
وَإِذا حَكَمْتُمْ الظرف متعلق بمحذوف دل عليه ما بعده تقديره ويأمركم ان تحكموا بالعدل إذا حكمتم اى قضيتم بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ تفسير للمحذوف لا محلّ له من الاعراب والحكم بالعدل ايضا من باب أداء الامانة والإخلال به خيانة- عن ابى ذرّ قال قلت يا رسول الله استعملني قال يا أبا ذرّ انك ضعيف وانها امانة وانها يوم القيامة خزى وندامة الا من أخذ بحقّها وادي الذي عليه فيها وفى رواية قال يا أبا ذرّ انى أراك ضعيفا وانى احبّ لك ما احبّ لنفسى لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم رواه مسلم وكذا ما يذكر بعد ذلك من إطاعة الله والرسول واولى الأمر ايضا امانة إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا ما نكرة منصوبة على التمييز موصوفة بيعظكم او موصولة مرفوعة على الفاعلية اى نعم شيئا او نعم الشيء الذي يَعِظُكُمْ بِهِ والمخصوص محذوف اى أداء الامانة والعدل فى الحكم إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بأقوالكم واحكامكم بَصِيراً (٥٨) بما تفعلون فى الأمانات عن عبد الله بن عمرو بن العاص يرفعه الى النبي ﷺ قال المقسطون على منابر من نور على يمين الرحمن وكلتا يديه يمين هم الذين يعدلون فى حكمهم وأهلهم وما ولوا رواه مسلم وعن ابى سعيد قال قال رسول الله ﷺ ان احبّ الناس الى الله يوم القيامة وأقربهم منه مجلسا امام عادل وان ابغض الناس الى الله يوم القيامة وأشدّهم عذابا وفى رواية ابعدهم منه مجلسا امام جائر رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن غريب وعن عائشة عن رسول الله ﷺ قال أتدرون من السّابقون الى ظلّ الله عز وجل يوم القيامة قالوا الله ورسوله اعلم قال الذين إذا اعطوا الحق قبلوا وإذا سئلوه بذلوا وحكموا للناس كحكمهم لانفسهم رواه احمد وروى البيهقي فى شعب الايمان نحوه عن عمر بن الخطاب مرفوعا.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ روى الشيخان واصحاب السنن عن ابن عباس قال نزلت هذه الاية فى عبد الله ابن حذافة إذ بعثه النبي ﷺ فى سرية واخرج ابن جرير وابن ابى حاتم عن السدى قال بعث رسول الله ﷺ خالد بن الوليد فى سرية وفيها عمار بن ياسر فساروا قبل القوم الذين يريدن فاصبحوا وقد هرب القوم غير رجل اتى عمّارا وقال قد......

أسلمت وشهدت ان لا اله الا الله وان محمدا عبده ورسوله قال عمار ينفعك إسلامك فاقم فلمّا أصبحوا أغار خالد فقال خل عن الرجل فانه قد اسلم وهو فى أمان منى فاستبّا وارتفعا الى النبي ﷺ فاجاز أمان عمار ونهاه ان يجير الثانية على امير فاستبّا عند رسول الله ﷺ فقال رسول الله ﷺ يا خالد لا تسبّ عمارا فانه من سبّ عمارا سبّه الله ومن ابغض عمارا أبغضه الله ومن لعن عمارا لعنه الله فاعتذر اليه خالد فرضى فانزل الله هذه الاية «١»، اخرج ابو شيبة وغيره عن ابى هريرة قال هم الأمراء وفى لفظ هم أمراء السّرايا هذا لفظ عام يشتمل الملوك وأمراء الأمصار والقضاة وأمراء السّرايا والجيوش قال على رضى الله عنه حق على الامام ان يحكم بما انزل الله ويؤدى الامانة فاذا فعل ذلك فحق على الرعية ان يسمعوا ويطيعوا عن حذيفة رضى الله عنه قال قال رسول الله ﷺ اقتدوا بالذين من بعدي ابى بكر وعمر رواه الترمذي وعن ابى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله ﷺ من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصانى فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصانى متفق عليه وعن عبادة بن الصامت قال بايعنا رسول الله ﷺ على السمع والطاعة فى العسر واليسر والمنشط والمكره وان لا ننازع الأمر اهله وان نقوم او نقول بالحق حيث ما كنا وان لا نخاف فى الله لومة لائم متفق عليه وعن انس رضى الله عنه ان النبي ﷺ قال اسمع وأطع ولو لعبد حبشى كأن رأسه زبيبة رواه البخاري وعن ابى امامة قال سمعت رسول الله ﷺ يخطب فى حجة الوداع فقال اتقوا الله وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وادّوا زكوة أموالكم وأطيعوا إذا أمركم تدخلوا جنة ربكم رواه الترمذي ويشتمل هذه الاية ايضا الزوج يأمر امرأته والسيّد يأمر عبده والوالد يأمر والده عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله ﷺ الا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته فالامام الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته والرجل راع فى اهل بيته وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية على بيت زوجها وولده وهى مسئولة عنهم وعبد الرجل راع فى مال سيّده وهو مسئول عنه فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته متفق عليه وكذا

يشتمل الفقهاء والعلماء والمشائخ بل اولى لانهم ورثة الأنبياء وخازنوا احكام الله واحكام رسوله اخرج ابن جرير والحاكم وغيرهما عن ابن عبّاس هم اهل الفقه والدين وفى لفظ هم اهل العلم وابن ابى شيبة والحاكم وصححه وغيرهما عن جابر بن عبد الله نحوه وعن ابى العالية ومجاهد كذلك وقال الله تعالى وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وقال رسول الله ﷺ العلماء ورثة الأنبياء رواه احمد والترمذي وابو داود وابن ماجة من حديث كثير بن قيس وقال رسول الله ﷺ للصحابة رضوان الله عليهم الناس لكم تبع وان رجالا يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون فى الدّين رواه الترمذي عن ابى سعيد الخدري والله اعلم (مسئلة) وهذا الحكم يعنى وجوب إطاعة الأمير مختص بما لم يخالف امره الشرع يدل عليه سياق الآية فان الله تعالى امر الناس بطاعة اولى الأمر بعد ما أمرهم بالعدل فى الحكم تنبيها على ان طاعتهم واجبة ما داموا على العدل ونصّ على ذلك فيما بعد فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ، الاية قال بعض الأفاضل صيغة اولى الأمر يفيد ان متابعتهم واجبة فيما ولوه من الأمر وجعلهم الله تعالى واليا فيه وانما هو العدل فى الحكم ولو جعلت الأمر على الإيجاب لكان أشدّ دلالة على ذلك فان وجوب طاعتهم فيما كان لهم على الناس إيجابه فان قال الأمير أعط فلانا من مالك الفا لا يجب عليك اطاعته- (مسئلة) إذا قال القاضي قضيت على هذا بالرجم فارجمه او بالقطع فاقطعه او بالضرب فاضربه وسعك ان تفعل وعن محمد انه رجع عن هذا وقال لا يأخذ بقوله حتى يعاين الحجّة واستحسن المشائخ هذه الرواية لفساد الحال فى اكثر القضاة وقال الامام ابو منصور ان كان عدلا عالما يقبل قوله لانعدام تهمة الخطاء والخيانة وان كان عدلا جاهلا يستفسر فان احسن التفسير وجب تصديقه والا فلا وان كان فاسقا لا يقبل الا ان يعاين سبب الحكم لتهمة الخطاء والخيانة كذا فى الهداية روى البخاري وغيره عن ابن عباس قال نزلت هذه الاية فى عبد الله ابن حذافة بن قيس إذ بعثه النبي ﷺ فى سرية كذا أخرجه مختصرا قال الداودي ان عبد الله بن حذافة خرج على جيش فغضب فاوقد نارا وقال اقتحموا فامتنع بعضهم وهم بعضهم......
صفحة رقم 152
ان يفعل قال الحافظ ابن حجر فالمقصود بنزول هذه الاية فى تلك القصّة قوله تعالى فَإِنْ تَنازَعْتُمْ اختلفتم- روى سعيد بن منصور وغيره عن مجاهد يعنى ان تنازع العلماء فردّوه الى الله والى الرسول فِي شَيْءٍ مما أمركم به أميركم يعنى قال بعضكم لا يجوز لنا إطاعة الأمير فى هذا الأمر وقال بعض يجب إطاعة الأمير فَرُدُّوهُ يعنى ذلك الأمر إِلَى اللَّهِ اى الى كتابه وَالرَّسُولِ ﷺ ما دام حيّا والى سنته بعد وفاته والإجماع والقياس فيما لا نصّ فيه راجعان الى الكتاب والسنة، فان أباح الشرع ذلك الأمر أطيعوا أميركم فيه والا فلا، عن ابن عمر رضى الله عنهما عن النبي ﷺ قال السمع والطاعة على المرء المسلم فيما احبّ وكره ما لم يؤمر بمعصية فاذا امر بمعصية فلا سمع ولا طاعة متفق عليه وعن على رضى الله عنه قال قال رسول الله ﷺ لا طاعة لاحد فى معصية انما الطاعة فى المعروف متفق عليه وعن عمران بن حصين والحكيم ابن عمرو الغفاري قالا قال رسول الله ﷺ لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق رواه احمد والحاكم وصححه قال فى المدارك حكى ان مسلمة بن عبد الملك بن مروان قال لابى حازم ألستم أمرتم بطاعتنا بقوله تعالى وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فقال ابو حازم أليس قد نزعت عنكم إذا خالفتم الحق بقوله تعالى فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ- (مسئلة) إذا رفع الى القاضي حكم حاكم أمضاه الا ان يخالف الكتاب كما إذا قضى بشاهد واحد مع يمين المدعى حيث يخالف قوله تعالى وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ الاية، او السنة المشهورة كما إذا حكم بثبوت الحل للزوج الاوّل بعد الطلقات الثلاث بنكاح الزوج الثاني بدون الوطي وهو يخالف حديث عائشة فى قصّة امراة
رفاعة قوله ﷺ لا حتى تذوقى عسيلته ويذوق عسيلتك وقد ذكرناه فى سورة البقرة او الإجماع كما إذا حكم بجواز بيع متروك التسمية عامدا فانه مخالف لما اتفقوا عليه فى الصدر الاوّل فحينئذ لا يجوز امضاؤه كذا فى الهداية (مسئلة) إذا افتى المجتهد وظهران فتواه مخالف للكتاب او السنة وجب علينا اتباع الكتاب والسنة روى البيهقي فى المدخل بإسناد صحيح الى عبد الله بن المبارك قال سمعت أبا حنيفة يقول إذا جاء عن النبي ﷺ فعلى الرأس والعين وذكر عن روضة العلماء عن ابى حنيفة قال اتركوا قولى بخبر الرسول ﷺ وقول الصحابة رضى الله عنهم ونقل عنه انه قال......