آيات من القرآن الكريم

وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا
ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ ﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ

﴿وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٣٢) وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (٣٣) ﴾
شرح الكلمات:
﴿وَلا تَتَمَنَّوْا﴾ : التمني: التشهي والرغبة في حصول الشيء، وأداته: ليت، ولو، فإن كان مع زوال المرغوب فيه عن شخص ليحصل للمتمني فهو الحسد.
﴿مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ﴾ : أي: ما فضل الله به أحداً منكم فأعطاه علماً أو مالاً أو جاهاً أو سلطاناً.
﴿نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا﴾ : أي: حصة وحظ من الثواب والعقاب بحسب الطاعة والمعصية.
﴿مَوَالِيَ﴾ : الموالي: من يلون التركة ويرثون الميت من أقارب.
﴿عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ : أي: حالفتموهم وتآخيتم معهم مؤكدين ذلك بالمصافحة واليمين.
﴿فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ﴾ : من الرفادة والوصية والنصرة لأنهم ليسوا ورثة.
معنى الآيتين:
صح أو لم يصح أن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ليتنا كنا رجالاً فجاهدنا وكان لنا مثل أجر الرجال فإن الله سميع عليم، والذين يتمنون١ حسداً وغير حسد ما أكثرهم ومن هنا نهى

١ التمني: نوع إرادة يتعلق بالمستقبل، وعلى خلافه التلهف؛ لأنه يتعلق بالماضي، وسر النهي عنه: أن فيه تعلق البال بالمتمني ونسيان الأجل، ولذا حرم التمني الذي هو الحسد، وهو نوعان: تمني زوال النعمة من غيره لتحصل له، وتمني زوال النعمة من غيره ولو لم تحصل له، وهو شر الحسد. وهل الغبطة من الحسد؟ والجواب: لا. والغبطة هي: أن يرى العبد نعمة علم أو مال لأحد فيغتبط ويسأل الله تعالى أن يكون له ذلك العلم ليعلمه ويعمل به، أو يكون له ذلك المال ليتصدق به. فهذه الغبطة محمودة لحديث البخاري: "لا حسد إلا في اثنتين، رجل أتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، فيقول الرجل: لو أن لي مثل مال فلان لعملت مثله فهم في الأجر سواء ".

صفحة رقم 469

الله تعالى في هذه الآية الكريمة (٣٢) عباده المؤمنين عن تمني ما فضل الله تعالى به بعضهم على بعض فأعطى هذا وحرم ذاك لحكم اقتضت ذلك، ومن أظهرها الابتلاء بالشكر والصبر، فقال تعالى: ﴿وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ﴾ –من علم أو مال. أو صحة أو جاه أو سلطان- ﴿بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ وأخبر تعالى أن سنته في الثواب والعقاب الكسب والعمل، فليعمل من أراد الأجر والمثوبة بموجبات ذلك من الإيمان والعمل الصالح، ولا يتمنى ذلك تمنياً، وليكف عن الشرك والمعاصي من خاف العذاب والحرمان ولا يتمنى النجاة تمنياً كما على من أراد المال والجاه فليعمل له بسنته المنوطة به، ولا يتمنى فقط فإن التمني كما قيل بضائع النوكى، أي: الحمقى، فلذا قال تعالى: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ﴾، فرد القضية إلى سنته فيها وهي كسب الإنسان. كقوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ﴾ ثم بين تعالى سنة أخرى في الحصول على المرغوب: وهي دعاء الله تعالى فقال: ﴿وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً﴾ فمن سأل ربه وألح١ عليه موقناً بالإجابة أعطاه فيوفقه للإتيان بالأسباب، ويصرف عنه الموانع، ويعطيه بغير سب إن شاء، وهو على كل شيء قدير، بل ومن الأسباب المشروعة الدعاء والإخلاص فيه.
هذا ما تضمنته الآية الأولى (٣٣) فإن الله تعالى يخبر مقرراً حكما ً شرعياً قد تقدم في السياق، وهو أن لكل من الرجال والنساء ورثة يرثون إذا مات فقال: ﴿وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا٢ مَوَالِيَ﴾ أي: أقارب يرثونه إذا مات، وذلك من النساء والرجال، أما الذين هم موالي بالحلف أو الإخاء فقط، أي: ليسوا من أولي الأرحام، فالواجب إعطاؤهم نصيبهم من النصرة والرفادة. والوصية لهم بشيء إذ لاحظ لهم في الإرث، لقوله تعالى: ﴿وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ﴾، ولما كان توزيع المال وقسمته تتشوق له النفوس وقد يقع فيه حيف أو ظلم أخبر تعالى أنه على كل شيء شهيد فلا يخفى عليه من أمر الناس شيء فليتق ولا يُعص.

١ لحديث الترمذي وغيره، قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سلوا الله من فضله، فإنه يحب أن يسأل، وأفضل العبادة انتظار الفرج" أي: من الله تعالى، وهو تعلق القلب بالرب تعالى.
٢ هذه الآية ناسخة لكل من الإرث بالتحالف والمؤاخاة، وهي كقوله تعالى: ﴿وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ﴾، وهو المقصود بقوله تعالى: ﴿والَّذين عَقَدت أيمَانكم﴾ فقد كان الرجل في الجاهلية يقوله لمن أراد محالفته: دمي دمك، وهدمي هدمك، وثأري ثأرك، وحربي حربك، وسلمي سلمك، وترثي وأرثك. وأما المؤاخاة: فقد كانت بين المهاجرين والأنصار بأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتوارثوا بها حتى نسخت بهذه الآية، وآية الأنفال: ﴿وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ﴾.

صفحة رقم 470

فقال: ﴿إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً﴾ لا يخفى عليه من أمركم شيء فاتقوه وأطيعوه ولا تعصوه.
هداية الآيتين
من هداية الآيتين:
١- قبح التمني وترك العمل.
٢- حرمة الحسد.
٣- فضل الدعاء وأنه من الأسباب التي يحصل بها المراد.
٤- تقرير مبدأ التوارث في الإسلام.
٥- من عاقد أحداً على حلف أو آخى أحداً وجب عليه أن يعطيه حق النصرة والمساعدة وله أن يوصي له بما دون الثلث١، أما الإرث فلا حق له لنسخ ذلك.
٦- وجوب مراقبة الله تعالى؛ لأنه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء شهيد.
﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً (٣٤) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً (٣٥) ﴾

١ يدخل في هذا المتبني فإن لمن تبناه بمعنى: رباه أن يوصي له بما دون الثلث، أما أن ينسبه إليه فلا لأنه محرم بالكتاب والسنة.

صفحة رقم 471
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
عرض الكتاب
المؤلف
جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
الناشر
مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة
سنة النشر
1424
الطبعة
الخامسة
عدد الأجزاء
5
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية