
الْمَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا بِلَا سَبَبٍ، وَالْيَأْسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْأَمْنَ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ، وَيُقَالُ: الْوَقِيعَةُ فِي أَهْلِ الْعِلْمِ، وَحَمَلَةِ الْقُرْآنِ، وَمِمَّا يُعَدُّ مِنَ الْكَبَائِرِ: الظِّهَارُ، وَأَكَلُ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْمِيتَةِ إِلَّا عَنْ ضَرُورَةٍ، ثُمَّ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلِلتَّوَقُّفِ مَجَالٌ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْخِصَالِ.
قُلْتُ: وَقَدْ صَنَّفَ النَّاسُ فِي الْكَبَائِرِ مُصَنَّفَاتٌ مِنْهَا مَا جَمَعَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ الَّذِي بَلَغَ نَحْوًا مِنْ سَبْعِينَ كَبِيرَةً، وإذا قيل: إن الكبيرة ما توعد عليها الشارع بِالنَّارِ بِخُصُوصِهَا، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ وما تتبّع ذَلِكَ، اجْتَمَعَ مِنْهُ شَيْءٌ كَثِيرٌ، وَإِذَا قِيلَ كل ما نهى الله عنه فكثير جدا، والله أعلم.
[سورة النساء (٤) : آية ٣٢]
وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٣٢)
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «١» : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَغْزُو الرِّجَالُ وَلَا نَغْزُو، وَلَنَا نِصْفُ الْمِيرَاثِ، فَأَنْزَلَ الله وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَكَرَهُ، وَقَالَ: غَرِيبٌ. وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ أم سلمة قالت: يا رسول الله، فذكره. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا نقاتل فنستشهد، ولا نقطع الميراث، فنزلت الآية، ثم أنزل الله أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى [آلِ عِمْرَانَ: ١٩٥]، ثُمَّ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَكَذَا رَوَى سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَرَوَى يَحْيَى الْقَطَّانُ وَوَكِيعُ بْنُ الْجِرَّاحِ عَنِ الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ:
قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَرُوِيَ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ وخُصَيْفٍ نَحْوُ ذَلِكَ، وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عِكْرِمَةَ وَمُجَاهِدٍ أَنَّهُمَا قَالَا: أُنْزِلَتْ فِي أُمِّ سَلَمَةَ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي قَوْلِ النِّسَاءِ: لَيْتَنَا الرِّجَالُ، فَنُجَاهِدَ كَمَا يُجَاهِدُونَ، وَنَغْزُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ عَطِيَّةَ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا الْأَشْعَثُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ جَعْفَرٍ يَعْنِي ابْنَ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ في الآية، قال: أتت امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: يا رسول اللَّهِ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ بِرَجُلٍ، فَنَحْنُ فِي الْعَمَلِ هَكَذَا، إِنْ عَمِلَتِ امْرَأَةٌ حَسَنَةً كُتِبَتْ لَهَا نِصْفُ حَسَنَةٍ، فَأَنْزَلَ الله هذه الآية وَلا تَتَمَنَّوْا الآية، فإنه عدل مني وأنا صنعته.

وقال السدي في الآية: فَإِنَّ الرِّجَالَ قَالُوا: نُرِيدُ أَنْ يَكُونَ لَنَا مِنَ الْأَجْرِ الضِّعْفَ عَلَى أَجْرِ النِّسَاءِ، كَمَا لَنَا فِي السِّهَامِ سَهْمَانِ، وَقَالَتِ النِّسَاءُ: نُرِيدُ أن يكون لنا أجر مثل أجر الشُّهَدَاءِ، فَإِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُقَاتِلَ، وَلَوْ كُتِبَ عَلَيْنَا الْقِتَالُ لَقَاتَلْنَا، فَأَبَى اللَّهُ ذَلِكَ وَلَكِنْ قَالَ لَهُمْ: سَلُونِي مِنْ فَضْلِي، قَالَ: لَيْسَ بِعَرَضِ الدُّنْيَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ نَحْوُ ذَلِكَ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عباس في الآية، قَالَ: وَلَا يَتَمَنَّى الرَّجُلُ فَيَقُولُ: لَيْتَ لَوْ أَنَّ لِي مَالَ فُلَانٍ وَأَهْلَهُ، فَنَهَى اللَّهُ عن ذلك، ولكن ليسأل الله من فضله وقال الحسن ومحمد بن سيرين وعطاء والضحاك، نحو هذا وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنَ الْآيَةِ وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ فَيَقُولُ رَجُلٌ: لَوْ أَنَّ لِي مِثْلَ مَا لِفُلَانٍ لَعَمِلْتُ مِثْلَهُ فَهُمَا فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ»، فَإِنَّ هَذَا شيء غير ما نهت عنه الآية، وَذَلِكَ أَنَّ الْحَدِيثَ حَضَّ عَلَى تَمَنِّي مِثْلَ نِعْمَةِ هَذَا، وَالْآيَةُ نَهَتْ عَنْ تَمَنِّي عَيْنَ نِعْمَةِ هَذَا، فَقَالَ وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ أَيْ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَكَذَا الدِّينِيَّةِ أَيْضًا، لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَهَكَذَا قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: نَزَلَتْ فِي النَّهْيِ عَنْ تَمَنِّي مَا لِفُلَانٍ، وَفِي تَمَنِّي النِّسَاءِ أَنْ يَكُنَّ رِجَالًا فَيَغْزُونَ، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
ثُمَّ قَالَ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ أَيْ كُلٌّ لَهُ جَزَاءٌ عَلَى عَمَلِهِ بِحَسَبِهِ إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ، هذا قَوْلُ ابْنِ جَرِيرٍ «١».
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ فِي الْمِيرَاثِ، أَيْ كُلٌّ يَرِثُ بِحَسَبِهِ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
ثُمَّ أَرْشَدَهُمْ إِلَى مَا يصلحهم، فقال وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ لا تتمنوا ما فضلنا بِهِ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ مَحْتُومٌ، وَالتَّمَنِّي لَا يُجْدِي شَيْئًا، وَلَكِنْ سَلُونِي مِنْ فَضْلِي أُعْطِكُمْ، فَإِنِّي كَرِيمٌ وَهَّابٌ، وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ وَاقِدٍ، سَمِعْتُ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «سَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ، وَإِنَّ أَفْضَلَ الْعِبَادَةِ انْتِظَارُ الْفَرَجِ» ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ:
كَذَا رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ وَاقِدٍ، وَلَيْسَ بِالْحَافِظِ، وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَدِيثُ أَبِي نُعَيْمٍ أَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ أَصَحُّ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ وَكِيعٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «سَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ، وَإِنَّ أَحَبَّ عِبَادِهِ إِلَيْهِ الَّذِي يُحِبُّ الْفَرَجَ».
ثُمَّ قَالَ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً أَيْ هُوَ عَلِيمٌ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ الدُّنْيَا فَيُعْطِيهِ مِنْهَا، وَبِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْفَقْرَ فَيُفْقِرُهُ، وَعَلِيمٌ بِمَنْ يَسْتَحِقُّ الْآخِرَةَ فَيُقَيِّضُهُ لأعمالها، وبمن يستحق الخذلان