آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ
ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ

وقد أخبرني ابن منجويه، قال: حدّثنا ابن شنبه، قال: حدّثنا أحمد بن الحسين بن عبد الجبّار الصوفي قال: حدّثنا أبو نصر التمّار، قال: حدّثنا كوثر، عن نافع، عن ابن عمر أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يا عبد الله هل تدري كيف حكم الله سبحانه فيمن بغى من هذه الأمّة؟».
قال: الله ورسوله أعلم. قال: «لا يجهز على جريحها، ولا يقتل أسيرها، ولا يطلب هاربها، ولا يقسم فيئها» [٦٩] «١».
وسئل محمّد بن كعب القرظي عن هاتين الآيتين، فقال:
جعل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أجر المصلح بين الناس، كأجر المجاهد عند الناس
، وقال بكر بن عبد الله: امش ميلا، وعد مريضا، امش ميلين، وأصلح بين اثنين، امش ثلاثة أميال، وزر أخاك في الله.
[سورة الحجرات (٤٩) : الآيات ١١ الى ١٢]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (١١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (١٢)
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ الآية،
قال ابن عبّاس: نزلت في ثابت بن قيس، وذلك أنّه كان في أذنه وقر، فكان إذا أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد سبقوه بالمجلس، أوسعوا له حتّى يجلس إلى جنبه، فيسمع ما يقول، فأقبل ذات يوم، وقد فاته من صلاة الفجر ركعة مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا انصرف النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من الصلاة أخذ أصحابه مجالسهم [منه، فربض] كلّ رجل بمجلسه، فلا يكاد يوسع أحد لأحد، فكان الرجل إذا جاء، فلم يجد مجلسا، قام قائما، كما هو، فلمّا فرغ ثابت من الصلاة، وقام منها، أقبل نحو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فجعل يتخطّى رقاب الناس، ويقول: تفسحوا تفسحوا، فجعلوا يتفسحون له حتّى انتهى إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبينه وبينه رجل.
فقال له: تفسح. فقال له الرجل: قد أصبت مجلسا، فاجلس، فجلس ثابت من خلفه مغضبا، فلمّا أبينت الظلمة، غمز ثابت الرجل، وقال: من هذا؟ قال: أنا فلان. فقال له ثابت:
ابن فلانة. ذكر أمّا له كان يعيّر بها في الجاهلية. فنكس الرجل رأسه واستحيا، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية.
وقال الضحّاك: نزلت في وفد تميم الذين ذكرناهم في صدر السورة، استهزءوا بفقراء أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مثل عمّار، وخباب، وبلال، وصهيب، وسلمان، وسالم مولى أبي حذيفة، لما رأوا من رثاثة حالهم، فأنزل الله سبحانه في الذين آمنوا منهم يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ

(١) تفسير القرطبي: ١٦/ ٣٢٠.

صفحة رقم 80

أي رجال من رجال، والقوم اسم يجمع الرجال والنساء «١»، وقد يختص بجمع الرجال، كقول زهير:

وما أدري وسوف إخال أدري أقوم آل حصن أم نساء «٢»
عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَ
نزلت في امرأتين من أزواج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم سخرتا من أمّ سلمة، وذلك أنّها ربطت خصريها بسبيبة- وهي ثوب أبيض ومثلها السب- وسدلت طرفيها خلفها. فكانت تجرها.
فقالت عائشة لحفصة: انظري ما تجرّ خلفها كأنّه لسان كلب. فهذا كان سخريتهما «٣».
وقال أنس: نزلت في نساء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عيّرن أمّ سلمة بالقصر. ويقال: نزلت في عائشة، أشارت بيدها في أمّ سلمة أنّها قصيرة
، وروى عكرمة، عن ابن عبّاس أنّ صفية بنت حي بن أخطب أتت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: إنّ النساء يعيّرني فيقلن: يا يهودية بنت يهوديين، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هلّا قلت: إنّ أبي هارون، وابن عمّي موسى، وإنّ زوجي محمّد» [٧٠] «٤»، فأنزل الله سبحانه هذه الآية.
وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ أي لا يعيب بعضكم بعضا، ولا يطعن بعضكم على بعض. وقيل:
اللمز العيب في المشهد، والهمز في المغيب، وقال محمّد بن يزيد: اللمز باللسان، والعين، والإشارة، والهمز لا يكون إلّا باللسان، قال الشاعر:
إذا لقيتك عن شحط تكاشرني وإن تغيبت كنت الهامز اللمزة «٥»
وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ
قال أبو جبير بن الضحّاك: فينا نزلت هذه الآية في بني سلمة، قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة، وما منّا رجل إلّا له اسمان أو ثلاثة، فكان إذا دعا الرجل الرجل باسم، قلنا: يا رسول الله، إنّه يغضب من هذا. فأنزل الله عزّ وجلّ: وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ.
قال قتادة، وعكرمة: هو قول الرجل للرجل: يا فاسق، يا منافق، يا كافر، وقال الحسن:
كان اليهودي، والنصراني يسلم، فيقال له بعد إسلامه: يا يهودي، يا نصراني، فنهوا عن ذلك، وقال ابن عبّاس: التنابز بالألقاب أن يكون الرجل عمل السيّئات، ثمّ تاب منها، وراجع الحقّ، فنهى الله أن يعيّر بما سلف من عمله.
(١) تفسير القرطبي: ١٦/ ٣٢٥ مورد الآية.
(٢) كتاب العين: ٥/ ٢٣١.
(٣) تفسير القرطبي: ١٦/ ٣٢٦.
(٤) أسباب نزول الآيات للواحدي: ٢٦٤ تفسير القرطبي: ١٦/ ٣٢٦.
(٥) لسان العرب: ٥/ ٤٢٦ تاج العروس: ٤/ ٩٤.

صفحة رقم 81

بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ يقول: من فعل ما نهيت عنه من السخرية، واللمز والنبز، فهو فاسق، وبِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ فلا تفعلوا ذلك، فتستحقّوا (اسم الفسوق) وقيل: معناه بئس الاسم الذي تسميه، بقولك فاسق، بعد أن علمت أنّه آمن.
وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ...
الآية نزلت في رجلين من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اغتابا رفيقيهما، وذلك
أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا غزا أو سافر، ضمّ الرجل المحتاج إلى رجلين موسورين يخدمهما، ويحقب حوائجهما، ويتقدّم لهما إلى المنزل، فيهيّئ لهما ما يصلحهما من الطعام، والشراب، فضم سلمان الفارسي رضي الله عنه إلى رجلين في بعض أسفاره، فتقدّم سلمان، فغلبته عيناه، فلم يهيّئ لهما شيئا، فلمّا قدما، قالا له: ما صنعت شيئا؟ قال: لا. قالا: ولم؟ قال: غلبتني عيناي، فقالا له: انطلق إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، واطلب لنا منه طعاما وإداما، فجاء سلمان إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسأله طعاما، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «انطلق إلى أسامة بن زيد وقل له: إن كان عنده فضل من طعام، وإدام، فليعطك».
وكان أسامة خازن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعلى رحله، فأتاه، فقال: ما عندي شيء، فرجع سلمان إليهما، وأخبرهما بذلك، فقالا: كان عند أسامة، ولكن بخل، فبعثا سلمان إلى طائفة من الصحابة، فلم يجد عندهم شيئا، فلمّا رجع سلمان، قالا: لو بعثناه إلى بئر سميحة لغار ماؤها، ثمّ انطلقا يتجسّسان هل عند أسامة ما أمر لهما به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
فلمّا جاءا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لهما: «ما لي أرى خضرة اللحم في أفواهكما» قالا: يا رسول الله، والله ما تناولنا يومنا هذا لحما، فقال: «ظللتم تأكلون لحم سلمان، وأسامة» [٧١] «١».
فأنزل الله سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا
قرأه العامّة (بالجيم) وقرأ ابن عبّاس، وأبو رجاء العطاردي (ولا تحسّسوا) (بالحاء)، قال الأخفش: ليس يبعد أحدهما عن الآخر. إلّا أنّ التجسّس لما يكتم، ويوارى، ومنه الجاسوس، والتحسس (بالحاء) تخبر الأخبار، والبحث عنها، ومعنى الآية خذوا ما ظهر، ودعوا ما ستر الله، ولا تتّبعوا عورات المسلمين.
أخبرني ابن منجويه، قال: حدّثنا ابن شنبه، قال: حدّثنا الفريابي قال: حدّثنا قتيبة بن سعد، عن مالك، عن أبي الزياد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إيّاكم

(١) تفسير القرطبي: ١٦/ ٣٣١.

صفحة رقم 82

والظنّ، فإنّ الظنّ أكذب الحديث، وَلا تَجَسَّسُوا، ولا تحسّسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا» [٧٢] «١».
وأخبرني ابن منجويه، قال: حدّثنا ابن حبش، قال: أخبرنا علي بن زنجويه. قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن زرارة بن مصعب بن عبد الرّحمن بن عوف، عن المسوّر بن مخرمة، عن عبد الرّحمن بن عوف، أنّه حرس ليلة عمر بن الخطّاب بالمدينة، فبينا هم يمشون شب لهم سراج في بيت، فانطلقوا يؤمّونه، فلمّا دنوا منه، إذا باب يجاف على قوم لهم أصوات مرتفعة، ولغط، فقال عمر، وأخذ بيد عبد الرّحمن: أتدري بيت من هذا؟ قال: قلت: لا.
قال: هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف، وهم الآن بيثرب، فما ترى؟ قال عبد الرّحمن:
أرى أنّا قد أتينا ما قد نهى الله سبحانه، فقال: وَلا تَجَسَّسُوا فقد تجسسنا، فانصرف عمر عنهم، وتركهم.
وبه عن معمر، قال: أخبرني أيّوب، عن أبي قلابة أنّ عمر بن الخطّاب، حدّث أنّ أبا محجن الثقفي شرب الخمر في بيته هو وأصحابه، فانطلق عمر حتّى دخل عليه، فإذا ليس عنده إلّا رجل، فقال أبو محجن: يا أمير المؤمنين إنّ هذا لا يحلّ لك، فقد نهاك الله عزّ وجلّ عن التجسّس، فقال عمر: ما يقول هذا؟ فقال زيد بن ثابت، وعبد الله بن الأرقم: صدق يا أمير المؤمنين، هذا التجسّس، قال: فخرج عمر رضي الله عنه، وتركه. وروى زيد بن أسلم أنّ عمر بن الخطّاب خرج ذات ليلة، ومعه عبد الرّحمن بن عوف رضي الله عنهما يعسّان إذ شبّ لهما نار، فأتيا الباب، فاستأذنا، ففتح الباب، فدخلا، فإذا رجل، وامرأة تغنّي، وعلى يد الرجل قدح، وقال عمر للرجل: وأنت بهذا يا فلان؟ فقال: وأنت بهذا يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر: فمن هذه منك؟
قال: امرأتي. قال: وما في القدح؟ قال: ماء زلال. فقال للمرأة: وما الّذي تغنّين؟ فقالت:
أقول:

تطاول هذا الليل واسودّ جانبه وأرّقني ألّا حبيب ألاعبه «٢»
فو الله لولا خشية الله والتقى لزعزع من هذا السرير جوانبه
ولكن عقلي والحياء يكفني وأكرم بعلي أن تنال مراكبه
ثمّ قال الرجل: ما بهذا أمرنا يا أمير المؤمنين، قال الله: وَلا تَجَسَّسُوا فقال عمر:
صدقت، وانصرف. وأخبرنا الحسين، قال: حدّثنا موسى بن محمّد بن علي. قال: حدّثنا
(١) مسند أحمد: ٢/ ٤٧٠ بتفاوت يسير. صحيح البخاري: ٧/ ٨٨.
(٢) تفسير القرطبي: ١٦/ ٣٣٤ ولسان العرب: ٨/ ١٤٢، بتفاوت فيهما بالبيت الثاني.

صفحة رقم 83

الحسين بن علوية. قال: حدّثنا إسماعيل بن عيسى، قال: حدّثنا المسيب، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، قال: قيل لابن مسعود: هل لك في الوليد بن عقبة تقطر لحيته خمرا؟ فقال: إنّا قد نهينا عن التجسّس، فإن يظهر لنا شيئا نأخذه به.
وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً
أخبرنا الحسين، قال: حدّثنا عبيد الله بن أحمد بن يعقوب المقري. قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن زيد أبو بكر السطوي، قال: حدّثنا علي بن إشكاب، قال: حدّثنا عمر بن يونس اليمامي، قال: حدّثنا جهضم بن عبد الله، عن العلاء بن عبد الرّحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن الغيبة فقال: «أن يذكر أخاك بما يكره، فإمّا إن كان فيه فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهتّه» [٧٣] «١».
وقال معاذ بن جبل: كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكر القوم رجلا، فقالوا: ما يأكل إلّا ما أطعم، ولا يرحل إلّا ما رحّل، فما أضعفه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اغتبتم أخاكم».
قالوا: يا رسول الله وغيبة أن نحدّث بما فيه؟ فقال: «بحسبكم أن تحدّثوا عن أخيكم بما فيه» [٧٤] «٢».
وروى موسى بن وردان عن أبي هريرة أنّ رجلا قام من عند رسول الله، فرأوا في قيامه عجزا، فقالوا: يا رسول الله ما أعجز فلانا. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أكلتم أخاكم واغتبتموه» [٧٥] «٣».
أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً، قال قتادة: يقول: كما أنت كاره أن وجدت جيفة مدودة أن تأكل منها، فكذلك فاكره لحم أخيك وهو حيّ، فَكَرِهْتُمُوهُ قال الكسائي، والفراء: معناه، فقد كرهتموه. وقرأ أبو سعيد الخدري (فَكُرِّهْتُمُوهُ) بالتشديد على غير تسمية الفاعل.
أخبرني الحسن، قال: حدّثنا عمر بن نوح البجلي، قال: حدّثنا أبو صالح عبد الوهاب بن أبي عصمة. قال: حدّثنا إسماعيل بن يزيد الأصفهاني. قال: حدّثنا يحيى بن سليم، عن كهمس، عن ميمون بن سباه، وكان يفضل على الحسن، ويقال: قد لقي من لم يلق، قال: بينما أنا نائم إذا أنا بجيفة زنجي وقائل يقول لي: كل، قلت: يا عبد الله، ولم آكل؟ قال: بما اغتبت عبد فلان، قلت: والله ما ذكرت منه خيرا، ولا شرّا، قال: لكنّك استمعت، ورضيت، فكان

(١) مسند أحمد: ٢/ ٣٨٤ صحيح مسلم: ٨/ ٢١ بتفاوت.
(٢) الدر المنثور: ٦/ ٩٧.
(٣) مجمع الزوائد: ٨/ ٩٤ جامع البيان للطبري: ٢٦/ ١٧٧.

صفحة رقم 84

ميمون بعد ذلك لا يغتاب أحدا، ولا يدع أن يغتاب عنده أحد، وحكي عن بعض الصالحين أنّه قال: كنت قاعدا في المقبرة الفلانية، فاجتازني شاب جلد، فقلت: هذا، وأمثاله، وبال على الناس، فلمّا كانت تلك الليلة رأيت في المنام أنّه قدّم إليّ جنازة عليها ميّت، وقيل لي كل من لحم هذا، وكشف عن وجهه، فإذا ذلك الشاب، فقلت: أنا لم آكل من لحم الحيوان الحلال منذ سنين، فكيف آكل هذا؟ فقيل: فلم اغتبته إذا؟ فانتبهت حزينا، فكنت آوي إلى تلك المقبرة سنة واحدة، فرأيت الرجل، فقمت إليه لأستحلّ منه، فنظر إليّ من بعيد، فقال: تبت. قلت:
نعم، قال: ارجع إلى مكانك.
وقد أخبرنا ابن منجويه، قال: حدّثنا عمر بن الخطّاب. قال: حدّثنا عبد الله بن الفضل.
قال: أخبرنا علي بن محمّد. قال: حدّثنا يحيى بن آدم. قال: حدّثنا ابن المبارك، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن ابن عمر، لأبي هريرة، قال: جاء ماعز إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: إنّه زنى، فأعرض عنه، حتّى أقرّ أربع مرّات، فأمر برجمه، فمرّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم على رجلين يذكران ماعزا، فقال أحدهما: هذا الذي ستر عليه، فلم تدعه نفسه حتّى رجم برجم الكلب.
قال: فسكت عنهما حتّى مرّا معه على جيفة حمار شائل رجله، فقال صلى الله عليه وسلّم لهما: «انزلا فأصيبا منه». فقالا: يا رسول الله غفر الله لك، وتؤكل هذه الجيفة؟
قال: «ما أصبتما من لحم أخيكما آنفا أعظم عليكما، أما إنّه الآن في أنهار الجنّة منغمس فيها» [٧٦].
وأخبرني ابن منجويه، قال: حدّثنا ابن شيبة قال: حدّثنا الفريابي، قال: حدّثنا محمّد بن المصفى، قال: حدّثنا أبو المغيرة، حدّثنا عبد القدوس بن الحجّاج، قال: حدّثني صفوان بن عمرو، قال: حدّثنا راشد بن سعد، وعبد الرّحمن بن جبير، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لمّا عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم، وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم النّاس، ويقعون في أعراضهم» [٧٧] «١».
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ
أخبرني الحسين، قال: حدّثنا موسى بن محمّد بن علي، قال: حدّثنا أحمد بن يحيى الحلواني، قال: حدّثنا يحيى بن أيّوب، قال: حدّثنا أسباط، عن أبي رجاء الخراساني، عن عبّاد بن كثير، عن الحريري، عن أبي نصرة، عن جابر بن عبد الله، وأبي سعيد الخدري، قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «الغيبة أشدّ من الزنا». قيل: وكيف؟
قال: «إنّ الرجل يزني، ثمّ يتوب، فيتوب الله عليه، وإنّ صاحب الغيبة لا يغفر له حتّى يغفر له صاحبه» [٧٨] «٢».

(١) مسند أحمد: ٣/ ٢٢٤ وسنن أبي داود: ٢/ ٤٥١.
(٢) الجامع الصغير: ١/ ٤٥٠ العهود المحمدية للشعراني: ٨٥٦ كنز العمال: ٣/ ٥٨٦. [.....]

صفحة رقم 85
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية