آيات من القرآن الكريم

وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا
ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ

وهو قوله: ﴿وَمَقَامٍ كَرِيمٍ﴾ [الدخان: ٢٦]، فوصف المكان بالكريم، فكذلك يكون قوله: ﴿مُدْخَلًا﴾ يراد به المكان مثل المقام.
ويجوز أن يكون المراد به الدخول أو الإدخال؛ فإن (١) كان قد وصف بالكريم، ويكون المعنى: دخولًا تكرمون فيه، خلاف من قيل فيهم: ﴿الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ﴾ [الفرقان: ٣٤] الآية (٢).
ومعنى الكريم: الشريف الفاضل، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الحجرات: ١٣] أي أفضلكم، وقال: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: ٧٠] أي شرفناهم وفضلناهم، ومنه قوله: ﴿أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ﴾ [الإسراء: ٦٢] أي فضلت. وزدنا بيانًا لمعنى الكريم في سورة الأنفال، عند قوله: ﴿وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [الأنفال: ٤].
٣٢ - قوله تعالى: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾. التمني في اللغة: تقدير ما يحب على جهة الاستمتاع به. وقد مضى القول فيه عند قوله: ﴿إِلَّا أَمَانِيَّ﴾ [البقرة: ٧٨].
قال مجاهد: قالت أم سلمة: يا رسول الله: يغزو الرجال ولا نغزو، وإنما لنا نصف الميراث، فليتنا كنا رجالًا، فجاهدنا وغزونا، وكان لنا مثل أجر الرجال. فنزلت هذه الآية (٣).

(١) في "الحجة" ٣/ ١٥٤ - والكلام من قوله: والأشبه- له وجاء هذا الحرف (وإن) وهو أصوب.
(٢) انتهى من "الحجة" ٣/ ١٥٤.
(٣) أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ١٥٦، والترمذي (٣٠٢٢) كتاب تفسير القرآن، باب: ٥ من سورة النساء، وقال: هذا حديث مرسل، والطبري ٥/ ٤٦ - ٤٧، والحاكم في "المستدرك" ٢/ ٣٠٥، والمؤلف في "أسباب النزول" ص ١٥٤.

صفحة رقم 476

وهذا قول أكثر المفسرين. قالوا: وفي هذه الآية: أن يتمنى أحد مال غيره ومنزل غيره، فإن ذلك هو الحسد. وقد جاء: لا يتمنين أحدكم مال أخيه، ولكن ليقل: اللهم ارزقني، اللهم أعطني مثله (١).
وهذا النهي نهي تحريم عند أكثر العلماء. وليس لأحد أن يقول: ليت مال فلان لي، وانما يجوز أن يقول: ليت مثله لي (٢).
وقال الفراء: هذا نهي أدب وتنزيه، دون تحريم (٣).
والصحيح هو الأول؛ لأنه لا يُعدل بصيغة النهي عن معناه إلا بقرينة.
وقوله تعالى: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ﴾. قال ابن عباس في رواية عطاء: ﴿مِمَّا اكْتَسَبُوا﴾ يريد الجهاد، وما لا يصلح للنساء. ﴿وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ﴾ يريد حفظ فروجهن، وطاعة (زوجهن) (٤)، وحفظه إذا غاب، وترقع وتصنع في بيتها، نظرًا منها لزوجها مثل العجين والطبيخ وما يصلح في معايشه، ولها في ذلك ثواب عظيم (٥). فالنصيب على هذا معناه الثواب، أي لكل واحد من الفريقين حظ من الثواب.

(١) ذكر هذا الأثر الفراء في "معاني القرآن" ١/ ٢٦٥، وقد ورد بلفظ مقارب منسوبًا لابن عباس والكلبي. انظر: الطبري ٨/ ٢٦١، "بحر العلوم" ١/ ٣٥٠، "الكشف والبيان" ٤/ ٤٨ ب.
(٢) انظر: "الكشف والبيان" ٤/ ٣٨ ب.
(٣) انظر: "معاني القرآن" ١/ ٢٦٤.
(٤) في (د): (أزواجهن) بالجمع.
(٥) لم أقف عليه، وقد ذكره المؤلف في "الوسيط" ٢/ ٥٢٤ دون نسبة، وثبت عن ابن عباس في تفسير هذه الآية: يعني ما ترك الوالدان والأقربون: يقول: للذكر مثل حظ الأنثيين. "تفسير ابن عباس" ص ١٤٥، والطبري ٥/ ٤٩.

صفحة رقم 477

وقال قتادة ومقاتل والسدي: قالت الرجال: إنا لنرجو أن نُفَضَّل على النساء بحسناتنا في الآخرة، كما فُضِّلنا عليهن في الميراث، فيكون أجرنا على الضعف من أجر النساء. وقالت النساء: إنا لنرجو أن يكون الوزر علينا نصف ما على الرجال في الآخرة، كما لنا الميراث على النصف من نصيبهم في الدنيا.
فأنزل الله عز وجل: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا﴾ من الثواب والعقاب ﴿وَلِلنِّسَاءِ﴾ كذلك (١). فسوى بين الفريقين في الثواب والعقاب، واستحقاقهم إياهما بالاكتساب.
ولأصحاب المعاني في هذا وجه آخر: يقول: لكل فريق من الرجال والنساء نصيب مما اكتسب من نعيم الدنيا، فينبغي أن يقنع به رضًى بما قسم الله له، ولا يتمنى مال غيره.
وقوله تعالى: ﴿وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ﴾.
أي إن احتجتم إلى ما لغيركم (وأجبكم) (٢) أن يكون لكم مثل ما له فاسألوا الله أن يعطيكم مثل ذلك من فضله (٣).
وقال رسول الله - ﷺ -: "سلوا الله من فضله، فإنه يحب أن يُسأل" (٤).

(١) أخرج الأثر عن قتادة الطبري ٤٧ - ٤٨ بنحوه وذكر الأثر عنه وعن السدي الثعلبى في "الكشف والبيان" ٤/ ٤٨ ب، وانظر: "تفسير مقاتل بن سليمان" ١/ ٣٦٩، "الدر المنثور" ٢/ ٢٦٧.
(٢) ورد في الأصل، ولعله تصحيف من الناسخ والصواب (أحبيتم).
(٣) انظر: "النكت والعيون" ١/ ٤٧٨.
(٤) أخرجه الترمذي (٣٥٧١) كتاب الدعوات، باب: في انتظار الفرج وغير ذلك، وتكلم في إسناده، والطبري ٥/ ٤٩، وفيه ضعف وانظر: "ضعيف الجامع" ٣/ ٢٢١.

صفحة رقم 478
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية