آيات من القرآن الكريم

وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً ۚ وَهَٰذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ
ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ

معنى قول مقاتل؛ لأنه قال: ومن قبل هذا القرآن قد كذبوا بالتوراة لقولهم (١) ﴿إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ﴾ [القصص: ٤٨].
قال أبو إسحاق: (إمامًا) منصوب على الحال ورحمةً عطف عليه (٢)، وتقدير الكلام: وتقدمه كتاب موسى إماماً؛ لأن معنى (ومن قبله) تقدمه وتم الكلام (٣)، ثم قال: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ﴾ قال المفسرون: للكتب التي قبله (٤).
قال أبو إسحاق: مصدق لما بين يديه، كما قال: ﴿كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ [الأحقاف: ٣٠] وحذف هاهنا التقدم (٥).
١٢ - قوله: ﴿وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى﴾ والمعنى: وهذا كتاب مصدق له أي لكتاب موسى، فحذف للعلم به، و ﴿لِسَانًا عَرَبِيًّا﴾ منصوب على الحال، المعنى: مصدق لما بين يديه عربيًّا، وذكر (لسانًا) توكيد كما تقول: جاءني زيد رجلاً صالحًا، فتذكر رجلاً توكيدًا، قال وفيه وجه آخر وهو: وهذا كتاب مصدق النبي -صلى الله عليه وسلم- فيكون التقدير مصدق ذا لسان عربي (٦)، وذكر الأخفش هذين القولين أيضًا (٧).

(١) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ١٩.
(٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٤٠.
(٣) انظر: "القطع والائتناف" للنحاس ص ٦٦١، و"المكتفى" للداني ص ٥٢١.
(٤) انظر: "تفسير البغوي" ٧/ ٢٥٦، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ١٩١.
(٥) الذي في "معاني القرآن" للزجاج: (وحذف له هاهنا أعني من قوله: "وهذا كتاب مصدق" لأن قبله ومن قبله كتاب موسى، فالمعنى وهذا كتاب مصدق له، أي مصدق التوراة) ٤/ ٤٤١.
(٦) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٤١.
(٧) انظر: "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٩٣.

صفحة رقم 173

قوله: ﴿لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ﴾ قال ابن عباس: أشركوا (١)، وقال مقاتل: يعني مشركي مكة (٢).
وفي قوله (لينذر) قراءتان (٣): التاء: لكثرة ما ورد من هذا المعنى بالمخاطبة كقوله: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا﴾ [النازعات: ٤٥] و ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ [الرعد: ٧] ﴿لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: ٢] والياء لتقدم ذكر الكتاب، فأسند الإنذار إلى الكتاب كما أسند إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- في قوله: ﴿عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ﴾، ﴿قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا﴾ [الكهف: ١ - ٢].
وقوله: ﴿وَبُشْرَى﴾، قال إسحاق: الأجود أن يكون (وبشرى) في موضع رفع، المعنى: وهو بشرى للمحسنين. قال: ويجوز أن يكون في موضع نصب على معنى: لتنذر الذين ظلموا وتبشر المحسنين بشرى (٤)، وزاد الفراء هذا الوجه بيانًا فقال: النصب على (لتنذر الذين ظلموا) وتبشر، فإذا وضعت في موضعه بشرى أو بشارة، نصبت، ومثله في الكلام: أعوذ بالله منك. وسَقْيًا لفلان، كأنه قال: وسقى الله فلانًا، وجئت لأكرمك وزيارة لك وقضاء لحقك، معناه لأزورك وأقضي حقك، فتنصب الزيارةَ والقضاءَ بفعل مضمر (٥).

(١) انظر: "تنوير المقباس" ص ٥٠٣.
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" ٤/ ١٩.
(٣) قرأ ابن نافع وابن عامر والبزي بالتاء، وقرأ الباقون بالياء. انظر: "الكشف عن وجوه القراءات" لمكي ٢/ ٢٧١، و"حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٦٦٢.
(٤) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٤٤١.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٥٢، والكشف والبيان للثعلبي ١٠/ ١١٠ أ.

صفحة رقم 174
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية