آيات من القرآن الكريم

هَٰذَا هُدًى ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ
ﮎﮏﮐﮑ ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ

آيات الله بدلا من اسم الإشارة وجملة نتلوها هي الخبر وعليك متعلقان بنتلوها وبالحق حال أي ملتبسة بالحق (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ) الفاء عاطفة وبأي متعلقان بيؤمنون والاستفهام إنكاري معناه النفي أي لا يؤمنون وحديث مضاف لأي وبعد الله ظرف متعلق بمحذوف نعت للحديث ويؤمنون فعل مضارع مرفوع.
البلاغة:
في قوله: إن في السموات إلى قوله يعقلون فن التخيير، وهو أن يأتي الشاعر أو الكاتب بأبيات أو جمل يسوغ فيها أن تقفى بقواف شتى فيتخير منها قافية يرجحها على سائرها، فالبلاغة في الآيات تقتضي أن تكون فاصلة الآية الأولى للمؤمنين لأنه سبحانه ذكر العالم بجملته حيث قال السموات والأرض ومعرفة ما في العالم من الآيات الدالة على أن المخترع قادر عليم حكيم ولا بدّ من التصديق أولا بالصانع حتى يصحّ أن يكون ما في المصنوع من الآيات دليلا على أنه موصوف بتلك الصفات والتصديق هو الإيمان وكذلك قوله تعالى في الآية الثانية لقوم يوقنون فإن خلق الإنسان وتدبير خلق الحيوان والتفكر في ذلك مما يزيده يقينا في معتقده الأول وكذلك معرفة جزئيات العالم من اختلاف الليل والنهار وإنزال الرزق من السماء وإحياء الأرض بعد موتها وتصريف الرياح يقتضي رجاحة العقل ليعلم أن من صنع هذه الجزئيات هو الذي صنع العالم الكلي بعد قيام البرهان، على أن للعالم الكلي صانعا مختارا فلذلك اقتضت البلاغة أن تكون فاصلة الآية الثالثة لقوم يعقلون وإن احتيج للعقل في الجميع إلا أن ذكره هنا أمتن بالمعنى من الأول.
[سورة الجاثية (٤٥) : الآيات ٧ الى ١١]
وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٧) يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٨) وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٩) مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠) هذا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (١١)

صفحة رقم 143

الإعراب:
(وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) ويل مبتدأ وهي كلمة عذاب ولذلك ساغ الابتداء بها ولكل أفّاك خبره وأثيم نعت وهما صفتا مبالغة للكذب والإثم (يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ) جملة يسمع صفة لأفّاك أثيم أو حال من الضمير فيهما ولك أن تجعلها مستأنفة ويسمع آيات الله فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به وجملة تتلى عليه حال من آيات الله وعليه متعلقان بتتلى (ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها) ثم حرف عطف للترتيب والتراخي ويصرّ فعل مضارع معطوف على يسمع قال الزمخشري: «وأصله من إصرار الحمار عى العانة وهو أن ينحي عليها صارّا أذنيه» قلت: وفي الصحاح: «صرّ الفرس أذنيه ضمّهما إلى رأسه فإذا لم يوقعوا قالوا أصرّ الفرس بالألف» ومستكبرا حال من فاعل يصرّ وكأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن وجملة لم يسمعها خبرها والجملة حال ثانية أي يصرّ حال كونه مثل غير السامع (وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً) الواو عاطفة وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وجملة علم في محل جر بإضافة الظرف إليها ومن آياتنا متعلقان بعلم أو بمحذوف حال لأنه كان في الأصل صفة لشيئا وشيئا مفعول به وجملة اتخذها لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم والهاء مفعول

صفحة رقم 144

اتخذ الأول وهزوا مفعول اتخذ الثاني (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) اسم الإشارة مبتدأ ولهم خبر مقدّم وعذاب مبتدأ مؤخر ومهين صفة لعذاب والجملة خبر لأولئك وجملة أولئك مستأنفة (مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ) من ورائهم خبر مقدم وجهنم مبتدأ مؤخر والواو اسم للجهة التي يواريها الشخص من خلف أو قدّام قال:

أليس ورائي أن تراخت منيتي أدبّ مع الولدان أزحف كالنسر
وسيرد المزيد من هذا البحث في باب البلاغة. (وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً) الواو عاطفة ولا نافية ويغني فعل مضارع مرفوع وعنهم متعلقان بيغني وما موصول فاعل ويجوز أن تكون مصدرية فالمصدر المؤول هو الفاعل وشيئا مفعول به (وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ) عطف على ما كسبوا وما يجوز أيضا أن تكون موصولة أو مصدرية ومن دون الله حال لأنه كان في الأصل صفة لأولياء وأولياء مفعول اتخذوا الثاني والأول محذوف أي اتخذوه (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) الواو عاطفة ولهم خبر مقدم وعذاب مبتدأ مؤخر وعظيم نعت لعذاب (هذا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) كلام مستأنف مسوق لبيان هداية القرآن وهذا مبتدأ وهدى خبر والذين مبتدأ وجملة كفروا صلة الموصول وبآيات ربهم متعلقان بكفروا ولهم خبر مقدم وعذاب مبتدأ مؤخر والجملة خبر اسم الموصول ومن رجز صفة لعذاب والرجز مطلق العذاب وأليم صفة لرجز.
البلاغة:
التضاد: في قوله «من ورائه جهنم» التضاد وهو استعمال لفظ يحتمل المعنى وضدّه وهو مشترك بين المعنيين فيستعمل في الشيء وضدّه، والبيت الذي أوردناه شاهدا في باب الإعراب لعبيد بن الأبرص

صفحة رقم 145

والهمزة فيه للتقرير وقد توسع في الوراء حتى استعمل في كل غيب ومنه المستقبل وأدبّ أمشي بتؤدة وأن المصدرية مقدرة قبله لأنه اسم ليس وأزحف يحتمل أنه بدل من أدبّ وأن حال وكالنسر حال أيضا.
الفوائد:
عودة الضمير: مما يشكل فهمه لأول وهلة عودة الضمير في قوله «اتخذها هزوا» لأن ظاهر الكلام يوهم أنه عائد على شيء وهو مذكر ولكنه عدل عن اتخذه إلى اتخذها إشعارا بأنه إذا أحسّ بشيء من الكلام أنه من جملة الآيات التي أنزلها الله على محمد ﷺ خاص في الاستهزاء وبجميع الآيات ولم يقتصر على الاستهزاء بما بلغه منها، وقال الزمخشري «ويحتمل وإذا علم من آياتنا شيئا يمكن أن يتشبث به المعاند ويجد له محملا يتسلق به على الطعن والغميزة افترصه واتخذ آيات الله هزوا وذلك نحو افتراص ابن الزبعرى قوله عزّ وجلّ: إنكم وما تدعون من دون الله حصب جهنم ومغالطته رسول الله ﷺ وقوله خصمتك، ويجوز أن يرجع الضمير إلى شيء لأنه في معنى الآية كقول أبي العتاهية:

نفسي بشيء من الدنيا معلقة الله والقائم المهدي يكفيها
حيث أراد عتبة» هذا وقد كنى أبو العتاهية بالشيء عن جارية من حظايا المهدي اسمها عتبة ولذلك أعاد عليه الضمير مؤنثا وبعده:
إني لأيأس منها ثم يطمعني فيها احتقارك للدنيا وما فيها
ومعنى البيتين أنه لا يريد من الدنيا غير هذا الشيء والقائم بالأمر يكفيها أي يكفيني تلك الحاجة أو يكفي نفسي ما تريد والله بقطع الهمزة لأن أول المصراع محل ابتداء في الجملة، ثم أنا أيأس منها

صفحة رقم 146
إعراب القرآن وبيانه
عرض الكتاب
المؤلف
محيي الدين بن أحمد مصطفى درويش
الناشر
دار الإرشاد للشئون الجامعية - حمص - سورية ، (دار اليمامة - دمشق - بيروت) ، ( دار ابن كثير - دمشق - بيروت)
سنة النشر
1412 - 1992
الطبعة
الرابعة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية