آيات من القرآن الكريم

قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ
ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ

أَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْهِ عَاجَلَهُ بِالْعَذَابِ، وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى دَفْعِهِ عَنْهُ - جَاءَ مَعْنَاهُ فِي بَعْضِ الْآيَاتِ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي «يُونُسَ» : قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ [١٠ ١٥] أَيْ إِنِّي أَخَافُ - إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي بِالِافْتِرَاءِ عَلَيْهِ بِتَبْدِيلِ قُرْآنِهِ أَوِ الْإِتْيَانِ بِقُرْآنٍ غَيْرِهِ - عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ.
وَذَكَرَ اللَّهُ - تَعَالَى - مِثْلَ هَذَا عَنْ بَعْضِ الرُّسُلِ فِي آيَاتٍ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ عَنْ صَالِحٍ: قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ الْآيَةَ [١١ ٦٣]. وَقَوْلِهِ - تَعَالَى - عَنْ نُوحٍ: قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ الْآيَةَ].
قَوْلُهُ - تَعَالَى -: قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ.
الْأَظْهَرُ فِي قَوْلِهِ: بِدْعًا أَنَّهُ فِعْلٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ، فَهُوَ بِمَعْنَى مُبْتَدِعٍ، وَالْمُبْتَدِعُ هُوَ الَّذِي أَبْدَعَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَابِقٍ.
وَمَعْنَى الْآيَةِ: قُلْ لَهُمْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ: مَا كُنْتُ أَوَّلَ رَسُولٍ أُرْسِلَ إِلَى الْبَشَرِ، بَلْ قَدْ أَرْسَلَ اللَّهُ قَبْلِي جَمِيعَ الرُّسُلِ إِلَى الْبَشَرِ، فَلَا وَجْهَ لِاسْتِبْعَادِكُمْ رِسَالَتِي، وَاسْتِنْكَارِكُمْ إِيَّاهَا ; لِأَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَ قَبْلِي رُسُلًا كَثِيرَةً.
وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ - جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً [١٣ ٣٨]. وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ الْآيَةَ [٣٠ ٤٧]. وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ الْآيَةَ [٤ ١٦٣]. وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: حم عسق كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [٤٢ ١ - ٣]. وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ الْآيَةَ [٤١ ٤٣]. وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ الْآيَةَ [٣ ١٤٤]. وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا الْآيَةَ [٦ ٣٤]. وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ.
قَوْلُهُ - تَعَالَى -: وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ.

صفحة رقم 216

التَّحْقِيقُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: مَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ فِي دَارِ الدُّنْيَا، فَمَا أَدْرِي أَأُخْرَجُ مِنْ مَسْقَطِ رَأْسِي، أَوْ أُقْتَلُ كَمَا فُعِلَ بِبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ.
وَمَا أَدْرِي مَا ينَالُنِي مِنَ الْحَوَادِثِ وَالْأُمُورِ فِي تَحَمُّلِ أَعْبَاءِ الرِّسَالَةِ.
وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِكُمْ: أَيُخْسَفُ بِكُمْ، أَوْ تَنْزِلُ عَلَيْكُمْ حِجَارَةٌ مِنَ السَّمَاءِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ.
وَهَذَا هُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ.
وَهَذَا الْمَعْنَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ الْآيَةَ [٧ ١٨٨]. وَقَوْلِهِ - تَعَالَى - آمِرًا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ الْآيَةَ [٦ ٥٠].
وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ مَا يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ: وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ أَيْ فِي الْآخِرَةِ - فَهُوَ خِلَافُ التَّحْقِيقِ، كَمَا سَتَرَى إِيضَاحَهُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ -.
فَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ وَعِكْرِمَةَ وَالْحَسَنِ - فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ - أَنَّهُ لَمَّا نَزَلْ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ - فَرِحَ الْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ وَالْمُنَافِقُونَ، وَقَالُوا: كَيْفَ نَتَّبِعُ نَبِيًّا لَا يَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِهِ وَلَا بِنَا، وَأَنَّهُ لَا فَضْلَ لَهُ عَلَيْنَا، وَلَوْلَا أَنَّهُ ابْتَدَعَ الَّذِي يَقُولُهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ، لَأَخْبَرَهُ الَّذِي بَعَثَهُ بِمَا يُفْعَلُ بِهِ.
فَنَزَلَتْ لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [٤٨ ٢] فَنَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةَ.
وَقَالَتِ الصَّحَابَةُ: هَنِيئًا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ بَيَّنَ لَكَ اللَّهُ مَا يُفْعَلُ بِكَ، فَلَيْتَ شِعْرَنَا مَا هُوَ مَا فَاعِلٌ بِنَا.
فَنَزَلَتْ لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ الْآيَةَ [٤٨ ٥]. وَنَزَلَتْ: وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا [٣٣ ٤٧].
فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ خِلَافُ التَّحْقِيقِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَجْهَلُ مَصِيرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِعِصْمَتِهِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - وَقَدْ قَالَ لَهُ اللَّهُ - تَعَالَى -: وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى [٩٣ ٤ - ٥] وَأَنَّ قَوْلَهُ: وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ

صفحة رقم 217
أضواء البيان
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي
سنة النشر
1415
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية