آيات من القرآن الكريم

فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ۚ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ۚ بَلَاغٌ ۚ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ

لم نمكن لكم، ولم نعطكم يا أهل مكة. وقال القتبي: إن الخفيفة قد تزاد في الكلام، كقول الشاعر: ما إن رأيت ولا سمعت به، يعني: ما رأيت ولا سمعت به، يعني: مَا لَمْ نُمَكّن لَّكُمْ ومعنى الآية وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وقال الزجاج: إنْ هاهنا مكان ما، يعني: فيما مكناكم فيه. ويقال معناه: ولقد مكناهم في الذي مكناكم فيه.
وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً يعني: جعلنا لهم سمعاً ليسمعوا المواعظ، وأبصاراً لينظروا في الدلائل، وأفئدة ليتفكروا في خلق الله تعالى. فَما أَغْنى عَنْهُمْ يعني: لم ينفعهم من العذاب سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إذ لم يسمعوا الهدى، ولم ينظروا في الدلائل، ولم يتفكروا في خلقه إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ يعني: بدلائله وَحاقَ بِهِمْ يعني: نزل بهم من العذاب مَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ يعني: العذاب الذي كانوا يجحدون به، ويستهزئون.
قوله تعالى: وَلَقَدْ أَهْلَكْنا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى يعني: أهلكنا قبلكم يا أهل مكة بالعذاب، ما حولكم من القرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ أي: بينا لهم الدلائل، والحجج، والعلامات لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ أي: يرجعون عن كفرهم، قبل أن يهلكوا. قوله تعالى: فَلَوْلا نَصَرَهُمُ يعني: فهلا نصرهم. يعني: كيف لم يمنعهم من العذاب الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْباناً يعني: عبدوا مِن دُونِ الله، مَا يتقربون بها إلى الله آلِهَةً يعني: أصناماً، كما قال في آية أخرى مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى [الزمر: ٣] بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ يعني: الآلهة لم تنفعهم شيئاً. ويقال: اشتغلوا بأنفسهم. ويقال: بطلت عنهم.
وَذلِكَ إِفْكُهُمْ يعني: كذبهم وَما كانُوا يَفْتَرُونَ يعني: يختلفون. وذكر أبو عبيدة بإسناده، عن عبد الله بن عباس، أنه قرأ أَفَكَهُمْ بنصب الألف والفاء والكاف. يعني: ذلك الفعل أضلهم، وأهلكهم وصرفهم عن الحق، وقراءة العامة بضده. وَذَلِكَ إفْكهم يعني: ذلك الفعل، وهو عبادتهم. وقولهم: وكذبهم ويقال: وَذَلِكَ إفْكُهُمْ اليوم، كما كان إفك من كان قبلهم.
[سورة الأحقاف (٤٦) : الآيات ٢٩ الى ٣٥]
وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠) يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٣١) وَمَنْ لاَّ يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٢) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٣)
وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٤) فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (٣٥)

صفحة رقم 292

قوله تعالى: وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ وذلك، أن النبيّ صلّى الله عليه وسلم لما بعث، خرت الأصنام على وجوهها في تلك الليلة. فصاح إبليس صيحة، فاجتمع إليه جنوده، فقال لهم: قد عرض أمر عظيم، امضوا فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها. يعني: امشوا وانظروا ماذا حدث من الأمر. وروى ابن عباس: أنه لما بعث النبي صلّى الله عليه وسلم حيل بين الشياطين وبين السماء، وأرسل عليهم الشهب، فجاؤوا إلى إبليس، فأخبروه بذلك، قال: هذا الأمر حادث، اضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فجاء نفر منهم، فوجدوا النبيّ صلّى الله عليه وسلم يصلي تحت نخلة في سوق عكاظ، ومعه ابن مسعود وأصحابه، وكان يقرأ سورة طه في الصلاة.
وروى وكيع، عن سفيان، عن عاصم، عن رجل، عن زر بن حبيش، في قوله تعالى:
وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ قال: كانوا تسعة أحدهم: زوبعة أتوه ببطن نخلة يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا وروى عكرمة، عن الزبير قال: كان النبيّ صلّى الله عليه وسلم يقرأ في العشاء الأخيرة، فلما حضروا النبيّ صلّى الله عليه وسلم، قال بعضهم، لبعض أنصتوا للقرآن واستمعوا فَلَمَّا قُضِيَ يعني: فرغ النبيّ صلّى الله عليه وسلم من القراءة والصلاة وَلَّوْا يعني: رجعوا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قال مقاتل: يعني: المؤمنين. وقال الكلبي: يعني: مخوفين. وقال مجاهد: ليس في الجن رسل، وإنما الرسل في الإنس، والنذارة في الجن. ثم قرأ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ يعني: أنذروا قومهم من الجن قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا من محمد صلّى الله عليه وسلم كِتاباً يعني: قراءة القرآن أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى يعني: أنزل على النبي صلّى الله عليه وسلم مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يعني: موافقاً لما قبله من الكتب يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ يعني: يدعو إلى توحيد الله تعالى من الشرك، كما هو في سائر الكتب وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ لا عوج فيه، يعني: دين الله تعالى، وهو الإسلام يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ يعني: النبيّ صلّى الله عليه وسلم وَآمِنُوا بِهِ يعني: صدقوا به وبكتابه يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ومن صلة في الكلام. يعني: يغفر لكم ذنوبكم إن صدقتم.
وآمنتم وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ يعني: يؤمنكم من عذاب النار وَمَنْ لاَّ يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ

صفحة رقم 293

يعني: من لم يجب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، بما يدعو إليه من الإيمان فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ يعني: لا يستطيع أن يهرب في الأرض، من عذاب الله تعالى. ويقال: معناه فلن يجد الله عاجزاً عن طلبه وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ يعني: ليس له أنصار يمنعونه، مما نزل به من العذاب أُولئِكَ فِي ضَلالٍ يعني: في خطأ مُبِينٍ وذكر في الخبر، أنهم لما أنذرهم وخوفهم، جاء جماعة منهم إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلم بمكة، فلقيهم بالبطحاء فقرأ عليهم القرآن، فأمرهم ونهاهم، وكان معه عبد الله بن مسعود، وَخَطَّ لَهُ النبيّ صلّى الله عليه وسلم خطاً، وقال له: «لاَ تَخْرُجْ مِنْ هَذَا الخَطِّ، فَإِنَّكَ إنْ خَرَجْتَ لَنْ تَرَانِي إلَى يَوْمِ القِيَامَة، فلما رجع إليه قال: يا نبي الله سمعت هَدَّتين أي: صوتين فقال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: أمَّا إِحْدَاهُمَا: فَإنِّي سَلَّمْتُ عَليْهِمْ فَرَدُّوا عَلَيَّ السَّلاَم، وأمّا الثَّانِيَة: فَإِنَّهُمْ سَأَلُوا الرِّزْقَ فَأَعْطَيْتُهُمْ عَظْماً رِزْقاً لهم، وَأَعْطَيْتَهُم رَوْثاً رِزْقاً لِدَوَابِّهِمْ».
ثم قال تعالى أَوَلَمْ يَرَوْا يعني: أولم يعتبروا ويتفكروا. ويقال: أو لم يخبروا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ يعني: لم يعجز عن خلق السموات والأرض، فكيف يعجز عن بعث الموتى. ويقال: وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ يعني: لم يعيه خلقهن، ولم يعى بخلقهن بقادر عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى لأنهم كانوا مقرين بأن الله، هو الذي خلق السموات والأرض، وكانوا منكرين للبعث بعد مماتهم، فأخبرهم الله تعالى، بأن الذي كان قادراً على خلق السموات والأرض، يكون قادراً على إحيائهم بعد الموت. ثم قال بَلى يعني: هو قادر على البعث إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ من الإحياء والبعث.
وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ يعني: يكشف الغطاء عنها. ويقال: يساق الذين كفروا إلى النار. ويقال لهم: أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ يعني: أليس هذا العذاب الذي ترون حقاً، وكنتم تكذبون به قالُوا بَلى وَرَبِّنا إنه الحق، وَرَبّنَا هو الله. ويقال: والله إنه لحق، فيقرون حين لا ينفعهم إقرارهم. قال: فيقال لهم: قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ أي:
تجحدون فَاصْبِرْ يا محمد، يعني: اصبر على أذى أهل مكة، وتكذيبهم.
كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ يعني: أولو الحزم، وهو أن يصبر في الأمور، ويثبت عليها، وذلك أن النبيّ صلّى الله عليه وسلم، أراد أن يدعو عليهم، فأمره الله تعالى بالصبر، كما صبر نوح، وكما صبر إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب ويوسف وغيرهم من الأنبياء، صلوات الله عليهم أجمعين. وقال السدي: أولو العزم، الذين أمروا بالقتال من الرسل. وقال أبو العالية: أولو العزم من الرسل، كانوا ثلاثة والنبي صلّى الله عليه وسلم رابعهم، إبراهيم وهود ونوح، فأمره الله تعالى أن يصبر كما صبروا. وقال مقاتل: أولو العزم من الرسل اثني عشر نبياً في بيت المقدس، فأوحى الله إليهم ثلاث مرات، أن اخرجوا من بين أقوامكم، فلم يخرجوا. فقال الله تعالى: يمضي العذاب عليكم مع قومكم فتشاوروا فاختاروا هلاك أنفسهم بينهم وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ يعني: لا

صفحة رقم 294

تستعجل لهم بالعذاب كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ يعني: العذاب قد أتاهم من قريب في الآخرة، فلقربه كأنهم يرونه في الحال. ويقال: في الآية تقديم وتأخير، كأنهم لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً في الدنيا يعني: إذا أتاهم ذلك اليوم، يرون أنهم لم يلبثوا في الدنيا إلا القليل.
فذلك قوله: لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ يعني: من نهار الدنيا. ويقال: يعني: في القبور. وقال أبو العالية: معناه كأنهم يرون، حين يظنون أنهم لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً من نهار. ثم قال بَلاغٌ يعني: ذلك بلاغ وبلغه وأجل، فإذا بلغوا أجلهم ذلك فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ يعني: هل يهلك في العذاب، إذا جاء العذاب إلا القوم العاصون. ويقال: معناه لا يهلك مع رحمة الله وفضله، إلا القوم الفاسقون. ويقال: بلاغ يعني: هذا الذي ذكر بلاغ.
أي: تمام العظة. ويقال: هو من الإبلاغ، أي: هذا إرسال وبيان لهم كقوله هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ والله أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

صفحة رقم 295
بحر العلوم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية