
وقال ابن عباس: هو تسمية الرجل بالكفر بعد الإسلام، وبالفسق بعد التوبة.
وقال الحسن: هو اليهودي والنصراني يسلمان فنهي أن يقال لهما يا يهودي يا نصراني بعد إسلامه.
وقيل: هو دعاء الرجل للرجل بما يكره من إسم أو صفة أو لقب، وهذا قول جامع لما تقدم.
ثم قال: ﴿بِئْسَ الاسم الفسوق بَعْدَ الإيمان﴾.
أي: من فعل هذا الذي نهي عنه فسخر من أخيه المؤمن ونبزه بالألقاب فهو فاسق.
وبين الاسم الفسوق بعد الإيمان، فلا تفعلوا ذلك فتستحقوا أن تسموا فساقاً، ففي الكلام حذف وتقديره ما ذكرنا.
وقال ابن زيد: معناه بئس أن يسمى الرجل كافراً أو زانياً بعد إسلامه وتوبته.
ثم قال: ﴿وَمَن لَّمْ يَتُبْ فأولئك هُمُ الظالمون﴾.
أي: ومن لم يتب عن نبزه أخاه وسخريته منه فهو ظالم نفسه.
قال: ﴿يا أيها الذين آمَنُواْ اجتنبوا كَثِيراً مِّنَ الظن إِنَّ بَعْضَ الظن إِثْمٌ﴾.

أي: تجنبوا أن تظنوا بالمؤمنين شراً، فإن الظن غير محق، وإنما قال: " كثيراً " ولم يقل: اجتنبوا الظن كله؛ لأن الظن قد يكون في الخير فتظن بأخيك المؤمن خيراً، وذلك حسن، فلو قال: اجتنبوا الظن كله يمنع أن يظن الإنسان بأخيه خيراً، ولذلك قال: إن بعض الظن إثم، أي: إن ظنك بأخيك المؤمن الشر لا الخير إثم لأن الله تعالى قد نهاك عنه.
روى أبو هريرة أن النبي ﷺ قال: " إياكم والظن فإنه أكذب الحديث فلا ينبغي لأحد أن يظن شراً بمن ظاهره حسن، ولا بأس أن نظن شراً بمن ظاهره قبيح ".
قال مجاهد: خذوا ما ظهر واتركوا ما ستره الله تعالى.
ثم قال: ﴿وَلاَ تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً﴾.
أي: ولا يتبع بعضكم عورة بعض، فيبحث عن سرائره ليطلع على عيوبه. قال ابن عباس: نهى الله تعالى المؤمن أن يتبع عورات المؤمن.

قال مجاهد: ولا تجسسوا: خذوا ما ظهر لكم ودعوا ما ستره الله وهو معنى قول قتادة.
والتجسس والتحسس (سواء في اللغة).
وقوله: ﴿وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً﴾.
أي: لا يقل بعضكم في بعض بظهر الغيب ما يكره أن يقال له في وجهه، وسأل النبي ﷺ عن الغيبة فقال: " هو أن تقول لأخيك ما فيه، فإن كنت صادقاً فقد اغتبته، وإن كنت كاذباً فقد بهته ".
قال مسروق: إذا ذكرت الرجل بأسوأ ما فيه فقد اغتبته، وإن ذكرته بما ليس

فيه فقد بهته.
قال الحسن: الغيبة أن تذكر من أخيك ما تعلم فيه من مساوئ أعماله، فإذا ذكرت بما ليس فيه فذلك البهتان.
قال ابن سيرين: إن علمت أن أخاك يكره أن تقول ما أشر سواد شعره ثم قلته من ورائه فقد اغتبته.
وقالت عائشة رضي الله عنها: قلت بحضرة النبي ﷺ في امرأة: ما أطول ذراعها، فقال: قد اغتبتها فاستحلي منها.
وروى جابر أن النبي ﷺ قال: " الغيبة أشد من الزنا لأن الرجل يزني فيتوب الله عليه، [والرجل يغتاب الرجل فيتوب، فلا يتاب عليه حتى يستحله] ".
ثم قال: ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً﴾.

أي: أنتم تحبون أن تأكلوا لحم الميتة، وتكرهونه فكذلك يجب / أن تكرهوا الغيبة للحي فإن الله حرم غيبة المؤمن حياً كما حرم أكل لحمه ميتاً.
قال ابن عباس: معناه كما أنت كاره أكل لحم الميتة المدودة فاكره غيبة أخيك كذلك، فأكل الميتة حرتم في الشريعة مكروه في النفوس مستقذر فضرب الله مثلاً للغيبة، فجعل المغتاب كآكل لحم / الميتة.
والعرب تقول: ألحمتك فلاناً: أي: أمكنتك من عرضه.
وقوله: ﴿فَكَرِهْتُمُوهُ﴾.
[أتى] بالماضي على تقدير فقد كرهتموه، ففيه معنى الأمر، ودل على ذلك قوله: ﴿واتقوا الله﴾ عطف عليه وهو أمر.
وقال الكسائي: فكرهتموه معناه: فينبغي أن تكرهوه.
قال المبرد: معناه فكرهتم أن تأكلوه.
ثم قال: ﴿واتقوا الله إِنَّ الله تَوَّابٌ رَّحِيمٌ﴾.
أي: وخافوا الله أن تقدموا على فعل ما نهاكم عنه من الظن السوء وتتبع عورات المسلم والتجسس على ما خفي عنك باغتياب أخيك المسلم وغير ذلك مما