
قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، والسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات». انتهى «١».
[سورة النساء (٤) : الآيات ٣٢ الى ٣٣]
وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٣٢) وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (٣٣)
وقوله تعالى: وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ... الآية: سَبَبُ الآيةِ أنَّ النِّسَاءَ قُلْنَ: لَيْتَنَا اسْتَوَيْنَا مَعَ الرِّجالِ في المِيرَاثِ، وشَارَكْنَاهُمْ في الغَزْوِ، ورُوِيَ أنَّ أمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ ذَلِكَ، أو نحوه «٢»، وقال الرِّجَالُ: لَيْتَ لَنَا فِي الآخِرَةِ حَظّاً زَائِداً عَلَى النِّسَاءِ كَمَا لَنَا عَلَيْهِنَّ فِي الدُّنْيَا، فنزلَتِ الآية.
قال ع «٣» : لأنَّ في تَمَنِّيهم هذا تحكُّماً على الشِّريعة وتطرُّقاً إِلى الدَّفْع في صَدْر حَكْم اللَّه تعالَى، فهذا نَهْيٌ عن كُلِّ تَمَنٍّ بخلاف حُكْم شرعيٍّ، وأما التمنِّي في الأعمال الصَّالحة، فذلك هو الحَسَن، وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: «وَدِدتُّ أنَ أُقْتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ أحياء، ثُمَّ أُقْتَلُ، ثُمَّ أَحْيَا... » الحديث «٤». وفي غير موضع ولقوله تعالى: وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ
[النساء: ٣٢]. قال القُشَيْرِيُّ: سمعْتُ الشيخ أبا عَلِيٍّ يقولُ: مِنْ علاَمَاتِ المَعْرفة أَلاَّ تسأل حوائجَكَ، قَلَّتْ أَوَ كَثُرَتْ إِلاَّ مِنَ اللَّهِ تعالَى مِثْلُ موسَى اشتاق إِلَى الرُّؤْية، فقال: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ [الأعراف: ١٤٣]، واحتاج مرَّةً إِلى رغيفٍ، فقال: رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [القصص: ٢٤]
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠/ ٣٠٠) والثوري في «تفسيره» (ص ٢٤١- ٢٤٢) كلاهما من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أم سلمة به.
وأخرجه أحمد (٦/ ٣٠١) والطبراني في «الكبير» (٢٣/ ٢٩٨) رقم (٦٦٥) من طريق عبد الله بن رافع عن أم سلمة وأخرجه أحمد (٦/ ٣٠٥) والنسائي في «الكبرى» (٦/ ٤٣١) كتاب «التفسير»، باب قوله تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ حديث (١١٤٠٥) والطبراني في «الكبير» (٢٣/ ٢٩٤) رقم (٦٥٠) من طريق عثمان بن حكيم ثنا عبد الرّحمن بن شيبة عن أم سلمة به والحديث ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٥/ ٣٧٩) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن مردويه والفريابي وابن سعد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم.
(٣) ينظر: «المحرر الوجيز» (٢/ ٤٤- ٤٥).
(٤) تقدم تخريجه.

انتهى من «التحبير».
وقوله تعالى: لِلرِّجالِ نَصِيبٌ... الآية: قالَتْ فرقة: معناه: من الأجْر، والحسناتِ، فكأنه قِيلَ للنَّاس: لا تَتَمَنَّوْا في أمرٍ مخالف لما حكم اللَّه بِهِ لاختيارٍ تَرَوْنَهُ أَنْتُمْ، فإِن اللَّه تعالَى قَدْ جَعَلَ لكلِّ أحدٍ نصيباً من الأجْر والفَضْلِ بحَسَب اكتسابِهِ فيما شَرَعَ لَهُ، وهذا قولٌ حَسَن، وفي تعليقه سبحانه النَّصِيبَ بالاِكتسابِ حَضٌّ علَى العَمَل، وتنبيهٌ على كَسْب الخير.
وقوله سبحانه: وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ، قال ابنُ جُبَيْر وغيره: هذا في فَضْل العباداتِ، والدِّينِ، لا في فضل الدنيا «١»، وقال الجُمْهُور: ذلك على العمومِ، وهو الذي يقتضيه اللفظ، فقوله: وَسْئَلُوا اللَّهَ يقتضي مفْعولاً ثانياً، تقديره: واسألوا اللَّهَ الجَنَّة أو كثيراً من فضله.
وقوله تعالى: وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ... أي: ولكلِّ أحدٍ، قال ابنُ عَبَّاس وغيرهِ:
المَوَالِي هنا العَصَبَةُ والوَرَثَةُ، والمعنَى: ولكلِّ أحدٍ جعلْنا موالِيَ يَرِثُونَ ممَّا تَرَكَ الوالدان والأقربُونَ.
وقوله تعالى: وَالَّذِينَ رفْعٌ بالاِبتداءِ، والخَبَرُ في قوله: فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ.
واختُلِفَ من المراد ب «الَّذِينَ».
فقال الحسن وابنُ عبَّاس وابنُ جُبَيْر وغيرهم: هم الأحْلاَفُ، فإِنَّ العرب كانَتْ تتوارَثُ بالحِلْفِ، ثم نُسِخَتْ بآيَات الأنْفَالِ: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ «٢» [الأنفال: ٧٥].
وقال ابنُ عباس أيضاً: هم الذين كَانَ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم آخَى بينهم، كانوا يتوارَثُونَ بهذه الآيةِ حتى نُسِخَ ذلك بما تقدَّم «٣».
وقال ابنُ المسيَّب: هم الذين كانوا يتبنّون «٤».
(٢) أخرجه الطبري (٤/ ٥٤) برقم (٩٢٦٧- ٩٢٦٩- ٩٢٦٨)، وذكره ابن عطية (٢/ ٤٦)، وابن كثير (١/ ٤٨٩)، والسيوطي (٢/ ٢٦٨) بنحوه.
(٣) أخرجه البخاري (٤٥٨٠).
(٤) أخرجه الطبري (٤/ ٥٧) برقم (٩٢٨٩)، وذكره ابن عطية (٢/ ٤٦).