آيات من القرآن الكريم

وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ ۚ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ
ﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷ ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ

اللغَة: ﴿غَافِرِ﴾ الغفْر: السترُ والمحو والتكفير ﴿الطول﴾ الإِنعام والتفضل ﴿يُدْحِضُواْ﴾ يبطلوا ويزيلوا، يقال: الباطلُ داحضٌ، لأنه يزلق ويزل فلا يستقر ﴿حَقَّتْ﴾ وجبت ولزمت ﴿مَقْتُ﴾ المقت: شدة البغض ﴿الروح﴾ الوحيُ والنبوة سمي رُوحاً لأن القلوب تحيا به كما تحا الأبدان بالأرواح ﴿التلاق﴾ الاجتماع في الحشر ﴿بَارِزُونَ﴾ ظاهرون لا يسترهم شيء ﴿الأزفة﴾ اسم للقيامة سميت آزفة لقربها، يقال أزف الشيء إذا اقترب ﴿وَاقٍ﴾ دافع يدفع عنهم العذاب.
التفسِير: ﴿حم﴾ الحروف المقطَّعة للتنبيه على إعجاز القرآن، وللإِرشاد على أن هذا القرآن المعجز منظوم من أمثال هذه الحروف الهجائية ﴿تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله﴾ أي هذا القرآن تنزيلٌُ من الله ﴿العزيز العليم﴾ أي العزيز في ملكه، العليم في خلقه ﴿غَافِرِ الذنب وَقَابِلِ التوب﴾ أي الذي يعفو عن ذنوب العباد، ويقبل توبة العصاة لمن تاب منهم وأناب ﴿شَدِيدِ العقاب﴾ أي شديد العقاب لمن تكبر وطغى، وأعرض عن طاعة المولى ﴿ذِي الطول﴾ أي ذي الفضل والإِنعام ﴿لاَ إله إِلاَّ هُوَ﴾ أي لا معبود بحقٍ إلا الله، ولا ربَّ في الوجود سواه ﴿إِلَيْهِ المصير﴾ أي إليه وحده مرجع الخلائق فيجازيهم بأعمالهم، وإنما قدَّم المغفرة والتوبة على العقاب، للإِشارة إلى سعة الفضل وأن رحمته سبقت عذابه، ثم لما ذكر أن القرآن هداية الله للعالمين، أعقبه بذكر المجادلين المعاندين فقال ﴿مَا يُجَادِلُ في آيَاتِ الله إِلاَّ الذين كَفَرُواْ﴾ أي ما يدفع الحق ويجادل في هذا القرآن بعد وضوح آيات وظهور إعجازه إلا الجاحدون لآياتِ الله، المعاندون لرسله ﴿فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي البلاد﴾ أي فلا تغترَّ أيها العاقل بتصرفهم وتقلبهم في هذه الدنيا، بالمساكن والمزارع، والممالك والتجارات، فإنهم أشقى الناس، وما هم عليه من النعيم متاعٌ قلي، وظلٌ زائل، فإِني وإِن أمهلتهم لا أهملُهم، بل آخذه بعد ذلك النعيم أخذ عزيز مقتدر قال في التسهيل: والآية تسليةٌ للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ووعيدٌ شديد للكفار ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ والأحزاب مِن بَعْدِهِمْ﴾ أي كذَّب قبل كفار مكة أقوام كثيرون، منهم قوم نوح والأمم الذين تحزبوا على أنبيائهم ولم يقبلوا ما جاءوا به من عند الله كقوم عاد وثمود وفرعون وأمثالهم ﴿وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ﴾ أي وهمت كل أمةٍ من الأمم المكذبين أن يقتلوا رسولهم ويبطشوا به قال ابن كثير: أي حرصوا على قتله بكل ممكن ومنهم من قتل رسوله ﴿وَجَادَلُوا بالباطل لِيُدْحِضُواْ بِهِ الحق﴾ أي جادلوا رسلهم بالباطل ليزيلوا ويبطلوا به الحق الواضح الجلي ﴿فَأَخَذْتُهُمْ﴾ أي فأهلكتهم إهلاكاً مريعاً ﴿فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ﴾ استفهام تعجيب أي فكيف كان عقابي لهم؟ ألم يكن شديداً فضيعاً؟ ﴿وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الذين كفروا﴾ أي وكذلك وجبت

صفحة رقم 86

كلمة العذاب على هؤلاء المكذبين من قومك، كما وجبت لمن سبقهم من الكفار ﴿أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النار﴾ أي لأنهم أهل النار، قال القرطبي: أي كما حقَّ على الأمم التي كذبت رسلها وحلَّ بها عقابي، كذلك وجبت كلمة العذاب على الذين كفروا بالله من قومك لأنهم أصحاب النار.
ثم ذكر تعالى حال الملائكة الأطهار، والمؤمنين الأبرار، بعد أن ذكر الكفار والفجار فقال ﴿الذين يَحْمِلُونَ العرش وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ أي هؤلاء العباد المقربون حملةُ العرش ومن حول العرش من أشراف الملائكة وأكابرهم، ممن لا يُحصي عددهم إلا الله، هم في عبادة دائبة لله، ينزهونه عن صفات النقص، ويثنون عليه بصفات الكمال ﴿وَيُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ أي ويصدقون بوجوده تعالى، وبأنه لا إله لهم سواه، ولا يستكبرون عن عبادته قال الزمخشير: فإن قالت: ما فائدة قوله ﴿وَيُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ ولا يخفى أن حملة العرش وجميع الملائكة يؤمنون بالله؟ فالجواب أن ذلك إظهار لفضيلة الإِيمان وشرفه والترغيب فيه ﴿وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ﴾ أي موهم مع عباداتهم واستغراقهم في تسبيح الله وتمجيده، يطلبون من الله المغفرة للمؤمنين قائلين ﴿رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً﴾ أي يا ربنا وسعت رحمتُك وعلمك كل شيء قال المفسرون: وفي وصف الله تعالى بالرحمة والعلم وهو ثناءٌ قبل الدعاء تعليمُ العباد أدب السؤال والدعاء، فهم يبدأون دعاءهم بأدبٍ ويستمطرون إحسانه وفضله وإنعامه ﴿فاغفر لِلَّذِينَ تَابُواْ واتبعوا سَبِيلَكَ﴾ أي فاصفح عن المسيئين المذنبين، التائبين عن الشرك والمعاصي، المتعبين لسبيل الحق الذي جاء به أنبياؤك ورسلك ﴿وَقِهِمْ عَذَابَ الجحيم﴾ أي واحفظهم من عذاب جهنم ﴿رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ التي وَعَدْتَّهُمْ﴾ أي أدخلهم جنات النعيم والإِقامة التي وعدتهم إياها ﴿وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ﴾ أي وأدخل الصالحين من الآباء والأزواج والأولاد في جنات النعيم أيضاً ليتم سرورهم بهم قال ابن كثير: أي جمع بينهم وبينهم لتقر بذلك أعينهم بالاجتماع في الجنة بمنازل متجاورة ﴿إِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم﴾ أي العزيز الذي لا يُغلب ولا يمتنع عليه شيء، الحكيم الذي لا يفعل إلا ما فيه الحكمة والمصلحة ﴿وَقِهِمُ السيئات﴾ هذا من تمام ادعاء الملائكة أي أحفظم يا ربّ من فعل المنكرات والفواحش التي توبق أصحابها ﴿وَمَن تَقِ السيئات يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ﴾ أي ومن حفظته من نتائجها وعواقبها يوم القيامة، فقد لفطفت به ونجيته من العقوبة ﴿وَذَلِكَ هُوَ الفوز العظيم﴾ أي وذلك الغفران ودخول الجنان، هو الظفر العظيم الذي لا ظفر مثله.. ولما تحدث عن أحوال المؤمنين، ذكر شيئاً من أحوال الكافرين فقال ﴿إِنَّ الذين كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ الله أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ﴾ أي تناديهم الملائكة يوم القيامة على جهة التوبيخ والتقريع: لبغض الله الشديد لكم في الدنيا أعظم من بغضكم اليوم لأنفسكم ﴿إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإيمان فَتَكْفُرُونَ﴾ إي حين كنتم تُدعون إلى الإِيمان فتكفرون كبراً وعتواً قال قتادة: بغضُ الله لأهل الضلالة حين عُرض عليهم الإِيمان في الدنيا فأبوا أن يقبلوه، أكبرُ مما مقتوا أنفسهم حين عاينوا عذاب الله ﴿قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا اثنتين وَأَحْيَيْتَنَا اثنتين﴾ أي قال الكفار لما

صفحة رقم 87

رأوا الشدائد والأهوال ربَّنا أمتَّنا مرتين، وأحييتنا مرتين ﴿فاعترفنا بِذُنُوبِنَا﴾ أي فاعترفنا بما جنيناه من الذنوب في الدنيا ﴿فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ﴾ أي فهل تردنا إلى الدنيا لنعمل بطاعتك؟ وهل تخرجنا من النار لنسلك طريق الأبرار؟ قال المفسرون: الموتةُ الأولى حين كانوا في العمد، والموتة الثانية حين ماتوا في الدنيا، والحياة الأولى حياة الدنيا، والحياة الثانية حياةُ البعث يوم القيامة، فهاتان موتتان وحياتان، وإنما قالوا ذلك على سبيل التعطف والتوسل إلى رضى الله، بعد أن عاينوا العذاب، وقد كانوا يكفرون وينكرون، ولهذا جاء الجواب ﴿ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ الله وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ﴾ أي ذلكم العذاب والخلود في جهنم بسبب كفركم وعدم إيمانكم بالله، فإِذا دعيتم إلى التوحيد كفرتم ﴿وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ﴾ وإن دعيتم إلى اللت والعزَّى وأمثالهما من الأصنام، آمنت وصدَّقتم بألوهيتها ﴿فالحكم للَّهِ العلي الكبير﴾ أي فالقضاء لله وحده، لا للأوثان والأصنام، ولا سبيل إلى نجاتكم، لأن الله هو المتعالي على خلقه، العظيم في ملكه الذي يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد.
. ولما ذكر تعالى ما يوجب التهديد الشديد للمشركين، أردفه بذكر ما يدل على كما قدرته وحكمته ليصير بمنزلة البرهان على عدم جواز عبادة الأوثان فقال ﴿هُوَ الذي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ﴾ أي الله جل وعلا هو الذي يريكم أيها الناس العلامات الدالة على قدرته الباهرة في مخلوقاته، في العالم العلوي والسفلي الدالة على كمال خالقها ومبدعها ومنشئها ﴿وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السمآء رِزْقاً﴾ أي وينزِّل لكم من السماء المطر الذي هو سبب للرزق، وبه تخرج الزروع والثمار ﴿وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ﴾ أي وما يعتبر ويتعظ بهذه الآيات الباهرة، إلا من يرجع إلى الله بالتوبة والإِنابة، العمل الصالح البعيد عن الرياء والنفاق ﴿فادعوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين﴾ أي فاعبدوا الله أيها المؤمنون مخلصين له العبادة والطاعة ولا تعبدوا معه غيره ﴿وَلَوْ كَرِهَ الكافرون﴾ هذا للمبالغة أي اعبدوه وأخلصوا له قلوبكم، حتى ولو كره الكافرون وذلك، وغاظهم إخلاصكم وقاتلكم عليه ﴿رَفِيعُ الدرجات﴾ أي عظيم الشأن والسلطان، صاحب الرفعة والمقام العالي ﴿ذُو العرش﴾ أي صاحب العرش العظيم، الذي هو أعظم المخلوقات، ولا شيء يشبهه من مخلوقات الله قال ابن كثير: أخبر تعالى عن عظمته وكبريائه، وارتفاع عرضه العظيم العالي على جميع مخلوقاته كالسقف لها، وقد ذُكر أن العرش من ياقوتةٍ حمراء ولا يعلم سعته إلا الله وقال أبو السعود: وكونُ العرض العظيم المحيط بأكناف العالم العلوي والسفلي، تحت ملكوته وقبضة قدرته، مما يقضي بكون علو شأنه وعظم سلطانه، في غايةٍ لا غاية وراءها ﴿يُلْقِي الروح مِنْ أَمْرِهِ على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ أي نزل الوحي على من يشاء من خلقه، ويختص بالرسالة والنبوة من أراد من عباده، وإِنما سمَّى الوحي روحاً لأنه يسري في القلوب كسريان الروح في الجسد قال القرطبي: سمَّاه روحاً لأن الناس يحيون به من موت الكفر كما تحيا الأبدان بالأرواح ﴿لِيُنذِرَ يَوْمَ التلاق﴾ أي ليخوِّف الرسول الموحَى إليه يوم القيامة الكبرى، حيث يلتقي العباد جميعاً ليحاسبوا

صفحة رقم 88

على أعمالهم، ويلتقي الخلق بالخالق في ساعة الحساب قال قتادة: يلتقي فيه أهل السماء بأهل الأرض، والخالق والخلق ﴿يَوْمَ هُم بَارِزُونَ﴾ أي يوم هم ظاهرون بادون للعيان، لا شيء يكنُّهم ولا يظلّهم ولا يسترهم من جبلٍ أو أكمةٍ أو بناء، لأنهم في أرض مستوية هي أرض المحشر ﴿لاَ يخفى عَلَى الله مِنْهُمْ شَيْءٌ﴾ أي لا يخفى على الله شيء من أحواله وأعمالهم ولا من سرائرهم وبواطنهم قال الصاوي: والحكمة في تخصيص ذلك اليوم مع أن الله لا يخفى عليه شيء في سائر الأيام أنهم كانوا يتوهمون في الدنيا أنهم إذا استتروا بالحيطان مثلاً لا يراهم الله، وفي هذا اليوم لا يتوهمون هذا التوهم ﴿لِّمَنِ الملك اليوم﴾ ؟ أي ينادي الله سبحانه والناسُ بارزون في أرض المحشر: لمن المُلكُ اليوم؟ ويسكت الخلائق هيبةً لله تعالى وفزعاً، فيجيب تعالى نفسه قائلا ﴿لِلَّهِ الواحد القهار﴾ أي لله المتفرد بالملك، الذي قهر بالغلبة كل ما سواه قال الحسن: هو تعالى السائل والمجيب، لأنه يقول ذلك حين لا أحد يجيبه، فيجيب نفسه ﴿اليوم تجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ أي في ذلك اليوم يوم القضاء والفصل بين العباد تُجازى كل نفسٍ بما عملت من خيرٍ أو شر ﴿لاَ ظُلْمَ اليوم﴾ أي لا يُظلم أحد شيئاً، لا بنقص ثواب، ولا بزيادة عقاب ﴿إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب﴾ أي سريعٌ حسباه، لا يشغله شأنٌ عن شأن، فيحاسب الخلائق جميعاً في وقتٍ واحد قال القرطبي: كما يرزقهم في ساعةٍ واجدة، يحاسبهم كذلك في ساعةٍ واحدة، وفي الخبر:
«لا ينتصف النهارُ حتى يقيل أهل الجنة في الجنة، وأهلُ النار في النار» ﴿وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الأزفة﴾ أي خّوفهم ذلك اليوم الرهيب يوم القيامة قال ابن كثير: «الآزفة» اسم من أسماء القيامة، سميت بذلك لقربها كقوله تعالى ﴿أَزِفَتِ الآزفة﴾ [النجم: ٥٧] ﴿إِذِ القلوب لَدَى الحناجر﴾ أي تكاد قلوبهم لشدة الخوف والجزع تبلغ الحناجر وهي الحلوق مكان البلعوم ﴿كَاظِمِينَ﴾ أي ممتلئن غماً وحسرةً شأن المكروب قال في التسهيل: معنى الآية أن القلوب قد صعدت من الصدور لشدة الخوف حتى بلغت الحناجر، ويحتمل أن يكون ذلك حقيقةً أو مجازواً عبَّر به عن شدة الخوف والحنجرة هي الحلق ﴿مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ﴾ أي ليس للظالمين صديقٌ ينفعهم ﴿وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾ أي ولا شفيع يشفع لهم لينقذهم من شدة العذاب ﴿يَعْلَمُ خَآئِنَةَ الأعين﴾ أي يعلم جلَّ وعلا العين الخائنة بمسارقتها النظر إلى محرم قال ابن عباس: هو الرجل يكون جالساً مع الناس، فتمرُّ المرأة فيسارقهم النظر إليها ﴿وَمَا تُخْفِي الصدور﴾ أي ويعلم السرَّ المستور تخفيه الصدور ﴿والله يَقْضِي بالحق﴾ أي يقضي ويحكم بالعدل ﴿والذين يَدْعُونَ مِن دُونِهِ﴾ أي والذين يعبدونهم من دون الله من الأوثان والأصنام ﴿لاَ يَقْضُونَ بِشَيْءٍ﴾ أي لا حكم لهم أصلاً فيكف يكونون شركاء لله؟ قال أبو السعود: وهذا تهكمٌ بهم

صفحة رقم 89

لأن الجماد لا يقال في حقه يقضي أو لا يقضي ﴿إِنَّ الله هُوَ السميع البصير﴾ أي هو السمع لأقوال العباد، البصير بأفعالهم ﴿أَوَلَمْ يَسِيروُاْ فِي الأرض﴾ ؟ أي أولم يعتبر هؤلاء المشركون في أسفارهم بما يرون من أثار المكذبين ﴿فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ﴾ أي فينظروا ما حلَّ بالمكذبين من العذاب والنكال؟ فإنَّ العاقل من اعتبر بغيره ﴿كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ أي كانوا أشدَّ قوةً من هؤلاء الكفار من قومك ﴿وَآثَاراً فِي الأرض﴾ أي وأقوى آثاراً في الأرض من الحصون والقصور والجند الأشداء، ومع هذه القوة العظيمة والبأس الشديد أهكلهم الله لما كذبوا الرسل ﴿فَأَخَذَهُمُ الله بِذُنُوبِهِمْ﴾ أي أهلكهم الله إهلاكاً فضيعاً بسبب إجرامهم وتكذيبهم رسل الله ﴿وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ الله مِن وَاقٍ﴾ أي وما كان لهم أحد يدفع عنهم عذاب الله، ولا يقيهم من عقابه.
. ثم ذكر تعالى سبب عقابه لهم فقال ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بالبينات﴾ أي ذلك العذاب بسبب أنهم كانت تأتيهم رسلهم بالمعجزات الباهرات، والآيات الساطعات الواضحات ﴿فَكَفَرُواْ فَأَخَذَهُمُ الله﴾ أي فكفروا مع هذا البيان والبرهان فأهلكهم الله ودمَّرهم ﴿إِنَّهُ قَوِيٌّ﴾ أي إنه تعالى قويٌ لايُقهر، ذو قوة عظيمة وبأسٍ شديد ﴿شَدِيدُ العقاب﴾ أي عقابه شديد لمن عصاه، وعذابه أليم وجيع، أعاذنا الله من عقابه وأجارنا من عذابه.

صفحة رقم 90
صفوة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد علي بن الشيخ جميل الصابوني الحلبي
الناشر
دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع - القاهرة
الطبعة
الأولى، 1417 ه - 1997 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية