آيات من القرآن الكريم

وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ ۚ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ
ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷ ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ

وقوله جل جلاله: يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ أَيْ ظَاهِرُونَ بَادُونَ كُلُّهُمْ لَا شَيْءَ يُكِنُّهُمْ وَلَا يُظِلُّهُمْ وَلَا يَسْتُرُهُمْ وَلِهَذَا قَالَ: يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لَا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ أَيِ الْجَمِيعُ فِي علمه على السواء. وقوله تبارك وتعالى: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ قَدْ تقدم في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه تعالى يطوي السموات وَالْأَرْضَ بِيَدِهِ ثُمَّ يَقُولُ أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الْجَبَّارُ أَنَا الْمُتَكَبِّرُ، أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ؟ أَيْنَ الْجَبَّارُونَ؟ أَيْنَ الْمُتَكَبِّرُونَ؟ وَفِي حَدِيثِ الصُّورِ أَنَّهُ عز وجل إِذَا قَبَضَ أَرْوَاحَ جَمِيعِ خَلْقِهِ فَلَمْ يَبْقَ سِوَاهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ حِينَئِذٍ يَقُولُ لِمَنِ الْمَلِكُ الْيَوْمَ؟ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ يُجِيبُ نَفْسَهُ قَائِلًا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ أَيِ الَّذِي هُوَ وَحْدَهُ قَدْ قَهَرَ كُلَّ شَيْءٍ وَغَلَبَهُ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ الدَّقَّاقُ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ حَدَّثَنَا أَبُو نَضْرَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: يُنَادِي مُنَادٍ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ فَيَسْمَعُهَا الْأَحْيَاءُ وَالْأَمْوَاتُ قَالَ وينزل الله عز وجل إلى السماء الدُّنْيَا وَيَقُولُ: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ.
وقوله جلت عظمته: الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ عَدْلِهِ فِي حُكْمِهِ بَيْنَ خَلْقِهِ أَنَّهُ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ وَلَا مِنْ شَرٍّ بَلْ يَجْزِي بِالْحَسَنَةِ عَشْرَ أمثالها وبالسيئة واحدة ولهذا قال تبارك وتعالى: لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا- إِلَى أَنْ قَالَ- يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا عَلَيْكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ الله تبارك وتعالى، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه» «١» وقوله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ أَيْ يُحَاسِبُ الْخَلَائِقَ كُلَّهُمْ كَمَا يُحَاسِبُ نَفْسًا وَاحِدَةً كَمَا قَالَ جل وعلا:
مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ [لقمان: ٢٨] وقال جل جلاله: وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ [الْقَمَرِ: ٥٠].
[سورة غافر (٤٠) : الآيات ١٨ الى ٢٠]
وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (١٨) يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (١٩) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٢٠)
يوم الآزفة اسم من أسماء يوم القيامة وسميت بِذَلِكَ لِاقْتِرَابِهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: أَزِفَتِ الْآزِفَةُ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ [النَّجْمِ: ٥٧- ٥٨] وقال عز وجل: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر: ١] وقال جل وعلا: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ [الأنبياء: ١] وقال:

(١) أخرجه مسلم في البر حديث ٥٥، وأحمد في المسند ٥/ ١٦٠.

صفحة رقم 123

أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ [النَّحْلِ: ١] وَقَالَ جل جلاله: فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ [الْمُلْكِ: ٢٧] الآية. وقوله تبارك وتعالى: إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ قَالَ قَتَادَةُ وَقَفَتِ الْقُلُوبُ فِي الْحَنَاجِرِ مِنَ الْخَوْفِ فَلَا تَخْرُجُ وَلَا تَعُودُ إِلَى أَمَاكِنِهَا، وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ وَالسُّدِّيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ، وَمَعْنَى كَاظِمِينَ أَيْ سَاكِتِينَ لَا يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً [النَّبَأِ: ٣٨] وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ كاظِمِينَ أَيْ باكين. وقوله سبحانه وتعالى: مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ أَيْ لَيْسَ لِلَّذِينِ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِالشِّرْكِ بِاللَّهِ مِنْ قَرِيبٍ مِنْهُمْ يَنْفَعُهُمْ وَلَا شَفِيعٍ يُشَفَّعُ فِيهِمْ بَلْ قَدْ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ مِنْ كل خير.
وقوله تَعَالَى: يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ يُخْبِرُ عز وجل عَنْ عِلْمِهِ التَّامِّ الْمُحِيطِ بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ جَلِيلِهَا وَحَقِيرِهَا، صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا، دَقِيقِهَا وَلَطِيفِهَا لِيَحْذَرَ النَّاسُ علمه فيهم فيستحيوا من الله تعالى حَقَّ الْحَيَاءِ وَيَتَّقُوهُ حَقَّ تَقْوَاهُ، وَيُرَاقِبُوهُ مُرَاقَبَةَ من يعلم أنه يراه فإنه عز وجل يَعْلَمُ الْعَيْنَ الْخَائِنَةَ وَإِنْ أَبْدَتْ أَمَانَةً وَيَعْلَمُ مَا تَنْطَوِي عَلَيْهِ خَبَايَا الصُّدُورِ مِنَ الضَّمَائِرِ والسرائر. قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ هو الرَّجُلُ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ بَيْتَهُمْ وَفِيهِمُ الْمَرْأَةُ الْحَسْنَاءُ أَوْ تَمُرُّ بِهِ وَبِهِمُ الْمَرْأَةُ الْحَسْنَاءُ فَإِذَا غَفَلُوا لَحَظَ إِلَيْهَا فَإِذَا فَطِنُوا غض بصره عنها فإذا غفلوا لحظ فإذا فطنوا غض، وقد اطلع الله تعالى مِنْ قَلْبِهِ أَنَّهُ وَدَّ أَنْ لَوِ اطَّلَعَ عَلَى فَرْجِهَا. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ هُوَ الْغَمْزُ وَقَوْلُ الرَّجُلِ رَأَيْتُ وَلَمْ يَرَ. أَوْ لَمْ أَرَ وَقَدْ رأى. وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يَعْلَمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْعَيْنِ فِي نَظَرِهَا هَلْ تُرِيدُ الْخِيَانَةَ أَمْ لَا؟ وَكَذَا قَالَ مجاهد وقتادة، وقال ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ تعالى: وَما تُخْفِي الصُّدُورُ يَعْلَمُ إِذَا أَنْتَ قَدَرْتَ عَلَيْهَا هَلْ تَزْنِي بِهَا أَمْ لَا؟ وَقَالَ السُّدِّيُّ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ أَيْ مِنَ الْوَسْوَسَةِ.
وقوله عز وجل: وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ أي يحكم بالعدل، قال الْأَعْمَشِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ في قوله تعالى: وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَجْزِيَ بِالْحَسَنَةِ الْحَسَنَةَ وَبِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وَهَذَا الَّذِي فَسَّرَ بِهِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي هَذِهِ الآية كقوله تبارك وتعالى: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [النَّجْمِ: ٣١] وقوله جل وعلا: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ أَيْ مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ وَالْأَنْدَادِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ أَيْ لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَحْكُمُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ أَيْ سَمِيعٌ لِأَقْوَالِ خَلْقِهِ بَصِيرٌ بِهِمْ فَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْحَاكِمُ الْعَادِلُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ.

صفحة رقم 124
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية