
متحري ذلك ضير، بل له كل خير.
إن قيل: لِمَ قدّم الإِنفاق في الآية الأولى وأخَّره ههنا؟ قيل: لما
قصد في الأولى إلى ذمهم بالإِنفاق رياء لكونهم غير مؤمنين، قدّم
ذكره، وجعل قوله: (وَلَا يُؤمِنُونَ) في مو ضع الحال تنبيهًا أن
ذلك منهم لكونهم غير مؤمنين، ولما حثّهم في هذه الآية على ما يجب
أن يتحروه ابتدأ بذكر الإِيمان، تنبيهًا أن إنفاقهم غير معتد به إلا
بعد الإِيمان بهما.
قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (٤٠)
عنى بالظلم

ههنا بخس الحق ومثقال: مفعال: من الثقل، وضرب تعالى
الذَّرَّ مثلًا للشيء الصغير، تقريبًا على المخاطب.
واستُعمل لفظ المثقال تنبيهًا أن ذلك يعظم جزاؤه وإن صَغُر قدره.
وفي قراءة ابن مسعود: مثقال نملة. وإذا قرئ (حَسَنَةً) بالنصب فتقديره: إن
تكن الذرة حسنة، وردّ الضمير إلى المضاف إليه دون المضاف.
وإذا رفع فمعناه: إن تقع حسنة، ولا تحتاج كان ههنا إلى

خبر، ويضاعِف ويُضَعِّفُ يتقاربان.
وقال القتيبي: يُضاعِف للمرة ويُضِعِّف للتكثير، وقد قال

تعالى: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا)، وقال: (أَضْعَافًا كَثِيرَةً)
و (أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً).
وفائدة قوله: (مِنْ لَدُنْهُ) أن كلَّ ما أريد تعظيمه ينسب إلى
الله، فيقال: (مِنْ عِنْدِ اللَّهِ)، و (مِنْ لَدُنْهُ)، و (له).
و (بيت الله)، و (نَاقَةُ اللَّهِ)، وعلى هذا قوله تعالى:
(فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا)، ووصْفُ الأجر بالعظيم اعتبار
بالأجور الدنيوية.