يحرّ لم فحرم من أجل مسألته»
ولكن إذا نزل القرآن بها مجملة فسألتم عن بيانها بينت الكم حينئذ لاحتياجكم إليها وخلاصة ذلك- تحريم السؤال عن الأشياء التي من شأن إبدائها أن يسوء السائلين إلا فى حال واحدة وهى أن يكون قد نزل فى شأنها شىء من القرآن فيه إجمال وأردتم السؤال عن بيانه ليظهر لكم ظهورا لا مراء فيه كما وقع فى مسألة تحريم الخمر بعد نزول آية البقرة.

صفحة رقم 41
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية