
وقال بعضهم: إنهم يخادعون الله يوم القيامة حيث يحلفون له أنهم كانوا على الاستقامة وسائرين على الطريق يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ والله خادعهم حيث يستدرجهم في طغيانهم ويبعدهم عن الحق والنور يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً [سورة الحديد آية ١٣].
ولا غرابة في ذلك فها هم أولاء المنافقون مع أشرف الأعمال وأفضلها وهي الصلاة إذا قاموا إليها قاموا وهم كسالى عنها لأنه لا نية لهم فيها، ولا إيمان لهم بها ولا خشية ولا هم يعقلون معناها! وأما قلوبهم ففاسدة، ونواياهم سيئة يفعلون بلا إخلاص، ولا يعاملون الله ولكن يعاملون الناس، ألا تراهم يراءون في كل عمل، ويستخفون من الناس والله معهم.
وإذا قاموا إلى الصلاة خشية من الناس بالطبع لا يذكرون الله إلا قليلا بل كما
يقول الحديث: «تلك صلاة المنافق. كررها ثلاثا. يجلس يرقب الشمس إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعة لا يذكر الله فيها إلا قليلا».
وهم- لعنهم الله- مضطربون دائما بين الإيمان والكفر كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا «١» وتراهم مرة مع المؤمنين في الظاهر وأخرى مع الكفار في الباطن، فهم لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء، وحقيقة من يضله الله ولا يوفقه، فلن تجد له سبيلا إلى الخير والسداد.
موالاة الكافرين.. وجزاء المنافقين [سورة النساء (٤) : الآيات ١٤٤ الى ١٤٧]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً (١٤٤) إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (١٤٥) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (١٤٦) ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً (١٤٧)

المفردات:
سُلْطاناً: حجة قوية ظاهرة. الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ: الطبقة التي في قعر جهنم.
المعنى:
يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله لا تتخذوا الكافرين أولياء متجاوزين المؤمنين تبغون بذلك العزة عندهم، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين، وكيف يصدر منكم هذا وهو دأب المنافقين وصفتهم أتريدون بهذا أن تجعلوا لله عليكم حجة قوية ظاهرة في استحقاق العذاب، وإذا اتخذتم الكافرين أولياء من دون المؤمنين فإن هذا لا يصدر إلا من منافق، مع أن المنافقين لسوء أعمالهم وفساد أرواحهم يوم القيامة يكونون في الدرك الأسفل من النار، والنار ذات دركات والجنة درجات، فالمنافقون في أسفل الدرك من النار، ولا شك أنهم يستحقون، فهم خالطوا الإسلام وعرفوه ثم أنكروه اتباعا للشيطان وإيثارا للهوى وزخرف الدنيا، أما الكفار فقد يغلبهم الجهل ويعميهم التقليد لذلك كانوا في درك أقل من المنافقين في النار ولن تجد لهم نصيرا أبدا يمنعهم من العذاب أو يخفف عنهم ما هم فيه، هذا جزاؤهم، أما من تاب منهم عن النفاق وتوفرت فيه شروط التوبة الصحيحة وأتبعوها بثلاثة:

(أ) الاجتهاد في صالح الأعمال التي تستر ما مضى من سيئ النفاق.
(ب) الاعتصام بالله والتمسك بكتابه والاهتداء بهدى الرسول المصطفى صلّى الله عليه وسلّم كل ذلك طلبا لرضا الله.
(ج) الإخلاص لله بأن يدعوه وحده ويتجهوا إليه اتجاها خالصا إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [سورة الفاتحة الآيتان ٥ و ٦].
فأولئك الموصوفون بما ذكر مع المؤمنين، وسوف يؤت الله المؤمنين الأجر العظيم الذي لا يدرى كنهه إلا الله فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ [سورة السجدة آية ١٧].
ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ماذا يريد الله بعذابكم أيها الناس أيعذبكم انتقاما؟! لا... أيعذبكم لدفع ضرر وجلب خير؟! لا.. إنه هو القوى الغنى، ولكن الله عادل حكيم لا يسوى بين الصالح والطالح، فالكافرون والمنافقون والعاصون لم يؤدوا حق الشكر لله وواجبه، ولم يصرفوا ما أعطى لهم من نعم في الخير ولكن في غير ما خلقت لأجله، ولو شكروا الله وآمنوا به حقا لاستحقوا الثواب المعد لأمثالهم فالله شاكر يجازى من شكر عليم بخلقه لا تخفى عليه خافية لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ «١» فهو الكريم يعطى، ويجازى بل ويضاعف الحسنة بعشر إلى أضعاف.. ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، واجعلنا يا رب من عبادك المخلصين الأبرار، إنك سميع الدعاء.