آيات من القرآن الكريم

۞ اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
ﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ ﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ

وَالرِّجْزُ أَشَدُّ الْعَذَابِ بِدَلَالَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ [الْبَقَرَةِ: ٥٩] وَقَوْلِهِ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ [الْأَعْرَافِ: ١٣٤] وَقُرِئَ أَلِيمٌ بِالْجَرِّ وَالرَّفْعِ، أَمَّا الْجَرُّ فَتَقْدِيرُهُ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ وَإِذَا كَانَ عَذَابُهُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ كَانَ عَذَابُهُمْ أَلِيمًا، وَمَنْ رفع كان المعنى له عَذَابٌ أَلِيمٌ وَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنَ الرِّجْزِ الرِّجْسَ الَّذِي هُوَ النَّجَاسَةُ وَمَعْنَى النَّجَاسَةِ فِيهِ قَوْلُهُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ [إِبْرَاهِيمَ: ١٦] وَكَانَ الْمَعْنَى لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ تَجَرُّعِ رِجْسٍ أَوْ شُرْبِ رجس فتكون من تبيينا للعذاب.
[سورة الجاثية (٤٥) : الآيات ١٢ الى ١٥]
اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢) وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١٣) قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١٥)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ الِاسْتِدْلَالَ بِكَيْفِيَّةِ جَرَيَانِ الْفُلْكِ عَلَى وَجْهِ الْبَحْرِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِسَبَبِ تَسْخِيرِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا: الرِّيَاحُ الَّتِي تجري على وفق المراد وثانيها: خَلْقُ وَجْهِ الْمَاءِ عَلَى الْمَلَاسَةِ الَّتِي تَجْرِي عَلَيْهَا الْفُلْكُ ثَالِثُهَا: خَلْقُ الْخَشَبَةِ عَلَى وَجْهٍ تَبْقَى طَافِيَةً عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ وَلَا تَغُوصُ فِيهِ.
وَهَذِهِ الْأَحْوَالُ الثَّلَاثَةُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا وَاحِدٌ مِنَ الْبَشَرِ، فَلَا بُدَّ مِنْ مُوجِدٍ قَادِرٍ عَلَيْهَا وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَقَوْلُهُ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ مَعْنَاهُ إِمَّا بِسَبَبِ التِّجَارَةِ، أَوْ بِالْغَوْصِ عَلَى اللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ، أَوْ لِأَجْلِ اسْتِخْرَاجِ اللَّحْمِ الطَّرِيِّ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ وَالْمَعْنَى لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أوقف أجرام السموات وَالْأَرْضِ فِي مَقَارِّهَا وَأَحْيَازِهَا لَمَا حَصَلَ الِانْتِفَاعُ، لِأَنَّ بِتَقْدِيرِ كَوْنِ/ الْأَرْضِ هَابِطَةً أَوْ صَاعِدَةً لَمْ يَحْصُلِ الِانْتِفَاعُ بِهَا، وَبِتَقْدِيرِ كَوْنِ الْأَرْضِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَوِ الْحَدِيدِ لَمْ يَحْصُلِ الِانْتِفَاعُ، وَكُلُّ ذَلِكَ قَدْ بَيَّنَّاهُ، فَإِنْ قِيلَ مَا مَعْنَى (مِنْهُ) فِي قَوْلِهِ جَمِيعاً مِنْهُ؟ قُلْنَا مَعْنَاهُ أَنَّهَا وَاقِعَةٌ مَوْقِعَ الْحَالِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ سَخَّرَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كَائِنَةً مِنْهُ وَحَاصِلَةً مِنْ عِنْدِهِ يَعْنِي أَنَّهُ تَعَالَى مُكَوِّنُهَا وَمُوجِدُهَا بِقُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ ثُمَّ مُسَخِّرُهَا لِخَلْقِهِ، قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : قَرَأَ سَلَمَةُ بْنُ مُحَارِبٍ مِنْهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ مِنْهُ فَاعِلَ سَخَّرَ عَلَى الْإِسْنَادِ الْمَجَازِيِّ أَوْ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ ذَلِكَ مِنْهُ أَوْ هُوَ مِنْهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا عَلَّمَ عِبَادَهُ دَلَائِلَ التَّوْحِيدِ وَالْقُدْرَةِ وَالْحِكْمَةِ، أَتْبَعَ ذَلِكَ بِتَعْلِيمِ الْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ وَالْأَفْعَالِ الْحَمِيدَةِ بِقَوْلِهِ قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ وَالْمُرَادُ بِالَّذِينِ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ الْكُفَّارُ، وَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَعْنِي عُمَرَ يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ نَزَلُوا فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ عَلَى بِئْرٍ يُقَالُ لَهَا الْمُرَيْسِيعُ، فَأَرْسَلَ عَبْدُ اللَّهِ غُلَامَهُ لِيَسْتَقِيَ الْمَاءَ فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ لَهُ مَا حَبَسَكَ؟ قَالَ غُلَامُ عُمَرَ قَعَدَ عَلَى طَرَفِ الْبِئْرِ فَمَا ترك أحد يَسْتَقِي حَتَّى مَلَأَ قِرَبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِرَبَ أَبِي بَكْرٍ وَمَلَأَ لِمَوْلَاهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ مَا مِثْلُنَا وَمِثْلُ هَؤُلَاءِ إِلَّا كَمَا قِيلَ سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ، فَبَلَغَ قَوْلُهُ عُمَرَ فَاشْتَمَلَ بِسَيْفِهِ يُرِيدُ التَّوَجُّهَ إِلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ شَتَمَ رَجُلٌ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ عُمَرَ بِمَكَّةَ فَهَمَّ أَنْ يَبْطِشَ بِهِ فَأَمَرَ اللَّهُ بِالْعَفْوِ وَالتَّجَاوُزِ وَأَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ.

صفحة رقم 673
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية