آيات من القرآن الكريم

۞ اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ

والآخر: أن يحمل الرجز على الذي بمعنى الرجس الذي هو النجاسة على الإبدال للمقاربة، يخب النجاسة فيه قوله: ﴿وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ﴾ [إبراهيم: ١٦] وكان المعنى: لهم عذاب من تجرع رجس أو شرب رجس، فيكون من تَبْيينًا للعذاب مِمَّ هو (١).
١٢، ١٣ - قوله تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ﴾ يعني من شمس وقمر ونجم ومطر وثلج وبرد ﴿وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ من دابة وشجر ونبات وأنهار، قاله ابن عباس (٢)، معنى تسخيره لنا: هو أنه هيأها لانتفاعنا بها، فهو مسخر لنا من حيث إننا ننتفع به على الوجه الذي نريد.
قوله تعالى: ﴿جَمِيعًا مِنْهُ﴾ قال: كل ذلك رحمة منه لكم، وقال أبو إسحاق: (جميعًا) منصوب على الحال (٣)، والمعنى: كل ذلك منه تفضل وإحسان، والوقف يحسن على قوله (جميعًا) (٤).
قوله تعالى: ﴿مِنْهُ﴾ أي ذلك التسخير منه لا من غيره، فهو فضله وإحسانه قوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ في صنع الله فيوحدونه.
١٤ - قوله: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ﴾ قال الفراء: هذا خبر في منزلة الأمر، كأنه قيل: قل للذين آمنوا اغفروا، ولكنه جزم بالتشبيه بالجزاء والشرط، كقوله: قم تصب خيرًا، وليس كذلك، ولكن العرب إذا أخرج الكلام في مثال غيره وهو مقارب له، أعربوه

(١) هذا كله منقول عن "الحجة" لأبي علي ٦/ ١٧٤، ١٧٥.
(٢) لم أقف عليه.
(٣) انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ٤/ ١٤٢، ولم أقف عليه في "معاني الزجاج".
(٤) انظر: "القطع والائتناف" للنحاس ص ٦٥٩.

صفحة رقم 137

بإعرابه، فهذا من ذلك (١) وقد استقصينا الكلام في هذه المسألة عند قول: ﴿قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ [إبراهيم: ٣١].
واختلفوا في سبب نزول الآية، قال ابن عباس في رواية عطاء، وهو قول مقاتل (٢): نزلت في عمر رضي الله عنه، قال ابن عباس: يريد عمر بن الخطاب خاصة ﴿يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ﴾ يريد: عبد الله بن أبي، وذلك أنهم تولوا في غزاة (٣) بني المصطلق (٤) على بئر يقال له المريسيع (٥) فأرسل عبد الله غلامه ليستقي الماء فأبطأ عليه، فلما أتاه قال له ما حبسك؟ قال غلام عمر: تَعدّ على فضل البير، فما ترك أحدًا يستقي حتى ملأ قرب

(١) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٣/ ٤٥، ٤٦.
(٢) انظر: "تنوير المقباس" ص ٥٠٠، و"تفسير مقاتل" ٣/ ٨٣٧، و"زاد المسير" ٧/ ٣٥٧، و"الجامع لأحكام القرآن" ١٦/ ١٦١.
(٣) كانت هذه الغزوة في شعبان من السنة السادسة من الهجرة وكان قائد بني المصطلق الحارث ابن أبي ضرار، أبو جويرية بنت الحارث التي تزوجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك.
انظر: "سيرة ابن هشام" ٣/ ٣٣٣، و"البداية والنهاية" ٤/ ١٥٦.
(٤) هم: بطن من خزاعة من القحطانية وهم بنو المصطلق واسمه جذيمة بن سعد بن عمرو بن ربيعة غزاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- واشتهرت بغزوة بني المصطلق وذلك سنة ست من الهجرة على ماء لهم يقال له: المريسيع. انظر: "معجم قبائل العرب" ٣/ ١١٠٤.
(٥) المُرَيسِيعُ: بالضم ثم الفتح وياء ساكنة ثم سين مهملة مكسورة وياء أخرى وآخره عين مهملة في الأشهر، ورواه بعضهم بالغين معجمة. كأنه تصغير المرسوع وهو الذي انسلقت عينه من السهر، وهو اسم ماء في ناحية قُديد إلى الساحل، لار النبي -صلى الله عليه وسلم- في سنة خمس وقال أبو إسحاق في سنة ست إلى بني المصطلق من خزاعة لما بلغه أن الحارث بن أبي ضرار الخزاعي قد جمع له جمعا فوجدهم على ماء يقال له المريسيع فقاتلهم وسباهم. انظر: "معجم البلدان" ٥/ ١١٨.

صفحة رقم 138

النبي -صلى الله عليه وسلم- وقرب أبي بكر وملأ لمولاه، فقال عبد الله: ما مثلنا ومثل هؤلاء إلا كما قيل: سمن كلبك يأكلك، فبلغ قوله عمر فاشتمل بسيفه يريد التوجه إليه فأنزل الله هذه الآية.
وقال مقاتل: شتم رجل من كفار قريش بمكة عمر، فهَمَّ عمر أن يبطش به، فأمره الله بالعفو والتجاوز وأنزل هذه الآية (١).
وروى ميمون بن مهران [(٢)] فنحاص اليهودي، قال لما نزل قوله ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ﴾ قال: احتاج رب محمد، فلما سمع بذلك عمر اشتمل على سيفه وخرج في طلبه، فأنزل الله هذه الآية، فبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- في طلبه حتى رَدَّه (٣).
قوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ﴾ قال ابن عباس: لا يرجون ثواب الله ولا يخافون عقابه (٤).
وقال مقاتل: لا يخشون مثل عذاب الأمم الخالية (٥).
وقال مجاهد: لا ينالون نعم الله أو نقم الله (٦)، وذلك أنهم لا يؤمنون به فلا يرجون ثوابه ولا يخافون عقابه، كما قال ابن عباس، وذكرنا أيام الله عند تفسير قوله: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ [إبراهيم: ٥] وأجمعوا أن هذه الآية

(١) انظر: "تفسير مقاتل" ٣/ ٨٣٧، و"تفسير السمرقندي" ٣/ ٢٢٤، و"تفسير البغوي" ٧/ ٢٤٢.
(٢) كذا في الأصل وقد سننه لفظ (أن).
(٣) أخرج ذلك الثعلبي. انظر: تفسيره ١٠/ ١٠٠ أ، والواحدي في "أسباب النزول" ص ٣٩٩ وأورده ابن الجوزي في "زاد المسير" ٧/ ٣٥٨.
(٤) لم أقف عليه.
(٥) انظر. "تفسير مقاتل" ٣/ ٨٣٧.
(٦) أخرج ذلك الطبري عن مجاهد ٣/ ١٤٤.

صفحة رقم 139

نزلت قبل أن يؤمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقتال أهل مكة وأنها منسوخة بآية القتال (١)، إلا على ما رواه عطاء عن ابن عباس، فإن على روايته نزلت الآية بعد الأمر بالقتال؛ لأنه ذكر أن الآية نزلت بعد غزوة بني المصطلق (٢) والصحيح أنها نزلت قبل الأمر بالقتال والله أعلم، قال قتادة (٣): نسختها ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] وقال أبو صالح (٤): نسختها ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ﴾ [الحج: ٣٩] الآية.
قوله تعالى: ﴿لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد يجازي الذين أحسنوا الجنة، والذين أساؤوا بالعذاب (٥)، وقال مقاتل: لكن نجزي بالمغفرة قومًا يعملون الخير (٦).

(١) ذكر ذلك الطبري في تفسيره ١٣/ ١٤٤، والنحاس في "الناسخ والمنسوخ" ٢/ ٦٢٥، ومكي في "الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه" ص ٣٥٥، وابن الجوزي في "نواسخ القرآن" ص ٤٥٩، وابن حزم في "الناسخ والمنسوخ" ص ٥٥، وابن البارزي في "ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه" ص ٤٩، وأبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ في القرآن العزيز" ص ١٩١.
(٢) وقد رجح الدكتور سليمان اللاحم أن الآية محكمة في تحققه لكتاب "الناسخ والمنسوخ" للنحاس ٢/ ٦٢٦، وقال ابن الجوزي أيضًا: ويمكن أن يقال أنها محكمة وذكر رواية عطاء عن ابن عباس. انظر: "نواسخ القرآن" لابن الجوزي ص ٤٦٠، كما ذكر المؤلف رواية عطاء في "أسباب النزول" ص ٣٩٩، وذكرهما أيضًا القرطبي في "الجامع" ١٦/ ١٦١.
(٣) أخرج ذلك الطبري عن قتادة. انظر: "تفسيره" ١٣/ ١٤٤، والنحاس في "الناسخ والمنسوخ" ٢/ ٦٢٦.
(٤) أخرج ذلك الطبري عن أبي صالح. انظر: تفسيره ١٣/ ١٤٥، وذكره ابن الجوزي في "نواسخ القرآن" ص ٤٦٠.
(٥) لم أقف عليه.
(٦) انظر: "تفسير مقاتل" ٣/ ٨٣٧.

صفحة رقم 140
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
عدد الأجزاء
1