آيات من القرآن الكريم

مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا
ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜ ﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ

الكميّ. أي يغلب عليها ويجمعها، ويروى بالزاي فيهما.
وقال النحويون: اسْتَحْوَذَ خرج على الأصل «١»، فمن قال: حاذ يحوذ لم يقل إلّا استحاذ يستحذ وإن كان أحوذ يحوذ كما قال بعضهم: أحوذت [وأطّيبت] بمعنى أحذت وأطبت. قال اسْتَحْوَذَ استخرجه على الأصل وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ونمنعكم منازلة المؤمنين فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يعني بين أهل الإيمان وأهل النفاق ثم يفصل بينهم وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا.
عكرمة والضحاك عن ابن عباس يعني حجة.
الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ يعني أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم سَبِيلًا يعني ظهورا عليهم.
وقال علي (رضي الله عنه) : وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ في الآخرة
، وفي هذه الآية دليل على أن المنافق ليس بمؤمن وليس الإيمان هو الإقرار فقط، إذ لو كان الإيمان هو الإقرار لكانوا بذلك هم مؤمنين.
وفيه دليل أيضا على صحة نبوة النبي صلّى الله عليه وسلّم لأن القوم كانوا كاتمين اعتقادهم فأظهر الله عز وجل رسوله على اعتقادهم وكان ذلك حجة له عليهم إذ علموا إنه لا يطلع على ضمائر القلوب إلا البارئ جل وعز.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٤٢ الى ١٤٧]
إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٤٢) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (١٤٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً (١٤٤) إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (١٤٥) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (١٤٦)
ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً (١٤٧)
إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ
قد مرّ تفسيره.
وَهُوَ خادِعُهُمْ
أي يجازيهم جزاء خداعهم، وذلك أنهم على الصراط يعطون نورا كما يعطي المؤمنين، فإذا مضوا على الصراط [يسلبهم ذلك النور] ويبقى المؤمنون ينظرون بنورهم فينادون المؤمنين انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ فيناديهم الملائكة على الصراط ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً «٢» وقد علموا أنهم لا يستطيعون الرجوع [فيشفق] المؤمنون حينئذ من نورهم أن

(١) راجع لسان العرب: ٣/ ٤٨٧.
(٢) سورة الحديد: ١٣.

صفحة رقم 404

يطفئ «١» فيقولون: رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ «٢» وَإِذا قامُوا
يعني [تهيّأوا] إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى
يعني متثاقلين، يعني لا يريدون بها [وجه] الله فإن رآهم أحد صلّوا وإلّا انصرفوا ولم يصلّوا يُراؤُنَ النَّاسَ
يعني المؤمنين بالصلاة وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا
ابن عباس والحسن: إنما قال ذلك لأنهم يصلونها رياء وسمعة ولو كانوا يريدون بذلك وجه الله عز وجل لكان ذلك كثيرا.
قتادة: إنما قلّ ذكر المنافقين لأن الله عز وجل لم يقبله وكما ذكر الله قليل وكلما قبل الله كثير مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ أي مترددين متحيرين بين الكفر والإيمان لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ ليسوا من المؤمنين فيجب لهم ما يجب للمسلمين، فليسوا من الكفار فيؤخذ منهم ما يؤخذ من الكفار فلا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء.
[القاسم بن طهمان] عن قتادة: ما هم بمؤمنين مخلصين ولا بمشركين مصرحين بالشرك وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا أي طريقا إلى الهدى.
وذكر لنا ان نبي الله صلّى الله عليه وسلّم كان يضرب مثلا للمؤمن والمنافق والكافر كمثل رهط ثلاثة دفعوا إلى نهر فوقع المؤمن فقطع ثم وقع المنافق حتى إذا كاد يصل إلى المؤمن ناداه الكافر أن هلمّ إليّ فإني أخشى عليك وناداه المؤمن هلمّ إلي فأن عندي الهدى وكفى له ما عنده، فما زال المنافق يتردد منهما حتّى أتى على أذى فعرفه فإن المنافق لم يزل في شك وشبهة حتى أتى عليه الموت وهو كذلك.
وروى عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إنّما مثل المنافق مثل الشاة العائرة من الغنمين يبدي إلى هذه مرة وإلى هذه مرة لا يدري أيهما يتبع» «٣» [٣٩٢].
ثم ذكر المؤمنين ونهاهم عن الإتيان بما أتى المنافقون.
فقال تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً ثم ذكر منازل المنافقين فقال: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ يعني في أسفل برج من النار، والدرك والدرك لغتان مثل الطعن والطعن والنهر والنهر واليبس واليبس.
قال عبد الله بن مسعود: الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ توابيت مقفلة في النار تطبق عليهم وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً [عونا].

(١) راجع تفسير ابن كثير: ١/ ٥٩.
(٢) سورة التحريم: ٨.
(٣) تفسير مجمع البيان: ٣/ ٢٢٢ بتفاوت. [.....]

صفحة رقم 405

عن عوف عن أبي المغيرة القواس عن عبد الله بن عمر قال: إن أشد الناس عذابا يوم القيامة ثلة المنافقون، ومن كفر من أصحاب المائدة وآل فرعون «١».
قال الثعلبي: وتصديق ذلك في كتاب الله تعالى فأما أصحاب المائدة فقوله عز وجل فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ «٢»، وأما آل فرعون فقوله تعالى: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ «٣»، وأما المنافقون فقوله تعالى إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ «٤».
إِلَّا الَّذِينَ تابُوا من النفاق وَأَصْلَحُوا عملهم وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ أي وثقوا بالله وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ على دينهم. قال الفراء: مَعَ الْمُؤْمِنِينَ تفسيره من المؤمنين. قال القتيبي: حاد عن كلامهم غيظا عليهم فقال (فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ)، ولم يقل فأولئك هم المؤمنون وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ في الآخرة أَجْراً عَظِيماً وهي الجنة وإنما حذفت الياء من: يؤتي في الخط كما حذف في اللفظ لأن الياء سقطت من اللفظ لسكونها وسكون اللام في الله وكذلك قوله يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ «٥» حذفت الياء في [الخط] لهذه العلة وكذلك سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ «٦» يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ «٧» قالوا: والياء هذه حذفت لالتقاء الساكنين.
وأما قوله ما كُنَّا نَبْغِ «٨» حذفت لأن الكسرة دلت على الياء فحذفت لثقل الياء، وقد قيل حذفت الياء من المناد والدّاع لأنك تقول: داع ومناد حذفت اللام بها كما حذفت قبل دخول الألف واللام.
وأما قوله تعالى وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ «٩» فحذفت الياء لأنها ما بين آية ورؤس الآية يجوز فيها الحذف ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ نعماه وَآمَنْتُمْ به وفي الآية تقديم، وتأخير، تقديرها ما يفعل الله بعذابكم ان آمنتم وشكرتم لأن الشكر لا ينفع مع عدم الإيمان بالله والله تعالى عرف خلقه بفضله على ان تعذيبه عباده لا يزيد في ملكه. وتركه عقوبتهم على أفعالهم، لا ينقص من سلطانه وَكانَ اللَّهُ شاكِراً للقليل من أعمالكم عَلِيماً بإضعافها لكم إلى عشرة إلى سبعمائة ضعف.
قال أهل اللغة: أصل الشكر إظهار النعمة والتحدث بها. قال الله تعالى وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ «١٠» وذكر بعض أهل اللغة إن الشكر مأخوذ من قول العرب لغة شكور إذا كان يظهر

(١) تفسير الطبري: ٧/ ١٨٢.
(٢) سورة المائدة: ١١٥.
(٣) سورة غافر: ٤٦.
(٤) سورة النساء: ١٤٥.
(٥) سورة ق: ٤١.
(٦) سورة العلق: ١٨.
(٧) سورة القمر: ٦.
(٨) سورة الكهف: ٦٤.
(٩) سورة الفجر: ٤.
(١٠) سورة الضحى: ١١.

صفحة رقم 406
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية