آيات من القرآن الكريم

قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ
ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨ ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ

وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٨) قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٩)
شرح الكلمات:
وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات: أي أهل مكة من كفار قريش، والآيات آيات القرآن والبينات الواضحات.
قال الذين كفروا للحق لما جاءهم: أي من كفار قريش للحق أي القرآن لما قرأه عليهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
هذا سحر مبين: أي قالوا في القرآن سحر مبين أي ظاهر لما رأوا من تأثيره على النفوس.
أم يقولون افتراه: أي بل أيقولون افتراه أي اختلقه من نفسه.
قل إن افتريته: أي قل لهم يا نبينا إن اختلقته من نفسي.
فلا تملكون لي من الله شيئا: أي فأنتم لا تملكون لي من الله شيئا إن أراد أن يعذبني.
هو أعلم بما تفيضون فيه: أي هو تعالى أعلم بما تخوضون فيه من القدح والطعن في وفي القرآن.
كفى به شهيداً بيني وبينكم: أي كفى به تعالى شهيدا بيني وبينكم.
ما كنت بدعاً من الرسل: أي لم أكن أول رسول فأكون بدعا من الرسل بل سبقني رسل كثيرون.
وما أدري ما يفعل بي ولا بكم: أي في هذه الحياة هل أخرج من بلدي، أو أقتل، وهل

صفحة رقم 47

ترجمون بالحجارة أو يخسف بكم.
إن أتبع إلا ما يوحى إلي: أي ما أتبع إلا ما يوحيه إلي ربي فأقول وأفعل ما يأمرني به.
وما أنا إلا نذير مبين: أي وما أنا إلا نذير لكم بين الانذار.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في دعوة العرب عامة وقريش خاصة إلى الإيمان والتوحيد فإذا قرأ عليهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القرآن دعوة لهم إلى الإيمان والتوحيد قالوا رداً عليه ما أخبر به تعالى في قوله ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ﴾ أي على كفار قريش ﴿آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ﴾ أي ظاهرات الدلالة واضحات المعاني ﴿قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ بالله وبرسوله ولقائه وتوحيده قالوا ﴿لَلْحَقُّ١﴾ وهو القرآن ﴿لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ بل قالوا ما هو أشنع في الكذب وأبشع في النظر إذ قالوا ما أخبر به تعالى عنهم في قوله ﴿أَمْ يَقُولُونَ٢ افْتَرَاهُ﴾ أي بل أيقولون افتراه أي اختلقه وتخرصه من نفسه وليس هو بكلام الله ووحيه إليه. وقوله تعالى ﴿قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً﴾ أي على فرض أنني افتريته على الله وقلت أوحي إلي ولم يوح إلي وأراد الانتقام مني بتعذيبي، فهل أنتم أو غيركم يستطيع دفع العذاب عني، وعليه فكيف أعرض نفسي للعذاب بالافتراء على الله تعالى، فهذا لن يكون مني أبداً. وقوله تعالى ﴿هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ٣ فِيهِ﴾ أي الله جل جلاله هو أعلم من كل أحد بما تخوضون فيه مندفعين في الكلام تطعنون في وفي القرآن فتقولون في ساحر وفي القرآن سحر مبين وتقولون في مفترٍ وفي القرآن افتراء إلى غير ذلك من المطاعن والنقائص. ﴿كَفَى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ٤﴾ أي كفى بالله شهيدا علي وعليكم فيما أقول وفيما تقولون وسيجزي كلا بما عمل ﴿وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّ٥حِيمُ﴾ لمن تاب فتوبوا إليه يغفر كفركم وخوضكم في الباطل ويرحمكم فإنه تعالى غفور لمن تاب رحيما بمن آمن وأناب. وقوله تعالى في الآية (٩) ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً ٦مِنَ الرُّسُلِ﴾ يأمر تعالى رسوله أن

(للحق) اللام تعليلية. وليست للتعدية، أي: قال الكافرون بعضهم لبعض لأجل رد الحق وإبطاله، هذا سحر مبين، والحق: القرآن، يصفونه بالسحر حتى لا يؤمنوا به.
(أم) هي المنقطعة المقدرة ببل، والاستفهام أي: أيقولون افتراه والاستفهام وبل للإضراب الانتقالي من نوع إلى آخر من أنواع ضلالهم، والاستفهام للنفي والإنكار معاً.
(تفيضون فيه) أي: من قول الباطل والخوض في تكذيب الحق، إذ الإفاضة في الشيء: الخوض فيه والاندفاع، ومنه: أفاضوا في الحديث: إذا اندفعوا يقولون، وأفاض الناس من عرفات إلى مزدلفة، أي اندفعوا.
٤ إذ هو يعلم صدقي ويعلم أنكم مبطلون.
٥ الغفور لمن تاب من عباده الرحيم بالمؤمنين.
٦ البدع: الأول: والبديع كالبدع بكسر الباء مثل: نصف ونصيف، وأبدع في كذا أتى بالبدع فيه أي بما لم يأت به غيره، والبديع: صفة مشبهة، وهو من أسماء الله تعالى، ومعناه: خالق الأشياء ومخترعها.

صفحة رقم 48

يقول لأولئك المشركين المفيضين في الطعن في القرآن والرسول في أغلب أوقاتهم وأكثر مجالسهم ﴿مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ﴾ أي ما أنا بأول عبد نبئ وأرسل فأكون بدعاً في هذا الشأن فينكر علي أو يستغرب مني بل سبقتني رسل كثيرة. وقوله ﴿وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ١ بِي وَلا بِكُمْ﴾ أي وقل لهم أيضاً أني لا أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي مستقبلا فهل أخرج من هذه البلاد أو أقتل أو تقبل دعوتي وأنصر ولا ما يفعل بكم من تعذيبكم بحجر أو مسخ أو هدايتكم ونجاتكم. وقوله ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ أي ما أتبع إلا الذي أوحى إلي ربي باعتقاده أو قوله أو عمله، فلا أحدث ولا أبتدع شيئا لم يوح الله به أبداً ﴿إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ أي ما أنا بالذي يملك شيئا لنفسه أو لغيره من خير أو ضير وإنما أنا نذير من عواقب الكفر والتكذيب والشرك والمعاصي فمن قبل إنذاري فكف عما يسبب العذاب نجا، ومن رفض إنذاري فأمره إلى ربي إن شاء عذبه وإن شاء تاب عليه وهداه ورحمه.
﴿قلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْراً مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (١١) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَاناً عَرَبِيّاً لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى (١٢) إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٣) إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٤) ﴾

١ هذا رد على المتعنتين من المشركين الذين يطالبون الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما لم يكن في وسعه من أمور الغيب، وليس معناه كما قيل: إنه لا يدري هل يكون بعد موته في الجنة أو في النار، ولا يدري هل يكون المشركون في النار أو الجنة، إذ هذا قول باطل. وأما حديث عثمان بن مظعون في البخاري" فإنه لما قالت المرأة رحمة الله عليك يا أبا السائب إن الله أكرمك فقال لها: وما يدريك أن الله أكرمه فإني وأنا رسول الله لا أدري ما يفعل بي" فإن المراد منه عدم الجزم بمصير من مات من المسلمين ووجوب تفويض الأمر إلى الله تعالى.

صفحة رقم 49
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
عرض الكتاب
المؤلف
جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
الناشر
مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة
سنة النشر
1424
الطبعة
الخامسة
عدد الأجزاء
5
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية