آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا
ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ

(أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ) أو باعتباره بنفسه دون ما يقويه من
فيض الله ومعونته، أو اعتبارًا بكثرة حاجاته، وافتقار بعضهم إلى
بعض، أو اعتبارًا بمبدئه ومنتهاه، كما قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً)
فأما إذا اعتُبر بعقله، وما أعطاه الله من القوة التي يتمكّن بها
من خلافة الله في أرضه، ويتبلّغ بها في الآخرة إلى
جواره تعالى - فهو أقوى ما في هذا العالم.
ولهذا قال تعالى: (وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا).
قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (٢٩)
روي أنه لما نزلت هذه الآية امتنع بعضهم من أن يأكل عند غيره.
حتى نزل قوله:

صفحة رقم 1201

(وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) إلى آخر الآية.
ولم يكن نسخًا لكن تبيينا.
وقوله: (بِالْبَاطِلِ) إشارة إلى الوجوه التي حظر تناول المال منها ووضعه فيها، واستثنى التجارة تنبيهًا على إباحة الكسب إذا كان من وجهه.
فمن نظر نظرًا فقهيًّا قال: ظاهرها يقتضي أن لا يجوز تناول الغير منها، كالصلاة والزكاة والميراث وغير ذلك.
وقال بعضهمْ: لم يعن بالتجارة المبايعة فقط.
بل عنى كل معاملة مباحة من قرض وفرض، كما قال - ﷺ -:
"لا يحل مال امرى مسلم إلا بطيب نفس منه "،

صفحة رقم 1202

ومنهم من عنى بذلك المنع من وضع المال وإنفاقه في غير الوجه المباح.
وقال: عنى بالتجارة الوجهة المباحة التي يحلُّ صرف المال إليها.
وأما من نظر نظرًا أدق من ذلك، فإنه جعل أكل المال بالباطل تناوله
من حيث لا يسوغه العقل، ولا يجوّزه الشرع، من استنزال الناس
عما في أيديهم بالخدع، ومساعدتهم على الباطل طمعًا في نفع.
وجعل من ذلك أيضاً وضعه حيث لا يجوز، وإنفاقه رياء كما قال
تعالى: (لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ)، وجعل هذه التجارة هي التجارة المذكورة بقوله تعالى:
(هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) الآية.
وفي قوله: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ)
الآية.

صفحة رقم 1203

وشرط فيها التراضي، تنبيهًا أنه يحمد ذلك متى أنفق
الإِنسان في سبيل الله عن طيب نفس على الوجه الذي ينبغي وبمقدار
ما ينبغي، حسب ما بيّنه الله تعالى، ودل على رضاه في صرفه إليه.
وقوله: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) نظر إليه نظرات مختلفة.
ففسر بحسبها، الأول: لا يقتل بعضكم بعضًا.
قال: والنهي لا يصح إلا على هذا.
فإن الإِنسان مضطر إلى أن لا يقتل نفسه ما لم تعرض له شبهة
كشبهة أهل الهند في قتلهم أنفسهم.
قال: واستعار لفظ الخطاب في قوله (أَنْفُسَكُمْ) تنبيهًا أنه يجب أن
تكون نفس كل واحد منكم عند صاحبه كنفسه، قال: وعلى

صفحة رقم 1204

ذلك نبّه بقوله: (مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ).
قال: وعلى هذا قال: (فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ).
الثاني: من حمل الخطاب على ذلك لكن خصّص، وقال: لا يأكل
بعضكم مال بعض، الذي به قوامه، فيكون فيه قتله.
الثالث: لا يقتل بعضكم بعضا فيقتص منه فيكون كمن قتل نفسه.
الرابع: لا تقتلوا أنفسكم بضجر وغضب.
الخامس: لا تركبوا ما يؤدي بكم إلى القتل.
فتكونوا قد قتلتم أنفسكم.
وهذا كالرابع إلا أن مأخذه أعم منه.
السادس: قول من نظر نظرًا أشرف فقال:
لا تفعلوا ما يؤدي بكم إلى هلاك الأبد، فتكونوا قد قتلتم أنفسكم.
وذلك بتصريف النفس في غير ما خُلِقَتْ له، وبيَّن للناس من

صفحة رقم 1205
تفسير الراغب الأصفهاني
عرض الكتاب
المؤلف
أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى
تحقيق
هند بنت محمد سردار
الناشر
كلية الدعوة وأصول الدين - جامعة أم القرى
سنة النشر
1422
عدد الأجزاء
2
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية