آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ

ما نهى الله عنه من السخرية واللمز والنبز فسق بذلك (١)، ويدل على هذا التأويل قوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَتُبْ﴾ أي: من هذه الأشياء ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد: من لم يتب فهو ظالم (٢).
١٢ - قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ﴾ وهو أن يظن بأخيه المسلم سوءاً [كأنه] (٣) سمع منه كلاماً لا يريد به سوءاً، أو رآه يدخل مدخلاً لا يقصد به سوءًا، فظن به سوءاً، فذلك الظن هو المأمور باجتنابه، ولا بأس به ما لم يتكلم به، فإن تكلم بذلك الظن وأبداه [ثم] وهو قوله تعالى: ﴿إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ يعني: ما أعلن وأبدى مما ظن بأخيه، هذا قول المقاتلين (٤).
وقال أبو إسحاق: أمر الله باجتناب كثير من الظن وهو أن يظن بأهل الخير سوءاً، فأما أهل السوء والفسق فلنا أن نظن بهم مثل الذي ظهر منهم (٥).
قوله تعالى: ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ قال الليث: الجَسُّ: جَسُّ الخَبَر، والجَاسُوسُ: العينُ يَتَجَسَّسُ الأخبار، والتجسس: البحث (٦).

(١) ذكر نحو ذلك الطبري في "تفسيره" ١٣/ ١٣٣ - ١٣٤، والبغوي في "تفسيره" ٧/ ٣٤٤، والقرطبي في "الجامع" ١٦/ ٣٢٨.
(٢) انظر: "زاد المسير" ٧/ ٤٦٩ عن ابن عباس: بلفظ: (الضارون لأنفسهم بمعصيتهم).
(٣) كذا في الأصل، ولعلها: (لأنه).
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٩٦، "تفسير الماوردي" ٥/ ٣٣٤، وقد نسبه لمقاتل بن حيان، ونسبه في "الوسيط" للمقاتلين، انظر ٤/ ١٥٥.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٣٦ - ٣٧.
(٦) انظر كتاب: العين (جسس) ٦/ ٥، "تهذيت اللغة" (جسس) ١٠/ ٤٤٨.

صفحة رقم 359

وقال يحيى بن أبي كثير: التجسس البحث عن باطن أمور الناس، وأكثر ما يقال ذلك في الشر (١)، قال المقاتلان: يقول لا يبحث أحدكم عن عيب أخيه حتى يطلع عليه إذ ستره الله عليه (٢)، وهذا معنى قول ابن عباس: يريد: لا تجسسوا من عيوب الناس (٣)، وقال مجاهد: يقول: خذوا ما ظهر ودعوا ما ستره الله (٤).
قوله تعالى: ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ يقال: اغتاب فلان فلاناً اغتياباً وغيبة يغتابه، قال الأزهري: وروي عن بعضهم أنه سمع: غابه يغيبه، إذا عابه وذكر منه ما يسوؤه مما هو فيه (٥)، وإذا تناوله بما ليس فيه فهو بهت وبهتان، وهذا قول جميع المفسرين (٦).
وروي ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"من ذكر رجلاً بما فيه فقد اغتابه، ومن ذكره بما ليس فيه فقد بهته" (٧).

(١) ورد هذا القول في "اللسان" غير منسوب، انظر: "اللسان" (جسس) ٦/ ٣٨، وأورد نحوه ابن الجوزي في "زاد المسير" منسوبًا ليحيى بن أبي كثير ٧/ ٤٧١.
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٩٦، وذكر هذا المعنى في "الوسيط" ٤/ ١٥٦ ولم ينسبه.
(٣) أخرج ذلك الطبري ١٣/ ١٣٥ عن ابن عباس.
(٤) أخرج ذلك الطبري عن مجاهد.
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" (غيب) ٨/ ٢١٥.
(٦) انظر: "تفسير الطبري" ١٣/ ١٣٥، "الثعلبي" ١٠/ ١٦٨ أ، "الماوردي" ٥/ ٣٣٤، "زاد المسير" ٧/ ٤٧١، "القرطبى" ١٦/ ٣٣٤، "تفسير الوسيط" ٤/ ١٥٦.
(٧) أخرج ذلك مسلم عن أبي هريرة بلفظ: "أتدرون ما الغيبة؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "ذكرك أخاك بما يكره"، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته". انظر: صحيح مسلم كتاب البر والصلة والآداب، باب (٢٠) تحريم الغيبة ٣/ ٢٠٠١، وأخرجه الترمذي عن أبي هريرة، انظر: "سنن الترمذي" كتاب: البر والصلة باب (٢٣) ما =

صفحة رقم 360

قال مقاتل: ثم ضرب للغيبة مثلاً فقال: ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا﴾ بقوله، فكما كرهتم أكل لحم الميت، فكذلك فاكرهوا الغيبة لإخوانكم (١).
وقال أبو إسحاق: تأويله: إن ذِكْرَكَ بسوء من لم يحضرك بمنزلة أكل لحمه وهو ميت لا يحيى بذلك، ويقال للمغتاب: فلان يأكل لحوم الناس (٢).
وهذا استفهام معناه: التقرير، كأنه قيل لهم: لم تحبون أكل لحم أخيكم ميتاً؟ وعطف قوله (فكرهتموه) على معنى لفظ الاستفهام (٣)، كما قال: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ﴾ [الشرح: ١، ٢] فقوله: ﴿وَوَضَعْنَا﴾: عطف على معنى: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ﴾ لا على لفظه، ألا ترى أنه لا يقال: ألم وضعنا، ولكن معنى (ألم نشرح) لا على لفظه ولكن معنى (ألم نشرح) قد شرحنا، فعطف على معناه، كذلك هذه الآية، قاله المبرد (٤) وقال الفراء: قوله: فكرهتموه أي: فقد كرهتموه فلا تفعلوه (٥).
قال صاحب "النظم": التأويل: أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً

= جاء في "الغيبة" ٤/ ٣٢٩، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه أبو داود في سننه في كتاب: الأدب باب (٤٠) في الغيبة ٥/ ١٩١، عن أبي هريرة، وأخرجه الطبري ١٣/ ١٣٧ عن أبي هريرة.
(١) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٩٦.
(٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ٣٧.
(٣) انظر: "روح المعاني" للألوسي ٢٦/ ١٥٨.
(٤) لم أقف عليه، وقد ذكر قريبًا من هذا النحاس في "إعراب القرآن" ٤/ ٢١٥.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٧٣.

صفحة رقم 361
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية