آيات من القرآن الكريم

فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ۚ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ۚ بَلَاغٌ ۚ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ
ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ

لما كان معنى الكلام: بها رواكد، حمل مشجج على ذلك (١).
٣٥ - قوله: ﴿كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ تفسير العزم قد تقدَّم ذكره [البقرة: ٢٢٧، وآل عمران: ١٥٩] قال ابن عباس في رواية عطاء وأبي صالح: يريد نوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى، ونحو هذا روى معمر عن قتادة (٢).
وقال أبو العالية: هم ثلاثة: نوح وإبراهيم وهود، ومحمد -صلى الله عليه وسلم- رابعهم (٣).
وقال الحسن: هم أربعة إبراهيم وموسى ودواد وعيسى، أما إبراهيم فإنه ابتلي في نفسه وولده ووطنه فوجد صادقًا، وأما موسى فإنه عزم ولم يشك حين قال له قومه: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١) قَالَ كَلَّا﴾ [الشعراء: ٦١]. وأما داود فإنه لما نُبِّهَ على زلته بكى أربعين سنة، وأما عشى فإنه لم يضع في الدنيا لبنة على لبنة (٤).

= الأرض الحزنة الغليظة ذات الحجارة جمعها الأماعز، وكانوا ينحرون النزول في الصلابة ليكونوا بمعزل عن السيل، والشاهد فيه رفع مشجج على المعنى.
والبيتان لذي الرمة وقيل للشماخ. انظر: ملحقات "ديوان ذي الرمة" ٣/ ١٨٤، و"ديوان الشماخ" ص ٤٢٨، و"الكتاب" لسيبويه ١/ ١٧٣، و"اللسان" (شجج) ٢/ ٣٠٤.
(١) انظر: "الحجة" لأبي علي ٥/ ٣١٣، ٦/ ١٨٧.
(٢) أخرج ذلك الطبري عن عطاء ١٣/ ٢/ ٣٧، وانظر: "تفسير الماوردي" ٥/ ٢٨٨، و"البغوي" ٧/ ٢٧٢، و"تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٢١٩، و"تفسير الوسيط" ٤/ ١١٦.
(٣) نظر: "تفسير الماوردي" ٥/ ٢٨٨، و"زاد المسير" ٧/ ٣٩٢، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٢٠، و"تفسير أبي الليث السمرقندي" ٣/ ٢٣٧.
(٤) انظر: "تفسير الثعلبي" ١٠/ ١٢١ ب. و"الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٢١، عن الحسن، وانظر: تفسير الحسن ٢/ ٢٨٦.

صفحة رقم 204

وقال مقاتل: هم ستة: نوح صبر على أذى قومه، وإبراهيم صبر على النار، وإسحاق صبر على الذبح (١)، ويعقوب صبر على فقد الولد وذهاب البصر، ويوسف صبر على البئر والسجن، وأيوب صبر على الضر (٢).
وقال الكلبي: هم أمروا بالقتال فأظهروا المكاشفة وجاهدوا في الدين (٣)، فهذا قول المفسرين في تفسير أولي العزم من الرسل.
وأما أهل المعاني والمحققون من العلماء فإنهم قالوا: كل الرسل أولو العزم، ولم يبعث الله رسولاً إلا كان ذا عزم وحزم ورأي وكمال عقل.
و (من) في قوله: (من الرسل) تبيين لا تبعيض (٤) كما يقال: أكسية من الخز، وكأنه قيل له: اصبر كما صبر الرسل قبلك على أذى قومهم، ووصفهم بالعزم لصبرهم ورزانتهم.
وهذا قول ابن زيد (٥) وذكره الكلبي فقال: ويقال كل الرسل قد كان ذا عزم (٦).

(١) هذا على القول بأن الذبيح إسحاق لا إسماعيل، وهو قول ضعيف.
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٣١، ٣٢، و"الثعلبي" ١٠/ ١٢١ ب، و"البغوي" ٧/ ٢٧٢.
(٣) انظر: "تفسير الثعلبي" ١٠/ ١٢١ أ، و"تفسير البغوي" ٧/ ٢٧١، عن الكلبي، و"تفسير الوسيط" ٤/ ١١٦.
(٤) انظر: "تفسير الثعلبي" ١٠/ ١٢١ أ، و"وضح البرهان في مشكلات القرآن" ٢/ ٢٩٨، و"تفسير البغوي" ٧/ ٢٧١
(٥) أخرج ذلك الطبري عن ابن زيد. انظر: تفسيره ١٣/ ٢/ ٣٧، و"تفسير الثعلبي" ١٠/ ١٢١ أ، و"تفسير البغوي" ٧/ ٢٧١.
(٦) انظر: "تفسير الثعلبي" ١٠/ ١٢١ أ، و"تنوير المقباس" ص ٥٠٦.

صفحة رقم 205

وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ﴾ قال ابن عباس: يريد العذاب، ومفعول الاستعجال محذوف من الكلام، وهو ما ذكره ابن عباس (١)، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- ضجر بعض الضمير وأحب أن ينزل الله العذاب بمن أبى من قومه، فأمر بالصبر وترك الاستعجال، ثم أخبر أن ذلك منهم قريب (٢) بقوله: ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ﴾ أي: من العذاب في الآخرة: ﴿لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ﴾ وقال الكلبي: لم يمكثوا في القبور إلا ساعة (٣)، وقال مقاتل: لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة من نهار (٤)، والمعنى أنهم إذا عاينوا العذاب صار طول لبثهم في الدنيا والبرزخ كأنه ساعة من النهار، أو كأنه لم يكن لهول ما عاينوا؛ ولأن الشيء إذا مضى كأنه لم يكن وإن كان طويلاً ألا تسمع قول القائل:

كأنَّ شيئًا لم يَكُنْ إذا مَضَى كأنَّ شيئًا لم يَزَل إذا أَتَى (٥)
وتم الكلام (٦) ثم قال: ﴿بَلَاغٌ﴾ أي: هذا القرآن وما فيه من البيان بلاغ من الله إليكم كما قال: ﴿هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ﴾ [إبراهيم: ٥٢] الآية، والبلاغ بمعنى التبليغ، وهذا مذهب المفسرين والقراء، من أن قوله (بلاغ)
(١) انظر: "تفسير الطبري" ١٣/ ٢/ ٣٧، و"تفسير الثعلبي" ١٢٢/ ١٠ ب، و"تفسير البغوي" ٧/ ٢٧٢، فقد ذكروا المعنى ولم ينسبوه لابن عباس.
(٢) انظر: "تفسير البغوي" ٧/ ٢٢، و"زاد المسير" ٧/ ٣٩٣، و"تفسير الوسيط" ٤/ ١١٧.
(٣) انظر: "تفسير الماوردي" ٥/ ٢٨٩، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٢٢، وقد نسبا القول للنقاش.
(٤) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٣٢، و"تفسير الطبري" ١٣/ ٢ / ٣٧.
(٥) لم أقف عليه.
(٦) انظر: "القطع والائتناف" ص ٦٦٤.

صفحة رقم 206

ابتداء كلام آخر (١)، وقال مقاتل في قوله (بلاغ) يقول: كأنهم تبلغوا فيها، والبلاغ على هذا القول بمعنى التبليغ (٢)، والمعنى: أن طول لبثهم في الدنيا كأنه تبلغ. والقول هو الأول.
قوله تعالى: ﴿فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ﴾ أي: العاصون الخارجون عن أمر الله. يعني: أن العذاب لا يقع إلا بهم فيما بلغهم محمد -صلى الله عليه وسلم- عن الله، ولهذا قال قوم: ما في الرجاء لرحمة الله آية أقوى من هذه الآية (٣).
قال أبو إسحاق تأويله: لا يهلك مع رحمة الله وتفضله إلا القوم الفاسقون (٤).

(١) انظر: "تفسير الثعلبي" ١٠/ ١٢ ب، و"تفسير البغوي" ٧/ ٢٧٣، و"زاد المسير" ٧/ ٣٩٣، و"القطع والائتناف" للنحاس ص ٦٦٤، و"النشر في القراءات العشر" ص ٤٨٢.
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ٣٢.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٤٨، و"تفسير البغوي" ٧/ ٢٧٣، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ٢٢٢، و"تفسير الوسيط" ٤/ ١١٧.
(٤) انظر:"معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٤٨.

صفحة رقم 207

سورة محمد

صفحة رقم 209
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية