
بلا شك هذا الاختلاف لحكم إلهية، لحكم عالية تدل على الكثير، ولقد تعرض لهذا كثير من فطاحل العلماء، ولعل المناسب أن نقول كما في حاشية زادة على تفسير البيضاوي بتصرف: دلالة السموات والأرض على وجود الصانع والإيمان به ظاهرة واضحة. وأدق منها وأعلى مرتبة خلق الإنسان وتحوله من حال إلى حال، وخلق الحيوان الذي لا يعلم جنسه وعدده إلا خالقه، والنظر في هذا يحتاج إلى عمق في التفكير ودقة في البحث وشمول في الملاحظة، عند ذلك يحصل الناظر على مرتبة أعلى وهي مرتبة اليقين آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ وأدق من هاتين النظر في الليل والنهار وحلول أحدهما مكان الآخر بانتظام واختلافهما بالطول والقصر، والنظر في المطر الذي ينزل من السحاب كيف يتكون؟ وكيف ينزل؟ وما يترتب على نزوله من حياة الإنسان والحيوان، وحياتهما حياة للأرض الميتة، وهذه الرياح المتقلبة التي تأتى تارة بالحرارة وتارة بالبرودة، ومرة شمالية وأخرى جنوبية أو غربية، من الذي صرف هذا كله؟
ومن الذي سخر هذا كله وكيف ذلك؟ لا شك أن النظر إلى هذا، والوقوف على سره العجيب لا يتأتى إلا لمن كان له قلب يعقل، وعين تبصر، وأولئك هم الذين يعقلون ولذا قال: آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ.
تلك آيات الله الكونية، وآياته القرآنية نتلوها عليك يا رسول الله بالحق لا شك فيها ولا لبس ولا تغير، بل هي آيات بينات وحجج واضحات، وما يعقلها إلا العالمون، وأما أنتم يا أهل مكة فبأى حديث بعد هذا الحديث الذي أنزل الله وبأية آية بعد هذه الآيات تؤمنون؟!!
الويل لكل أفاك أثيم [سورة الجاثية (٤٥) : الآيات ٧ الى ١١]
وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٧) يَسْمَعُ آياتِ اللَّهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٨) وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٩) مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠) هذا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (١١)

المفردات:
أَفَّاكٍ الأفاك: الكذاب، من الإفك. وهو الكذب مُسْتَكْبِراً: متعاظما مُهِينٌ: من الإهانة، أى: عذاب مخز مذل رِجْزٍ الرجز: أشد أنواع العذاب، وقيل: هو القذر كالرجس.
وهذا هو الوعيد الشديد لمن ظهرت له الآيات ظهورا تاما ومع هذا كفر وكذب على الله.
المعنى:
الويل والثبور، والهلاك الشديد- وقيل: الويل واد في جهنم- لكل أفاك أثيم، أى: كذاب كثير الآثام مبالغ في اقترافها مع الإصرار عليها، وهذا الأفاك الأثيم له حالتان الأولى: أنه يسمع آيات الله الدالة على وحدانيته وقدرته دلالة واضحة أظهر من الشمس في رابعة النهار، هذه الآيات تتلى عليه ثم يصر «١» مستكبرا كأنه لم يسمعها.
يا عجبا لهذا!! يسمع آيات الله ثم يصر على التعاظم عليها والكفر بها كأنه لم يسمعها، ومن كان كذلك فبشره بعذاب مؤلم غاية الألم.
روى أنها نزلت في النظر بن الحارث: كان يشترى أحاديث الأعاجم ويؤجر القيان ويدعو الناس إلى الاستماع والتمتع ليصرفهم عن استماع القرآن
، وفي الواقع الآية تشمل كل كافر بالله والقرآن.