آيات من القرآن الكريم

وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا
ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ

كفارات لكم ولسيئاتكم، فيتوب عليكم، ويكفر عنكم إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ «١» والله عليهم بكل قصد، حكيم في كل عمل وقانون يسنه لعباده.
والله يريد أن يتوب عليكم بما كلفكم به من الأعمال التي تطهركم وتزكى نفوسكم فيتوب عليكم بعد هذا، ويريد الذين يتبعون الشهوات ويجرون وراءها- فكأنها أمرتهم باتباعها فامتثلوا أمرها- أن تميلوا معهم حيث مالوا ميلا عظيما، فإن مرتكب الإثم يهمه جدا أن يشاركه غيره فيه إرضاء لنفسه واطمئنانا لها.
يريد الله بهذه الأحكام التخفيف عليكم، حيث أحل لكم نكاح الأمة للضرورة، وحرم عليكم نكاح هذه المحرمات السابقة، وخلق الإنسان ضعيفا عن مقاومة الشهوات والوقوف أمام تيارات النساء فإنهن حبائل الشيطان. ولهذا نهانا عن الجلوس مع غير المحارم والحديث معهن لغير ضرورة، ونهى النساء عن كشف عوراتهن وتبرجهن وعن إبداء زينتهن.
أخرج البيهقي عن ابن عباس- رضى الله عنهما- ثماني آيات نزلت في سورة النساء هي خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت، وعد هذه الآيات الثلاث (٢٦ و ٢٧ و ٢٨) والرابعة إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ. والخامسة إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ. والسادسة وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً
. والسابعة إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ.
والثامنة وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ «٢».
حدود ومعالم [سورة النساء (٤) : الآيات ٢٩ الى ٣٣]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٢٩) وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (٣٠) إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (٣١) وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٣٢) وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (٣٣)

(١) سورة هود آية ١١٤.
(٢) وهي على التوالي الآيات: ٣١، ٤٠، ١١٠، ١١٦، ١٥٢. [.....]

صفحة رقم 363

المفردات:
لا تَأْكُلُوا المراد: لا تأخذوا، وإنما عبر بذلك عن الأخذ لأن الأكل هو المقصود المهم. بِالْباطِلِ الباطل: ما قابل الحق. وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ:
لا يقتل بعضكم بعضا. عُدْواناً العدوان: قصد التعدي على الغير.
وَظُلْماً: هو تجاوز الحق بالفعل. نُصْلِيهِ ناراً: ندخله ونحرقه بالنار.
تَجْتَنِبُوا: تتركوا الشيء جانبا. كَبائِرَ: جمع كبيرة، وهي المعصية التي قرن بها وعيد شديد أو حد في كتاب الله أو سنة رسوله كما في بعض الأقوال.
نُكَفِّرْ: نغفر ونمنح. مُدْخَلًا كَرِيماً: مكانا طيبا وهو الجنة.
وَلا تَتَمَنَّوْا التمني: طلب حصول الأمر المرغوب فيه. فَضْلِهِ: إحسانه

صفحة رقم 364

ونعمه الكثيرة. مَوالِيَ: جمع مولى، والظاهر أن المراد به من يحق له الاستيلاء على التركة، وقيل غير ذلك. وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ قيل: إن المراد بهم الأحلاف، فقد كان من عادة العرب أن يتحالف الرجل مع رجل آخر على تبادل النجدة والمعونة، وكان الحليف يرث السدس. وقيل وهو الظاهر: إن المراد بهم الأزواج.
ونحن في بيوتنا وأسرنا ومجتمعنا الصغير والكبير أحوج ما نكون إلى معرفة حكم الله في الاعتداء على المال أو النفس، ولذا وضعت هذه الآية هنا.
المعنى:
المال شقيق الروح، والاعتداء عليه يورث العداوة بل قد يجر إلى الجرائم والاعتداء على النفس أقسى اعتداء وأشده، قد تنجم عنه حروب وثارات، واجتناب الكبائر وإعطاء الحقوق لأربابها من دعائم المجتمع السليم لذا عالج القرآن هذا بأحسن علاج.
يا أيها المؤمنون: لا تكونوا من ذوى الأطماع في حقوق الغير، الذين يأكلون أموال الناس بغير حق، فلا يأكل بعضكم مال أخيه الذي بينه وبينه ويتخاصم لأجله بالباطل، ولكن كلوه عن طريق التجارة ما دامت عن تراض منكم ليس فيها كذب ولا خداع ولا غش ولا تدليس.
والتجارة مشروعة، ومتى كانت بالتراضي مع الذكاء وحسن العرض وجذب قلوب الناس بحسن الكلام والوسائل المغرية غالبا يأتى معها الربح الكثير، وإنما أضاف الأموال إلى الجميع (أموالكم) للإشارة إلى أن مال الفرد مال الأمة، والاعتداء على مال الفرد اعتداء على مال الأمة جمعاء، فنحن خلفاء الله في هذا المال. والمال للكل، فالفقير والمحتاج له منه نصيب فلا تمنعوه... وهذه هي الاشتراكية الإسلامية، احترام الملكية وإيجاد حق معلوم للسائل والمحروم بالزكاة المقيدة والمطلقة، وحث على العمل ومنع الاعتداء على حق الغير إلا بحق الإسلام.
واستثناء التجارة من الأكل بالباطل فيه إشارة إلى أن معظم أنواع التجارة يدخل فيها أكل مال الغير، وإنما أبيحت للترغيب فيها «تسعة أعشار الرزق في التجارة» فهي عماد الحياة ودعامة العمران. متى خلت من الغش والكذب.

صفحة رقم 365

ولا يقتل بعضكم بعضا، وفي تعبير القرآن وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إشارة إلى أن من قتل غيره فكأنما قتل نفسه (بالقصاص) بل من قتل غيره فقد اعتدى على الأمة كلها وهو فرد منها مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً «١» فدم المسلم على المسلم حرام إلا من ارتد أو زنى وهو محصن أو قتل عمدا.
وإذا كان قتل الغير على هذا الوضع. كان قتل النفس (الانتحار) أشد جرما وأفظع ذنبا لا يصح أن يصدر من مؤمن، ولذا لم ينهنا عنه القرآن صراحة.
إن الله كان بكم رحيما، حيث حرم الاعتداء على الغير في المال والنفس إلا بحق الإسلام، من يفعل ذلك الاعتداء بقصد الجور والظلم فقد استحق من الله عقوبة صارمة وهي إصلاؤه النار وإدخاله فيها وبئس المصير وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً [النساء ٩٣] وكان ذلك على الله يسيرا وسهلا تحقيقه فهو القادر على كل شيء، مالك الملك والملكوت فلا يغرنك حال الكافرين والعصاة فالله يمهل ولا يهمل، سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا.
نهى الله عن أكل أموال الناس بالباطل، وعن القتل بغير حق، وتوعد من ارتكب ذلك بأقسى العقوبة، ثم ذكر في هذه الآية نهيا عامّا لكل كبيرة ووعد من يمتثل بمحو السيئة ودخول الجنة.
اختلف العلماء في المعصية وتحديدها وهل فيها كبيرة وصغيرة؟ أم كلها كبائر؟
وأحسن الآراء أن لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار، فالمعصية إن صاحبها استخفاف بالدين، واستهانة به مع الإصرار فهي كبيرة من الكبائر.
وإذا نظرت إلى الزنى وقبلة المرأة أو النظر إليها رأيت أن الزنى كبيرة بلا شك بالنسبة إلى النظر أو القبلة. وعلى هذا الأساس جاء حد الكبائر في الأحاديث الشريفة،
فقد ثبت في الصحيحين من حديث أبى هريرة: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «اجتنبوا السبع الموبقات: - أى: المهلكات- قالوا: وما هي يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والسحر، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي

(١) سورة المائدة آية ٣٢.

صفحة رقم 366

يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات»
وقد رويت عدة روايات ثابتة، فيها غير هذه الكبائر كشهادة الزور مثلا... إلخ.
وخرج علماء الحديث ذلك على أن الرسول كان يذكر في كل مقام ما يناسبه، فلم يكن ذلك على سبيل الحصر، على أن الشارع نظر إلى عدم تحديد الكبيرة والصغيرة رجاء أن تجتنب المعاصي كلها، كما أخفى الصلاة الوسطى، وليلة القدر، وساعة الإجابة لنحافظ على الكل.
واجتناب الكبيرة إنما يكفر الصغيرة إذا اجتنبها مع القدرة والإرادة كمن تدعوه امرأة ذات حسن وجمال إلى نفسها، فيأبى ذلك خوفا من الله لا لشيء آخر، فهؤلاء الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم البسيط من السيئات، والمعاصي التي تحصل لظرف طارئ كثورة أو غضب ثم يعقبها تأنيب وندم، هؤلاء يكفر الله عنهم سيئاتهم ويدخلهم جنات النعيم، نزلا من عند الله مباركا طيبا إنه واسع المغفرة.
بعد أن نهى الله- سبحانه وتعالى- عن أكل أموال الناس بالباطل وقتل النفس بغير حق، نهى عن كل الكبائر، توعد على ذلك وأوعد، نهى في الآية عن سبب كل هذا وهو تمنى ما عند الغير، وحثنا على العمل والكسب حتى لا نطمع فيما في أيدى الناس.
وقد ذكروا في أسباب نزول الآية عدة روايات، كلها تدور حول تمنى الرجال.
مضاعفة الثواب كما ضوعف حظهم في الميراث، وتمنى النساء الجهاد مثل الرجال وغير ذلك.
ينهانا الله- سبحانه وتعالى- عن أن يتمنى كل مكلف منا- ذكرا كان أو أنثى- ما فضل الله به غيره، بل الواجب على كل منا أن يعمل ويكتسب ويجد ويجتهد، فله في كل عمل أتقنه وأخلص فيه نصيبه من الحسنات، وعلينا أن نوجه أفكارنا إلى الخير وإلى ما يغذى العقل ويزكى النفس، واسألوا الله أن يهبكم من فضله ويمن عليكم من نعمه، فهو الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ «١» ولذا ختم الله الآية بقوله إن الله كان بكل شيء عليما.
والله- سبحانه وتعالى- خص كلا من الرجال والنساء بأعمال تتفق وطبيعة كل،

(١) سورة الشورى آية ٢٧

صفحة رقم 367

وحثهم جميعا على العمل بالإشارة في قوله اكْتَسَبُوا الذي يفيد المبالغة والتكلف في العمل والكسب.
وانظر إلى قوله تعالى: بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ إذ فيه إيجاز بديع، فالآية تشمل كل تفضيل واقع بين الرجال والنساء وبين النساء والرجال، أفرادا وجماعات.
وهذا التفضيل يشمل الخلقي، ويشمل التفاضل فيما يدخل فيه العمل والاجتهاد كالعلم وتحصيل المال أو الجاه مثلا، وهذا هو المقصود بالنهى في الآية. ومن السخف أن يتمنى الإنسان أن يكون قوى البنية أو صحيح الجسم أو ذكرا أو أنثى.
والخلاصة: إننا نهينا عن التمني مع الكسل والخمول ولا يتمنى هذا إلا ضعيف الهمة وضعيف الإيمان، ولا شك أن هذا يجر إلى التعدي على الغير والحسد والحقد... إلخ. وينبهنا الله بقوله: لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا إلى الكسب والعمل. وفقنا الله إلى ما فيه الخير والسداد.
بعد أن نهى الله- سبحانه وتعالى- عن أكل أموال الناس بالباطل وعن تمنى ما للغير من مال أو جاه، والمال هو المقصود ويأتى عن طريق الكسب وعن الإرث، قال الله- تعالى- قطعا للأطماع ووضعا للأمور في نصابها: (ولكل) من الرجال والنساء (جعلنا موالي مما ترك) يحق لهم الاستيلاء على التركة وأخذها.
والمولى: هم (الوالدان والأقربون) والأزواج، فآتوهم نصيبهم كاملا من غير نقصان، واعلموا أن الله كان ولا يزال على كل شيء تفعلونه شهيدا فيجازيكم عليه يوم القيامة، فلا يحملنكم الطمع وحسد بعضكم لبعض من جراء زيادة نصيبه في الميراث على أن يأكل من حق غيره سواء كان ذكرا أو أنثى صغيرا أو كبيرا.

صفحة رقم 368
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية