آيات من القرآن الكريم

وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً ۚ وَهَٰذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ
ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ

هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ تخوضون. فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
[سورة الأحقاف (٤٦) : الآيات ٩ الى ١٢]
قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (١١) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (١٢)
قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ بديعا مثل نصف ونصيف، من الرسل، لست بأوّل مرسل، فلم تنكرون نبوّتي؟ هل أنا إلّا كالأنبياء قبلي؟ وجمع البدع: أبداع، قال عدي بن زيد:

فلا أنا بدع من حوادث تعتري رجالا عرت من بعد بؤسي وأسعدي «١»
وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ اختلف العلماء في معنى هذه الآية وحكمها، فقال بعضهم: معناها وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ يوم القيامة.
فلمّا نزلت هذه الآية فرح المشركون فرحا شديدا، وقالوا: واللات والعزّى ما أمرنا وأمر محمّد صلّى الله عليه وسلّم عند الله إلّا واحد، وما له علينا من مزية وفضل، ولولا إنّه ابتدع ما يقوله من ذات نفسه لأخبره الذي بعثه بما يفعل به. فأنزل الله تعالى لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ «٢».
فبيّن له أمره ونسخت هذه الآية، فقالت الصحابة: هنيئا لك يا نبيّ الله، قد علمنا ما يفعل بك، فماذا يفعل بنا؟ فأنزل الله تعالى: لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ «٣» الآية. وأنزل وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيراً «٤» فبيّن الله تعالى ما يفعل به وبهم.
وهذا قول أنس وقتادة والحسن وعكرمة.
أخبرني الحسين بن محمّد بن الحسين الدينوري، حدّثنا أحمد بن محمّد بن إسحاق السني، حدّثنا إسماعيل بن داود، حدّثنا هارون بن سعيد، حدّثنا ابن وهب، أخبرني يونس بن يزيد، عن أبي شهاب إنّ خارجة بن زيد بن ثابت أخبره أنّ أمّ العلاء- امرأة من الأنصار قد بايعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- أخبرته أنّهم اقتسموا والمهاجرين سكناهم قرعة.
(١) تفسير الطبري: ٢٦/ ٨.
(٢) سورة الفتح: ٢.
(٣) سورة الفتح: ٥.
(٤) سورة الأحزاب: ٤٧.

صفحة رقم 7

قالت: فطار لنا عثمان بن مظعون فأنزلناه أبياتنا موضعه الّذي توفي فيه، فلمّا توفي غسّل وكفّن في أثوابه، فدخل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت لعثمان بن مظعون: رحمة الله عليك أبا السائب، لقد أكرمك الله، فقال رسول الله: «وما يدريك إنّ الله تعالى «١» أكرمه».
قالت: فقلت: بأبي أنت وأمي لا أدري. قال: «أما هو فقد جاءه اليقين وما رأينا إلّا خيرا. فو الله إنّي لأرجو له الجنّة، فو الله ما أدري- وأنا رسول الله-ماذا يفعل بي» [٢] «٢».
قالت: فو الله لا أزكّي بعده أحدا.
قالوا: وإنّما قال هذا حين لم يخبر بغفران ذنبه، وإنّما غفر الله له ذنبه في غزوة الحديبية قبل موته بسنتين وشيء، وقال ابن عبّاس: لمّا اشتدّ البلاء بأصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى رسول الله فيما يرى النائم وهو بمكّة أرضا ذات سباخ ونخل رفعت له، يهاجر إليها.
فقال له أصحابه وهم بمكّه: إلى متى نكون في هذا البلاء الّذي نحن فيه؟ ومتى نهاجر إلى الأرض التي أريت. فسكت.
فأنزل الله تعالى: وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ أترك في مكاني أو أخرج إلى الأرض التي رفعت لي، وقال بعضهم: معناها: ولا أدري ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ، إلى ماذا يصير أمري وأمركم في الدّنيا؟
أنبأني عقيل بن محمّد، أخبرنا المعافى بن زكريا، أخبرنا محمّد بن جرير، أخبرنا ابن حميد، حدّثنا يحيى بن واضح، حدّثنا أبو بكر الهذل، عن الحسن. في قوله تعالى: وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ، فقال: أمّا في الآخرة فمعاذ الله قد علم إنّه في الجنّة حين أخذ ميثاقه في الرسل، ولكن قال: ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ في الدّنيا، أخرج كما أخرجت الأنبياء من قبلي ولا أدري ما يفعل بكم، أمّتي المكذّبة أم المصدّقة، أم أمّتي المرميّة بالحجارة من السّماء قذفا أم مخسوف بها خسفا.
ثمّ أنزل الله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً «٣». يقول: سيظهر دينكم على الأديان. ثمّ قال في أمّته: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ «٤» فأخبره الله تعالى ما يصنع به وبأمّته. وهذا قول السدي واليماني، وقال الضحّاك: وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ أي ما تؤمرون وما تنهون عنه.

(١) غير موجودة في المصدر.
(٢) مسند أحمد: ٦/ ٤٣٦ صحيح البخاري: ٢/ ٧١، اختلاف في اللفظ. [.....]
(٣) سورة الفتح: ٢٨.
(٤) سورة الأنفال: ٣٣.

صفحة رقم 8

إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ.
قال قتادة والضحاك وابن زيد: هو عبد الله بن سلام شهد على نبوّة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم. فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ اليهود، فلم يؤمنوا.
أخبرنا عبد الرّحمن بن إبراهيم بن محمّد بن يحيى، أخبرنا عبدوس بن الحسين بن منصور، حدّثنا محمّد بن إدريس يعني الحنظلي، وأخبرنا عبد الله بن حامد، حدّثنا أبو جعفر محمّد بن محمّد بن عبد الله البغدادي، حدّثنا إسماعيل بن محمّد بن إسحاق، حدّثنا عمر بن محمّد بن عبد الله الأنصاري.
حدّثني حميد الطويل، عن أنس، قال: جاء عبد الله بن سلام إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقدمه المدينة، فقال: إنّي سائلك عن ثلاث لا يعلمهنّ إلّا نبي، ما أوّل أشراط السّاعة؟، وما أوّل طعام يأكله أهل الجنّة؟، والولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمّه؟.
قال: «أخبرني جبريل بهنّ آنفا» قال عبد الله: ذاك عدوّ اليهود من الملائكة.
قال: «أمّا أوّل أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب، وأمّا أوّل طعام يأكله أهل الجنّة مرارة «١» كبد حوت، فأمّا الولد، فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة نزعت الولد» [٣] «٢».
فقال: أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنّك رسول الله. ثمّ قال: يا رسول الله إنّ اليهود قوم بهت، وإن علموا بإسلامي قبل أن تسائلهم عنّي بهتوا عليّ عندك، فجاءت اليهود فقال لهم النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أي رجل عبد الله فيكم؟» قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وسيّدنا وابن سيّدنا، وأعلمنا وابن أعلمنا. قال: «أرأيتم إن أسلم عبد الله». قالوا: أعاذه الله من ذلك، فخرج إليهم عبد الله.
فقال: أشهد أن لا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّدا رسول الله. قالوا: شرّنا وابن شرّنا.
وانتقصوه، قال: هذا ما كنت أخاف يا رسول الله وأحذر.
ودليل هذا التأويل
أنبأني عقيل بن محمّد أنّ المعافى بن زكريا أخبرهم، عن محمّد بن جرير، أخبرنا يونس، أخبرنا عبد الله بن يوسف السبكي قال: سمعت مالك بن أنس يحدّث، عن أبي النضر، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: ما سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لأحد يمشي على الأرض: إنّه من أهل الجنّة، إلّا لعبد الله بن سلام [٤] «٣».

(١) في المصدر زيادة.
(٢) مسند أحمد: ٣/ ١٨٩.
(٣) مجمع البحرين: ٢/ ٥٥١.

صفحة رقم 9

قال: وفيه نزلت وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ.
وقال آخرون: هو موسى بن عمران (عليه السّلام).
وروى الشعبي، عن مسروق في هذه الآية، قال: والله ما نزلت في عبد الله بن سلام لأنّ ل حم نزلت بمكّة، وإنّما أسلم عبد الله بالمدينة، وإنّما كانت محاجّة من رسول الله لقومه، فأنزل الله تعالى هذه الآية ومثل القرآن التوراة، فشهد موسى على التوراة، ومحمّد على القرآن، وكلاهما مصدّق أحدهما الآخر، وقيل: هو ابن يامين.
وقيل: هو نبي من بني إسرائيل فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ فلم يؤمنوا.
إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ لدينه وحجّته، وقال أهل المعاني: هذه الآية محذوفة الجواب مجازها قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ من المحقّ منّا ومنكم، ومن المبطل؟
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا من اليهود. لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ دين محمّد خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ يعني عبد الله بن سلام وأصحابه، قاله أكثر المفسّرين، وقال قتادة: نزلت هذه الآية في ناس من مشركي قريش، قالوا: لو كان ما يدعونا إليه محمّد خيرا ما سبقنا إليه فلان، وفلان يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ «١».
وقال الكلبي: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني أسدا وغطفان لِلَّذِينَ آمَنُوا يعني جهينة ومزينة. لَوْ كانَ ما جاء به محمّد خَيْراً ما سبقنا إليه رعاء البهم ورذال الناس.
قال الله تعالى: وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ أي بالقرآن كما اهتدى به أهل الإيمان. فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ كما قالوا: أساطير الأوّلين. وَمِنْ قَبْلِهِ أي ومن قبل القرآن.
كِتابُ مُوسى إِماماً يؤتم به. وَرَحْمَةً لمن آمن وعمل به، ونصبا على الحال، عن الكسائي، وقال أبو عبيدة: فيه إضمار أي أنزلناه أو جعلناه إماما ورحمة. الأخفش على القطع لأنّ قوله: كِتابُ مُوسى معرفة بالإضافة، والنكرة إذا أعيدت وأضيفت أو أدخلت عليها الألف واللام، صارت معرفة.
وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا نصب على الحال، وقيل: أعني لسانا. وقيل: بلسان.
لِيُنْذِرَ (بالتاء) مدني وشامي ويعقوب وأيوب، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم على خطاب النبي (عليه السّلام)، وقرأ الباقون (بالياء) على الخبر عنه. وقيل: عن الكتاب.
الَّذِينَ ظَلَمُوا أنفسهم بالكفر والمعصية. وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ وجهان من الإعراب:

(١) سورة البقرة: ١٠٥.

صفحة رقم 10
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية