مجاهد: هم الزناة، يريدون أن تميلوا عن الحق فتكونوا مثلهم تزنون كما يزنون.
ابن زيد: هم جميع أهل الكتاب في دينهم.
يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ في نكاح الأمة، إذا لم تجدوا طول الجرة وفي كل أحكام الشرع وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً في كل شيء.
طاوس والكلبي وأكثر المفسرين: يعني في أمر الجماع لا يصبر على النساء ولا يكون الإنسان في شيء أضعف منه في أمر النساء.
قال سعيد بن المسيب: ما آيس الشيطان من بني آدم إلّا أتاه من قبل النساء، وقد أتى عليّ ثمانون سنة وذهبت إحدى عينيّ وأنا أعشى بالأخرى، وأن أخوف ما أخاف عليّ فتنة النساء.
مالك بن شرحبيل قال: قال عبادة بن الصامت: ألا ترونني لا أقوم إلّا رفدا ولا آكل إلّا ما لوق لي وقد مات صاحبي منذ زمان، وما يسرني أني خلوت بامرأة لا تحل لي وأن لي ما تطلع عليه الشمس مخافة أن يأتيني الشيطان فيحكيه عليّ أنه لا سمع له ولا بصر.
قال الحسن: هو أن خلقه من ماء مهين بيانه قول الله: الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ «١».
ابن كيسان: (خُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) يستميله هواه وشهوته ويستطيشه خوفه وحزنه.
قال ابن عباس: ثمان آيات في سورة النساء هي خير لهذه الأمة ممّا طلعت عليه الشمس وغربت: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ «٢»، وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ»
، يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ «٤» إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ «٥»، إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ «٦»، إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ «٧» وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ
«٨»، ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ «٩»
[سورة النساء (٤) : الآيات ٢٩ الى ٣٦]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٢٩) وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (٣٠) إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (٣١) وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٣٢) وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (٣٣)
الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (٣٤) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (٣٥) وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً (٣٦)
(٢) سورة النساء: ٢٦.
(٣) سورة النساء: ٢٧.
(٤) سورة النساء: ٢٨.
(٥) سورة النساء: ٣١.
(٦) سورة النساء: ٤٨.
(٧) سورة النساء: ٤٠.
(٨) سورة النساء: ١١٠.
(٩) سورة النساء: ١٤٧.
قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ بالحرام يعني الربا والقمار والقطع والغصب والسرقة والخيانة.
وقال ابن عباس: هو الرجل يشتري من الرجل الثوب فيقول: إن رضيت أخذته وإلّا رددته ورددت معه درهما، ثم قال: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً يعني لكن إذا كانت تجارة استثناء منقطع، لأن التجارة ليست بباطل.
قرأ أهل الكوفة: (تِجارَةً) بالنصب وهو اختيار أبي عبيد.
وقرأ الباقون: بالرفع وهو اختيار أبي حاتم، فمن نصب فعلى خبر كان تقديره: إلّا أن تكون الأموال تجارة.
كقول الشاعر:
إذا كان طاعنا بينهم وعناقا «١»
ومن رفع فعلى معنى الا أن تقع تجارة وحينئذ لا خبر له. كقول الشاعر:
فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي | إذا كان يوم ذو كواكب أشهب «٢» |
قال أكثر المفسرين: هو أن يخبر كل واحد من المتبايعين صاحبه بعد عقد المبيع حتى يتفرقا من مجلسهما الذي تعاقدا فيه،
كقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا» «٣» [٢٩٠].
(٢) لسان العرب: ١/ ٥٠٩.
(٣) مسند أحمد: ٤/ ٤٠٢.
وقال صلّى الله عليه وسلّم: «البيع عن تراضي بالخيار بعد الصفقة ولا يحلّ لمسلم أن يغش مسلما «١» »
[٢٩١].
وروى حكيم بن حزام عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، فإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما» «٢» [٢٩٢].
وابتاع عمر بن جرير فرسا ثم خير صاحبه بعد البيع، ثم قال: سمعت أبا هريرة يقول: هذا البيع عن تراض.
وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ يعني إخوانكم، أي لا يقتل بعضكم بعضا.
قال الثعلبي: وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول: سمعت أبي عن جدّي عن علي بن الحسين الهلالي قال: سمعت إبراهيم بن الأشعث يقول: سأل الفضل بن عياض عن قوله:
وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ قال: لا تغفلوا عن حظ أنفسكم، فمن غفل عن حظ نفسه فكأنه قتلها.
إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً.
عبد الرحمن بن جبير عن عمرو بن العاص أنه قال: لما بعثه رسول الله عام ذات السلاسل قال: احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيمّمت ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح، فلما قدمنا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذكرت ذلك له فقال: «يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟» [٢٩٣].
قلت: نعم يا رسول الله إني احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك وذكرت قول الله تعالى: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً فتيمّمت ثم صليت، فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم يقل شيئا «٣».
وعن الحسن: أن الحرث بن عبد الله خلا بالنفر من أصحابه وقال: إن هؤلاء ولغوا في دمائهم فلا يحولنّ بين أحدكم وبين الجنة ملء كف من دم مسلم أهراقه، فأني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إن رجلا ممّن كان قبلكم خرجت به قرحة بيده فأخذ حزة فحزّها بيده حتى قطعها فما رقأ دمها حتى مات فقال ربّكم تعالى: بادرني ابن آدم بنفسه فقتلها فقد حرمت عليه الجنة» «٤» [٢٩٤].
سماك عن جابر بن سمرة: أن رجلا ذبح نفسه فلم يصل عليه النبي صلّى الله عليه وسلم.
(٢) صحيح البخاري: ٣/ ١٨، مسند أحمد: ٣/ ٤٠٢. [.....]
(٣) مسند أحمد: ٤/ ٢٠٣، المستدرك: ١/ ١٧٧.
(٤) صحيح مسلم: ١/ ٧٥.
حماد بن زيد عن عاصم الأسدي: ذكر بأن مسروقا بن الأجدع أتى صفين فوقف بين الصفين ثم قال: يا أيها الناس أنصتوا، ثم قال: أرأيتم لو أنّ مناديا ناداكم من السماء فسمعتم كلامه ورأيتموه فقال: إن الله ينهاكم عمّا أنتم فيه، أكنتم مطيعيه؟ قالوا: نعم. قال: فو الله لنزل بذلك جبرئيل على محمد فما زال يأتي من هذا ثم تلا يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ الآية ثم انساب في الناس فذهب «١».
وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ الذي ذكرت من المحرمات عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ندخله في الآخرة نارا وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً هيّنا إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ الآية.
اختلفوا في الكبائر التي جعل الله اجتنابها تكفيرا للصغائر.
فروى عمرو بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود قال: قلت: يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندّا وهو خلقك» قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: «أن تزني بحليلة جارك «٢» »
[٢٩٥] هذا الحديث من قول الله: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ «٣» الآية.
صالح بن حيان عن أبي بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أكبر الكبائر الشرك بالله وعقوق الوالدين ومنع فضول الماء بعد الري» «٤».
الشعبي عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الكبائر الإشراك بالله، واليمين الغموس، وعقوق الوالدين، وقتل النفس الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، وقول الزور. أو قال. شهادة الزور» «٥» [٢٩٦].
سفيان عن سعد بن إبراهيم عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن عبد الله بن عمرو قال: من الكبائر أن يشتم الرجل والديه. قالوا: وكيف يشتم الرجل والديه؟ قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمّه فيسب أمّه.
أبو الطفيل عن ابن مسعود قال: الكبائر أربع: الإشراك بالله، والأياس من روح الله، والقنوط من رحمة الله، والأمن من مكر الله.
عكرمة عن عمار قال: حدثنا طيسلة بن علي النهدي قال: سألت ابن عمر عن الكبائر، فقال: هي تسع قلت ما هن؟ قال: الإشراك بالله تعالى، وقتل المؤمن متعمدا، وعقوق الوالدين
(٢) صحيح البخاري: ٧/ ٧٥، ومسند أحمد: ١/ ٣٨٠.
(٣) سورة الفرقان: ٦٨.
(٤) تفسير ابن كثير: ١/ ٤٩٧.
(٥) سنن الترمذي: ٤/ ٣٠٣، ح ٥٠٠٩.
المسلمين، وأكل الربا، وأكل أموال اليتامى، وقذف المحصنات، والفرار من الزحف، والسحر، واستحلال الميتة قبلكم أحياء وأمواتا.
وقال جعفر الصادق: الكبائر ثلاث: تركك ملتك، وتبديلك سنّتك، وقتالك أهل صفقتك.
وقال فرقد المسيحي: قرأت في التوراة: أمهات الخطايا ثلاث وهي: أول ذنب عصى الله به الكبر، وكان ذلك لإبليس عليه اللعنة، والحرص، وكان ذلك لآدم (عليه السلام)، والحسد، وكان لقابيل حين قتل هابيل.
عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «الكبائر أولهنّ:
الإشراك بالله، وقتل النفس بغير حقها وأكل الربا وأكل مال اليتيم بدارا أن يكبر والفرار من الزحف ورمي المحصنة والانقلاب على الأعراب بعد الهجرة فهذه سبع» «١» [٢٩٧].
سعيد بن جبير عن ابن عباس: أن رجلا سأله عن الكبائر السبع، قال: هن إلى سبعمائة أقرب منها إلى السبع إلّا أنه لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار.
علي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس قال: الكبائر عشرون: الشرك بالله عزّ وجلّ، وعقوق الوالدين، وقتل المؤمن، والقنوط من رحمة الله، والأمن من مكر الله، واليأس من روح الله، والسحر، والزنا والربا، والسرقة، وأكل مال اليتيم، وترك الصلاة، ومنع الزكاة، وشهادة الزور، وقتل الولد خشية أن يأكل معك، والحسد، والكبر، والبهتان، والحرص، والحيف في الوصية، وتحقير المسلمين.
السدي عن ابن مالك قال: ذكروا الكبائر عند عبد الله فقال عبد الله: افتحوا سورة النساء، وكل شيء نهى الله عنه حتى ثلاث وثلاثون آية فهو كبيرة، ثم قال: مصداق ذلك إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ الآية.
وقال ابن سيرين: ذكر عند ابن عباس الكبائر فقال: كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة، حتى الطرفة وهي النظرة.
سعيد بن جبير عنه: كل شيء عصى الله فيه فهو كبيرة، فمن عمل شيئا منها فليستغفر، فإن الله لا يخلد في النار من هذه الأمة إلّا راجعا عن الإسلام أو جاحد فريضة أو مكذبا بقدر.
علي بن أبي طلحة عنه: كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب.
سعيد بن جبير: كل ذنب نسبه الله إلى النار وأوعد عليه النار فهي كبيرة.
الحسن: الموجبات للحدود.
الضحاك: ما وعد الله تعالى عليه حدّا في الدنيا وعذابا في الآخرة.
الحسين بن الفضل: ما سمّاه الله في كتابه القرآن كبيرا أو عظيما، نحو قوله: إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً «١»، إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً «٢»، إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ «٣»، إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ «٤»، سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ «٥»، إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً «٦».
مالك بن معول: الكبائر ذنوب أهل البدع والسيئات ذنوب أهل الشّينة.
وكيع: كل ذنب أصرّ عليه العبد فهو كبيرة، وليس من الكبائر ما تاب منه العبد واستغفر منه.
أحمد بن عاصم الأنطاكي: الكبائر ذنوب العمد، والسيئات الخطأ، والنسيان، والإكراه، وحديث النفس، المرفوعة من هذه الأمة.
سفيان الثوري: الكبائر ما فيه المظالم بينك وبين العباد، والصغائر ما بينك وبين الله تعالى، لأن الله كريم يغفره، واحتجّ
بقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ينادي يوم القيامة مناد من بطنان العرش يا أمّة محمد إن الله عزّ وجلّ يقول: أمّا ما كان لي قبلكم فقد وهبتها لكم وبقي التبعات، فتواهبوا وادخلوا الجنة برحمتي» «٧» [٢٩٨].
المحاربي: الكبائر ذنوب المذنبين المستحلين مثل ذنب إبليس، والصغائر ذنوب المستغفرين مثل ذنب آدم.
السدي: الكبائر ما نهى الله عنه من الذنوب الكبار والسيئات مقدماتها، وتبعاتها ما يجتمع فيه الصالح والفاسق، مثل النظرة واللمسة والقبلة وأشباهها.
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «العينان تزنيان واليدان تزنيان ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه» «٨» [٢٩٩].
وقال قوم: الكبيرة ما قبح في العقل والطبع مثل القتل والظلم والزنا والكذب ونحوها، والصغيرة ما نهى الله عنه شرعا وسمعا.
وقال: كل ذنب يتجاوز عنه بفضله يوم القيامة فهو صغيرة، وكل ذنب عذّب عليها بعدله فهو كبيرة. وقيل: الكبائر الذنوب الباطنة والسيئات الذنوب الظاهرة.
وقال بعضهم: الصغائر ما يستحقرونه العباد والكبائر ما يستعظمونه فيخافون واقعته.
(٢) سورة الإسراء: ٣١.
(٣) سورة لقمان: ١٣.
(٤) سورة يوسف: ٢٨.
(٥) سورة النور: ١٦.
(٦) سورة الأحزاب: ٥٣. [.....]
(٧) عدة الداعي: ١٣٦.
(٨) مسند أبي يعلي: ١١/ ٣٠٩.
وقال أنس بن مالك: إنكم تعملون أعمالا هي أدق من الشعر في أعينكم كنّا نعدّها على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الكبائر.
وقال بعضهم: الكبائر الشرك وما يؤدّي إليه، وما دون الشرك فهو من السيئات، قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ «١».
فصل في تفصيل أقاويل أهل التأويل في عدد الكبائر مجموعة من الكتاب والسنة مقرونة بالدليل والحجة
أحدها: الإشراك بالله لقوله تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ «٢».
الثاني: الأياس من روح الله لقوله: وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ «٣» الآية.
والثالث: القنوط من رحمة الله لقوله: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ «٤».
والرابع: الأمن من مكر الله لقوله: فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ».
والخامس: عقوق الوالدين لقوله: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً «٦».
والسادس: قتل النفس التي حرّم الله لقوله: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ «٧».
والسابع: قذف المحصنة لقوله: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ «٨» الآية.
والثامن: الفرار من الزحف لقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً «٩» الآية.
التاسع: أكل الربا لقوله: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا «١٠» الآية.
والعاشر: السحر لقوله: وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ «١١» الآية.
والحادي عشر: الزنا: وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً «١٢».
والثاني عشر: اليمين الكاذبة لقوله: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا «١٣».
(٢) سورة المائدة: ٧٢.
(٣) سورة يوسف: ٨٧.
(٤) سورة الحجر: ٦٢.
(٥) سورة الأعراف: ٩٩.
(٦) سورة الإسراء: ٢٣.
(٧) سورة النساء: ٩٣.
(٨) سورة النور: ٢٣.
(٩) سورة الأنفال: ١٥.
(١٠) سورة البقرة: ٢٧٥.
(١١) سورة البقرة: ١٠٢.
(١٢) سورة الفرقان: ٦٨. [.....]
(١٣) سورة آل عمران: ٧٧.
والثالث عشر: منع الزكاة لقوله: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ «١» الآيتين.
والرابع عشر: الغلول لقوله: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ «٢».
والخامس عشر: شهادة الزور لقوله: وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ «٣» الآية.
والسادس عشر: الميسر وهو القمار لقوله: الْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ «٤».
والسابع عشر: شرب الخمر لقوله: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ «٥» الآية.
والثامن عشر: ترك الصلاة متعمدا لقوله: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ «٦» الآية.
والتاسع عشر: قطيعة الرحم لقوله وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ «٧» وقوله:
وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ «٨».
والعشرون: الحيف من الوصية لقوله: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً «٩» الآية.
والحادي والعشرون: أكل مال اليتيم لقوله: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً «١٠» الآية.
والثاني والعشرون: التعرب بعد الهجرة لقوله: وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً «١١».
والثالث والعشرون: استحلال الحرم لقوله: لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ «١٢»، وقوله: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ «١٣».
والرابع والعشرون: الارتداد لقوله: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ «١٤» الآية.
والخامس والعشرون: نقض العهد لقوله: وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ «١٥».
فذلك قوله تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ.
وقرأ ابن مسعود: كبر ما تنهون عنه، على الواحد، وفيه معنى مع نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ
(٢) سورة آل عمران: ١٦١.
(٣) سورة البقرة: ٢٨٣.
(٤) سورة المائدة: ٩٠.
(٥) سورة المائدة: ٩٠.
(٦) سورة البقرة: ٢٣٨.
(٧) سورة النساء: ١.
(٨) سورة محمد: ٢٢.
(٩) سورة البقرة: ١٨٢.
(١٠) سورة النساء: ١٠.
(١١) سورة آل عمران: ١٤٤.
(١٢) سورة المائدة: ٢.
(١٣) سورة الحج: ٢٥. [.....]
(١٤) سورة محمد: ٢٥.
(١٥) سورة الرعد: ٢٥.
من الصلاة إلى الصلاة ومن الجمعة إلى الجمعة ومن رمضان إلى رمضان ومن الحج إلى الحج، كما
قال صلّى الله عليه وسلّم: «الصلاة الخمس كفارات لما بينهن ما اجتنب الكبائر» «١» [٣٠٠].
وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً وهي الجنة.
وقرأ عاصم وأهل المدينة: (مَدْخلا) بفتح الميم وهو موضع الدخول.
وقرأ الباقون: بالضم على المصدر، معنى الإدخال.
وروي عن أبي هريرة وعن أبي سعيد أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جلس على المنبر ثم قال: «والذي نفسي بيده» ثلاث مرات ثم سكت فأقبل كل رجل منّا يبكي حزنا ليمين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم قال:
«ما من عبد يأتي بالصلوات الخمس ويصوم رمضان ويجتنب الكبائر إلّا فتحت له أبواب الجنة يوم القيامة حتى أنها لتصطفق» [٣٠١] ثم تلا إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ «٢» الآية.
وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ الآية.
يقال: جاءت وافدة النساء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالت: يا رسول الله أليس الله ربّ الرجال والنساء وأنت رسول الله إليهم جميعا، فما بالنا يذكر الله الرجال ولا يذكر النساء؟ نخشى أن لا يكون فينا خير ولا لله فينا حاجة؟ فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية، وقوله: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ «٣» الآية، وقوله: مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ «٤».
وقيل: لمّا جعل الله لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ في الميراث، قالت النساء: نحن أحوج إلى أن يكون لنا سهمان وللرجال سهم، لأنا ضعفاء وهم أقوى وأقدر على طلب المعاش منّا، فنزّل الله هذه الآية.
وقال مجاهد: قالت أم سلمة: يا رسول الله يغزوا الرجال ولا نغزوا، وإنما لنا نصف الميراث، فليتنا رجال فنغزو ونبلغ ما يبلغ الرجال، فنزلت هذه الآية.
وقال قتادة والسدي: لما نزل قوله: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، قال الرجال: إنا لنرجو أن يفضل علينا النساء بحسناتنا في الآخرة كما فضلنا عليهن في الميراث، فيكون أجرنا على الضعف من أجر النساء. وقالت النساء: إنا لنرجو أن يكون الوزر علينا نصف ما على الرجال في الآخرة كما لنا الميراث على النصف من نصيبهم في الدنيا، فأنزل الله لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا من الثواب والعقاب وَلِلنِّساءِ كذلك، قاله قتادة، وقال أيضا: هو أن الرجل يجزي بالحسنة عشرة والمرأة تجزي بها عشرا.
(٢) المستدرك: ٢/ ٢٤٠، صحيح ابن خزيمة: ١/ ١٦٣.
(٣) سورة الأحزاب: ٣٥.
(٤) سورة النحل: ٩٧.
وقال ابن عباس: لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا من الميراث، وللنساء نصيب منه لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، والاكتساب على هذا القول بمعنى الإصابة والأحراز، فنهى الله تعالى عن التمني على هذا الوجه لما فيه من دواعي الحسد.
قال الضحاك: لا يحل لمسلم أن يتمنى مال أحد، ألم يسمع الذين قالوا: يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ «١» إلى أن قال وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ «٢» حين خسف بداره وأمواله يقولون: لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا «٣».
وقال الكلبي: لا يتمنى الرجل مال أخيه ولا امرأته ولا خادمه ولا دابته، ولكن ليقل:
اللهم ارزقني مثله، وهو كذلك في التوراة، وذلك قوله في القرآن: وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ «٤».
قرأ ابن كثير وخلف والكسائي: (وسلوا الله) وسل وفسل بغير همزة فنقل حركة الهمزة إلى السين.
الباقون: بالهمزة.
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سلوا الله من فضله فإنه يحبّ أن يسأل وأن من أفضل العبادة انتظار الفرج» ».
أبو صالح عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من لم يسأل الله عزّ وجلّ من فضله غضب عليه» «٦» [٣٠٢].
هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت: سلوا ربّكم حتى الشبع من لم ييسّره الله لم يتيسّر.
وقال سفيان بن عيينة: لم يأمر بالمسألة إلّا ليعطي.
وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ أي ولكل واحد من الرجال والنساء موالي، أي عصبة يرثونه مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ من ميراثهم له، والوالدون والأقربون على هذا التأويل هم الموروثون، وقيل: معناه ولكل جعلنا موالي، أي قرابة من الذين تركهم، ثم فسّر الموالي فقال: الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ أي هم الوالدان والأقربون خبر مبتدأ محذوف فالمعنى: من تركة الوالدان والأقربون، وعلى هذا القول هم الوارثون وَالَّذِينَ عَقَدَتْ في محل الرفع بالابتداء، والمعاقدة هي المعاهدة بين اثنين.
(٢) سورة القصص: ٨٢.
(٣) سورة القصص: ٨٢.
(٤) سورة النساء: ٣٢.
(٥) سنن الترمذي: ٥/ ٢٢٥، ح ٣٦٤٢.
(٦) تفسير الطبري: ٥/ ٦٨، تفسير القرطبي: ٥/ ١٦٤.
وقرأ أهل الكوفة: عَقَدَتْ خفيفة بغير ألف أراد عقدت لهم أَيْمانُكُمْ وقرأت أم سعد بنت سعد بن الربيع: (عقّدت) بالتشديد يعني وثقته وأكدته، والأيمان جمع يمين من اليد والقسم، وذلك أنهم كانوا يضربون صفقة البيعة بأيمانهم، فيأخذ بعضهم بيد بعض على الوفاء والتمسك بالعهد ويتحالفون عليه، فلذلك ذكر الأيمان.
قتادة وغيره: أراد بالذين عاقدت إيمانكم الحلفاء، وذلك أن الرجل في الجاهلية كان يعاقد الرجل فيقول: دمي دمك وهدمي هدمك وثاري ثارك وحربي وحربك وسلمي وسلمك وترثني وارثك وتطلب لي وأطلب لك وتعقل عني وأعقل عنك، فيكون للحليف السدس من ميراث الحليف، وعاقد أبو بكر مولى له فورثه لذلك قوله: فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ أي وأعطوهم حظهم من الميراث، ثم نسخ ذلك بقوله: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ «١».
وقال إبراهيم ومجاهد: أراد فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ من النصر والعقل والرفد، ولا ميراث، وعلى هذا القول تكون الآية غير منسوخة لقوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «٢»،
ولقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«أوفوا للحلفاء بعهودهم التي عقدت أيمانكم» [٣٠٣].
ولقوله (عليه السلام) في خطبته يوم فتح مكة: «ما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا به فإنه لم يزده الإسلام إلّا شدة ولا تحدثوا حلفا في الإسلام» «٣» [٣٠٤].
وروى عبد الرحمن بن عوف، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قال: «شهدت حلف المطيبين وأنا غلام مع عمومتي، فما أحب أن لي حمر النعم وإنّي أنكثه»
«٤» [٣٠٥]، وقال ابن عباس وابن زيد: نزلت هذه الآية في الذين آخى بينهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم، من المهاجرين والأنصار حين أتوا إلى المدينة، وكانوا يتوارثون تلك المؤاخاة، ثم نسخ الله ذلك بالفرائض.
وقال سعيد بن المسيّب: نزلت في الذين كانوا يتبنّون أبناء غير هم في الجاهلية، ومنهم زيد مولى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فأمروا في الإسلام [أن] يوصوا إليهم عند الموت بوصية، وردّ الميراث إلى ذوي الرحم، وأبى الله أن يجعله يجعل للمدّعى ميراثا ممّن ادّعاهم وتبنّاهم، ولكن جعل الله لهم نصيبا في الوصية، فذلك قوله: فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ.
إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ وقال أبو روق: نزل قوله: وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ. الآية.
(٢) سورة المائدة: ١. [.....]
(٣) مسند أحمد: ٥/ ٦١، سنن الترمذي: ٣/ ٧٣، ح ١٦٣٤.
(٤) مسند أحمد: ١/ ١٩٠.
في أبي بكر الصديق، وابنه عبد الرحمن، وكان كافرا، أن لا ينفعه ولا يورثه شيئا من ماله، فلمّا أسلم عبد الرحمن أمر أن يؤتى نصيبه من المال.
الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ. الآية.
قال مقاتل: نزلت هذه الآية في سعيد بن الربيع بن عمرو. وكان من النقباء. وفي امرأته حبيبة بنت زيد بن أبي زهير. وهما من الأنصار. وذلك أنها نشزت فلطمها، فانطلق أبوها معها إلى النبي صلّى الله عليه وسلم، فقال: أفرشته كريمتي ولطمها، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «لتقتصّ من زوجها»، فانصرفت مع أبيها لتقتصّ منه، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ليرجعوا، هذا جبرئيل»، وأنزلت هذه الآية، وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أردنا أمرا وأراد الله أمرا، فالذي أراد الله خير» «١» [٣٠٦]، ورفع القصاص.
وقال الكلبي: نزلت في أسعد بن الربيع وامرأته بنت محمد بن مسلم،
وذكر نحوها أبو روق: نزلت في جميلة بنت عبد الله بن أبي، وفي زوجها ثابت بن قيس بن شماس، وذلك أنّها نشزت عليه فلطمها، فأتت النبي صلّى الله عليه وسلّم تستعدي، فأنزل الله تعالى هذه الآية الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ أي مسلّطون على تأديب النساء بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ فليس بين الرجل وامرأته قصاص فيما دون النفس، فلو شجّ رجل امرأته، أو جرحها لم يكن عليه قود، وكان عليه العقل إلّا التي يقتلها فيقتل بها
، قاله الزهري وجماعة من العلماء، وقال بعضهم: ليس بين الزوج والمرأة قصاص إلّا في النفس والجرح.
والقوّامون: البالغون في القيام عليهن بتعليمهنّ وتأديبهنّ وإصلاح أمرهنّ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ قيل: بزيادة العقل، وقيل: بزيادة الدّين واليقين، وقيل: بقوة العبادة، وقيل: بالشهادة، قال الله: فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ، قال القرظي: بالتصرّف والتجارات، وقيل: بالجهاد، قال الله: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا «٢»، وقال للنساء: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ «٣»، الربيع: الجمعة والجماعات، قال الحسن: بالإنفاق عليهنّ، قال الله تعالى:
وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ.
وقال بعضهم: يمكن للرجل أن ينكح أربع نسوة، ولا يحلّ للمرأة غير زوج واحد، وقيل:
هو إنّ الطلاق إلى الرجال وليس إليهنّ منه شيء، وقيل: بالدّية، وقيل: بالنبوّة، وقيل: الخلافة والإمارة،
إسماعيل بن عياش [.......] «٤» عن بعض أشياخه رفعه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المرأة مسكينة ما لم يكن لها زوج».
(٢) سورة التوبة: ٤١.
(٣) سورة الأحزاب: ٣٣.
(٤) كلمة غير مقروءة.
فقيل: يا رسول الله، وإن كان لها مال؟ قال: «وإن كان لها مال، الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ» [٣٠٧].
سعيد [عن أبي سعيد المقبري] «١» عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «خير النساء امرأة إن نظرت إليها سرّتك، وإن أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في مالها ونفسها، ثم تلا صلّى الله عليه وسلّم: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ «٢» [٣٠٨].
فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ مطيعات حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ يعني لغيب أزواجهنّ إذا غابوا، وقيل: سرّهم بِما حَفِظَ اللَّهُ أي بحفظ الله لهنّ، وقرأ أبو جعفر بفتح الهاء، ومعناه: بحفظ من الله في الطاعة، وهذا
كقوله عليه السلام: «احفظ الله يحفظك»
«٣»، و (ما) على القراءتين [مصدريّة] «٤»، كقوله: بِما غَفَرَ لِي رَبِّي «٥»، أي يغفر لي ربّي.
وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ عصيانهن، وأصله من الحركة فَعِظُوهُنَّ، فإن نزعن عن ذلك وإلّا وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ، وقيل: ولّوهنّ ظهوركم في المضاجع، فإن نزعن وإلّا وَاضْرِبُوهُنَّ ضربا غير مبرح ولا شائن.
ابن أبي ليلى عن داود بن علي عن أبيه عن جده عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «علّق السوط حيث يراه أهل البيت» «٦» [٣٠٩].
هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر قالت: كنت رابعة أربع نسوة عند الزبير بن العوام، فإذا غضب على إحدانا ضربها بعود المشجب حتى يكسره عليها.
فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا أي لا [تطلبوا] عليهنّ بالذنوب، قال ابن عينه: لا تكلفوهن الحبّ.
إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً. وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما أي خلافا بين الزوجين، فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها يتوسطون، إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يعني الزوجين وقيل:
الحكمين، يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما بالصلاح والألفة، إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً.
وعن عبيدة السلماني قال: جاء رجل وامرأة عليا (عليه السلام)، مع كل واحد منهما قيام من النّاس، فقال عليّ: «ما شأن هذين؟». قالوا: وقع بينهما شقاق. قال عليّ:
(٢) كنز العمال: ١٦/ ٢٨٢ ح ٤٤٤٧٧.
(٣) مسند أحمد: ١/ ٢٩٣.
(٤) في المخطوط: مصدر.
(٥) سورة يس: ٢٧.
(٦) كنز العمال: ١٦/ ٣٧١ ح ٤٤٩٤٦.
فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها. قال: فبعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها، فقال عليّ للحكمين: «هل تدريان ما عليكما؟ إنّ عليكما إن رأيتما أن يجمعا جمعتما، وإن رأيتما أن يفرّقا فرقتما»، قالت المرأة: رضيت بكتاب الله بما عليّ فيه ولي، فقال الرجل: أمّا الفرقة فلا، قال عليّ: «كذبت والله، لا تنقلب منّي حتى تقرّ بما أقرّت به» «١».
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وحّدوا الله وأطيعوه، قالت الحكماء: العبودية ترك العصيان، وملازمة الذلّ والانكسار، وقيل: العبودية أربعة أشياء: الوفاء بالعهود، والحفظ للحدود، والرّضا بالموجود، والصبر على المفقود.
وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً برّا بهما وعطفا عليهما. وقرأ ابن جني:
(إحسانٌ) بالرفع، أي وجب الإحسان بهما، وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ
عن أبي هريرة أن رجلا شكا إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم قسوة قلبه، فقال: «إن أردت أن يلين قلبك فاطعم المسكين، وامسح رأس اليتيم وأطعمه» «٢» [٣١٠].
وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى: قرأ العامة بالخفض عطفا على الكلام الأول، وقرأ ابن أبي عبلة:
وَالْجارَ وما يليه نصبا. والْجارِ ذِي الْقُرْبى ذو القرابة وَالْجارِ الْجُنُبِ البعيد الذي بينك وبينه قرابة، وقال الضحاك: هو الغريب من قوم آخرين، وقرأ الأعمش والفضل: (وَالْجارِ الْجَنْبِ) بفتح الجيم وسكون النون، وهما لغتان: رجل جنب وجنب وجانب وأجنب وأجنبيّ، إذا لم يكن قريبا، وجمعها أجانب، وقال الّاعشى:
أتيت حريثا زائرا عن جنابة | فكان حريث في عطائي جامدا «٣» |
قال ابن عباس ومجاهد وأبو جعفر وعكرمة وقتادة، عن سعيد بن معروف بن رافع، عن أبيه، عن جدّه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «التمسوا الجار قبل الدار، والرفيق قبل الطريق» «٤» [٣١١].
وقال بعضهم: الْجارِ الْجُنُبِ هو الجار اللاصق داره بدارك، فهو إلى جنبك،
وقال علي وعبد الله وابن أبي ليلى والنخعي: هو المرأة تكون معه إلى جنبه.
ابن زيد وابن جريح: هو
(٢) الجامع الصغير: ١/ ٤٠٧. [.....]
(٣) تفسير الطبري: ٥/ ١١٣.
(٤) كنز العمال: ١٥/ ٣٨٨ ح ٤١٤٩٥.
الذي يلزمك ويصحبك رجاء برّك ورفدك. وقال ابن عباس: إنّي لأستحي أن يطأ الرجل بساطي ثلاث مرات لا يرى عليه أثر من برّي. وقال المهلّب: إذا غدا عليكم الرجل وراح، فكفى به مسألة وتذكرة بنفسه.
وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ خير الأصحاب عند الله عز وجلّ خيرهم لصاحبه، خير الجيران عند الله خيرهم لجاره» «١» [٣١٢].
عثمان بن عطا، عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس بمؤمن من لا يؤمن جاره بوائقه، فأيّما رجل أغلق أبوابه دون جاره، فخافه على أهله وماله فليس ذلك بمؤمن». قالوا: يا رسول الله، وما حق الجار؟ قال: «إن دعاك أجبته، وإن أصابته فاقة عدت عليه، وإن استقرضك أقرضته، وإن أصابه خير هنأته، وإن مرض عدته، وإن أصابه مصيبة عزّيته، وإن توفي شهدت جنازته، ولا تستعل عليه بالبنيان لتحجب عنه الريح إلّا بإذنه، ولا تؤذه بقتار «٢» قدرك إلّا أن يغرف له منها، وإن ابتعت فاكهة فأهد له منها، وإن لم تفعل فأدخلها سرّا، ولا يخرج ولدك منها فيغيظ ولده».
ثم قال صلّى الله عليه وسلّم: «الجيران ثلاثة: فمنهم من له ثلاثة حقوق، ومنهم من له حقّان، ومنهم من له حق واحد فأما صاحب الثلاثة الحقوق: فالمسلم الجار ذو الرحم، له حق الإسلام وحق الجوار وحق الرحم، وأمّا صاحب الحقّين: فالمسلم الجار له حق الإسلام وحق الجار، وأمّا صاحب الحق الواحد، فالمشرك الجار، له حق الجوار، وإن كان مشركا» «٣» [٣١٣].
أبو هشام القطان، عن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من آذى جاره فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن حارب جاره فقد حاربني، ومن حاربني فقد حارب الله عزّ وجلّ» «٤» [٣١٤].
وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ يعني المماليك،
عن أبي أمامة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دفع إلى أبي ذرّ غلاما، فقال: «يا أبا ذرّ أطعمه مما تأكل واكسه مما تلبس»، قال: لم يكن له سوى ثوب واحد فجعله نصفين، فراح إلى نبي الله صلّى الله عليه وسلم، فقال: «ما شأن ثوبك هذا؟»، فقال: إن الفتى الذي دفعته إليّ أمرتني أن أطعمه مما آكل واكسوه مما ألبس، وإنه لم يكن معي إلّا هذا الثوب فناصفته، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أشير عليك بأن تعتقه»، ثم قال رسول الله: «ما فعل فتاك؟» قال: ليس لي فتى فقد أعتقته، قال: «آجرك الله يا أبا ذرّ» «٥» [٣١٥].
(٢) القتار: رائحة القدر. النهاية في غريب الحديث والأثر ٤: ١٢. قتر.
(٣) كنز العمال: ٩/ ١٨٥ ح ٢٥٦١٣ بتفاوت، وتفسير القرطبي: ٥/ ١٨٤.
(٤) كنز العمال: ٩/ ٥٦ ح ٢٤٩٢٧.
(٥) مجمع الزوائد: ٤/ ٢٣٧ بتفاوت.