آيات من القرآن الكريم

قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ
ﮓﮔﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ

انفراده في صفة الكبرياء والعظمة. وفي هذا إعلام بأنهما ليسا كسائر الصفات التي يتصف بها بعض المخلوقين مجازا كالرحمة والكرم وغيرهما، وشبههما بذلك لأن المتصف بهما يشملانه كما يشمل الرداء الإنسان، ولأنه لا يشاركه في ردائه وإزاره أحد، فكذلك الله تعالى لا ينبغي أن
يشاركه فيهما أحد، لأنهما من صفاته اللازمة المختصة به وهذا، والله أعلم، وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
تفسير سورة الأحقاف عدد ١٦- ٦٦- ٤٦
نزلت بمكة بعد الجاثية، عدا الآيات ١٠، ١٥، ٣٥ فإنها نزلت بالمدينة، وهي خمس وثلاثون آية، وستمئة وأربع وأربعون كلمة، وألفان وخمسمائة وخمسة وتسعون حرفا.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قال تعالى: «حم» ١ تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ» ٢ تقدم تفسيرها بنظيراتها التي قبلها حرفيا «ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ» الذي تقتضيه الحكمة الكونية والتشريعية وهذا الاستثناء مفرغا من أعم الأحوال من فاعل خلقنا أو مفعوله، أي ما خلقناهما في حال من الأحوال إلا حالا ملابسا بالحق، وفيه دلالة على وجود الصانع وصفات كماله وابتغاء أفعاله على حكم بالغة عظيمة وانتهائها إلى غايات جليلة بالغة، وكل ذلك يؤجل إلى قدر مقدر في اللوح المحفوظ لا يتبدل ولا يتغير، ولا يقدم ولا يؤخر، يدلك عليه قوله عز قوله «وَأَجَلٍ مُسَمًّى» ينتهي إليه فناؤهما، وهو معلوم لديه وحده، لأن علمه مما اختص به نفسه المقدسة. قال تعالى «وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا» به في هذا القرآن من بعث وحساب وغيره «مُعْرِضُونَ» ٣ عنه لا يلتفتون إليه والواو للحال أي والحال أنهم في إعراض عريض عنه، فيا سيد الرسل «قُلْ» لهؤلاء المعرضين «أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ» أخبروني عنها وكيف تعبدونها وهي أوثانا جامدة لا حقيقة لها «أَرُونِي» ماهيتها و «ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ» حتى تستحق العبادة «أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي

صفحة رقم 122

السَّماواتِ»
حتى عدلتموها بخالقها كلا «ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا» القرآن جاء فيه ما تقولونه، وهو ليس فيه شيء من ذلك «أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ» وبقية منه يؤثر عن الغير، ومن هنا سميت الأحاديث أخبارا، أي أروني مطلق علم من العلوم السالفة «إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» ٤ في زعمكم هذا بأنها أهل للعبادة فإذا لم يكن عندكم شيء من ذلك فأنتم إذا ظالمون.
مطلب عدم سماع دعاء الكفرة من قبل أوثانهم وتفتيده وتبرؤ الرسول صلّى الله عليه وسلم من علم الغيب وإسلام عبد الله بن سلام:
«وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ» دعاءه ولو ظل دائبا يدعوها ليل نهار «إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ» لا تجيبه لأنها جماد لا تبصر ولا تسمع ولا تفهم باللفظ ولا بالإشارة «وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ» ٥ لأنهم لا يدرون بهم. هذا إذا كانوا أصناما أو كواكب، أما إذا كانوا من ذوي العقول فإن كانوا من المقربين المقبولين عند الله كعيسى والمسيح وعزير والملائكة فلاشتغالهم عنهم بما هو خير، أو كونه بمحل ليس من شأنه الذي فيه أن يسمع دعاء الداعي، لأن الله تعالى يصون سمعهم عن سماع دعائه، لأن ما لا يرضاه الله يؤلمهم سماعه، وإن كان لا يضره لأنه لم يأمر به ولم يرده، ويتنزه الله تعالى عن مثله، وإن كان من أعداء الله كشياطين الجن والإنس الذين عبدوا من دون الله فإن كان ميتا فلاشتغاله بما هو فيه من الشر لو فرض سماعه، والميت ليس من شأنه السماع ولما يتحقق منه السماع إلا معجزة كسماع أهل القليب لقوله صلّى الله عليه وسلم ما أنتم بأسمع منهم وما جاء في السلام على الأموات وأنهم يردون السلام فذلك من قبل أرواحهم الخالية عن أجسادهم، لأن الأرواح كلها خالدة المنعم منها والمعذب، وهؤلاء المتخذين للعبادة ليسوا بأولئك، وإن كان حيا فإن كان بعيدا عنه فالأمر ظاهر بعدم السماع وإن كان قريبا سليم الحاسة فلا فائدة من إجابته، إذ لا يقدر على إجابة طلبه.
قال تعالى «وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ» العابدون والمعبودون «كانُوا» أي المعبودون «لَهُمْ» لعابديهم «أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ» ٦ جاحدين لها منكريها يقولون كما أخبر الله عنهم (تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ) الآية ٦٣ من سورة

صفحة رقم 123

القصص في ج ١، وهي مكررة في المعنى كثيرا فيخذلون حينذاك ويعلمون أنه قد سقط في أيديهم «وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ» الذي أتاهم على لسان رسولهم وهو القرآن «لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ» ٧ وإنما حكموا عليه بأنه سحر لعجزهم عن الإتيان بمثله، وعلى الأنبياء بأنهم سخرة لأن الأمور التي تظهر على أيديهم خارقة للعادة «أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ» من لدن نفسه أي إذا لم يقولوا سحر قالوا اختلقه «قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ» فيكون تجاوزا على الله «فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً» يدفع عني عذابه أو يمنعه من الوصول إلي فكيف افتري عليه لأجلكم وأنتم لا تستطيعون كف عقوبته عني ولكن «هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ» من القدح في وحي الله والطعن فيّ «كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ» لمن عصاه إذا لم يكن مشركا به «الرَّحِيمُ» ٨ بمن أطاعه ورجع إليه. تشير هذه الآية إلى أن من تاب وأناب لربه فإنه يغفر له ويرحمه، وهو كذلك إذا شاء «قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ» حتى تقولوا إني ابتدعت ما جئتكم به (الابتداع أن يأتي الرجل بما لم يكن قبل) ولم تنكرر هذه الكلمة في القرآن، أي لأني لست أول رسول أرسله الله لهداية البشر حتى تعجبوا وتقولوا ما تقولون، إذ بعث رسل قبلي جاءوا أقوامهم بمثل ما جئتهم به، فكيف تنكرون نبوتي وتجعلونها بدعة «وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ» فيما يستقبل من الزمان في هذه الدنيا هل أخرج أو أقتل أو أحبس كما فعلت الأقوام السالفة بأنبيائهم، ولا أعلم هل تصرون على تكذيبكم لي فتهلكون خسفا أو غرقا أو رهبة، أو تؤمنون فتنالون ما وعدني به ربي إليكم من نعيم الآخرة كغيركم من الأمم المكذبة والمصدقة؟ لأن هذا كله من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله لأني بشر مثلكم لا علم لي به إلا أن الله تعالى أخبرني بأن المؤمن مصيره في الآخرة الجنة، والكافر مرجعه النار، وأمرني أن أخبركم بهذا، وهو حق لا مناص منه. وفي هذه الآية ردّ على من ينسب إلى الأولياء علم الغيب من الأمور الكلية والجزئية، لأن الأنبياء أنفسهم صرّحوا بعدم علمهم الغيب إلا ما يوحيه الله إليهم منه، وما لا يكون للنبي لا يكون للولي قطعا.

صفحة رقم 124

قال في بدء الأمالي:

ولم يفضل ولي قط دهرا نبيا أو رسولا بانتحال
وقال النسفي لا يبلغ ولي درجة الأنبياء. وقال إن نبيا واحدا أفضل من جميع الأولياء فتنبه، واعلم أن الولي مهما بلغ من علو الشأن والرفعة لا ينال أدنى درجات الأنبياء، فضلا عن الرسل. قال تعالى يا أكرم الرسل قل لقومك ما أتبع فيما أقوله لكم سحرا ولا كهانة ولا اختلاقا ولا خرافات «إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ» من ربي وإني لست بساحر ولا كاهن ولا قصاص «ما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ» ٩ لكم شريعة الله كما أوحاها إلي لا أبتدع شيئا فيها من نفسي ولا أنقل لكم عن غيره شيئا أبدا، واعلم أن البدع والبديع من كل شيء المبدأ، والبدعة تطلق على ما لم يكن زمن الرسول صلّى الله عليه وسلم، وتكون حسنة إذا أجمع على حسنها المؤمنون، وسيئة إذا أجمعوا على قبحها، ولا عبرة بقول البعض في التحسين والتقبيح.
هذا، قالوا لما نزلت هذه الآية فرح المشركون وقالوا واللات والعزّى ما أمرنا وأمر محمد عند الله إلا واحدا، ولولا أنه ابتدع ما يقوله من ذاته لأخبره الذي بعثه ما يفعل، وقال الكلبي: لما ضجر أصحاب محمد من أذى المشركين قالوا له حتى متى تكون على هذه الحالة فقال ما أدري ما يفعل بي ولا بكم، وهل أترك في مكة أم أومر بالخروج إلى أرض رفعت لي بالمنام ذات نخيل وشجر.
وما أخرجه أبو داود في ناسخه من أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى في سورة الفتح ج ٣ (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) وأن الأصحاب قالوا له هنيئا لك يا نبي الله، قد علمنا ما يفعل بك، فماذا يفعل بنا؟ فأنزل الله الآية ٤٨ من الأحزاب ج ٣ وهي (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً) وقوله تعالى (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) الآية ٥ من سورة الفتح ج ٣، لا يصح لأن هذه خبر من الأخبار لا يدخلها النسخ وهي محكمة.
وهذه الآية المدنية الأولى من هذه السورة، قال تعالى «قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ» هذا القرآن الذي أتلوه عليكم منزل «مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ» أيها اليهود «وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ» في المعنى يعني التوراة والإنجيل

صفحة رقم 125

والزبور والصحف السماوية «فَآمَنَ» ذلك الشاهد وهو عبد الله بن سلام على أن القرآن من عند الله كما آمن بالتوراة بأنها من عنده «وَاسْتَكْبَرْتُمْ» عن الإيمان به أنفة وعدوانا وظلما لأنفسكم وغيركم «إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» ١٠ ويناسب هذه الآية في المعنى الآية المدنية ١٧ من سورة هود المارّة، يروى البخاري ومسلم عن سعيد بن العاص قال: ما سمعت النبي صلّى الله عليه وسلم يقول لحي يمشي على وجه الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام، قال وفيه نزلت هذه الآية.
وأخرج البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك قال: بلغ عبد الله بن سلام مقدم النبي صلّى الله عليه وسلم المدينة، وهو في أرض يخترق النخيل، فأتاه وقال إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي، ما أول أشراط الساعة، وما أول طعام يأكله أهل الجنة، ومن أي ينزع الولد إلى أبيه، ومن أي شيء ينزع الولد إلى أخواله؟ فقال صلّى الله عليه وسلم أخبرني بهن آنفا جبريل، أما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيارة كبد الحوت، وأما الشّبه في الولد فإن الرجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه كان الشبه له، وإذا سبقت كان الشبه لها، قال أشهد أنك رسول الله. ثم قال يا رسول الله إن اليهود قوم بهت، إن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني بهتوني عندك فجاءت اليهود ودخل عبد الله ابن سلام البيت، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم أي رجل فيكم عبد الله بن سلام؟ فقالوا أعلمنا وابن أعلمنا وخيرنا وابن خيرنا، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم أفرأيتم إن أسلم عبد الله، قالوا أعاذه الله من ذلك، زاد في رواية، فأعاد عليهم، فقالوا مثل ذلك، قال فخرج عبد الله إليهم، فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، فقالوا شرنا وابن شرنا، ووقعوا فيه، زاد في رواية، فقال عبد الله بن سلام هذا الذي كنت أخافه يا رسول الله أن يصموني به وأنا براء مما يقولون، ولكن الشريف يخاف أن يلصق به ما يعيبه، وبهذا ثبت كذب اليهود وبهتهم.
قالوا وكان اسمه الحصين، فلما أسلم سماه رسول الله عبد الله، وفي كتب اليهود أن الحصين هذا رأى النبي صلّى الله عليه وسلم حينما قدم بصرى وصار يتردد إليه ويعلمه التوراة، حتى انهم نسبوا تأليف القرآن إليه لعنهم الله وأخزاهم ما أبهتهم، لأن هذا لم يصل

صفحة رقم 126
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية