آيات من القرآن الكريم

وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ۖ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ
ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ

الصور النفخة الأولى من باب إيلياء الشرقي أو قال الغربي والنفخة الثانية من باب آخر فَإِذا هُمْ قِيامٌ قائمون من قبورهم يَنْظُرُونَ أي ينتظرون ما يؤمرون أو ينتظرون ماذا يفعل بهم، وقيل: يقلبون أبصارهم في الجهات نظر المبهوت إذا فاجأه خطب عظيم. وتعقب بأن قولهم عند قيامهم مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا يأباه ظاهرا نوع إباء.
وجوز أن يكون قيام من القيام مقابل الحركة أي فإذا هم متوقفون جامدون في أمكنتهم لتحيرهم. واعترض بأن قوله تعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ [يس: ٥١] ظاهر في خلافه لأن النسل الإسراع في المشي، وكذا قوله تعالى: يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ [المعارج: ٤٣] وقرأ زيد بن علي «قياما» بالنصب على أن جملة يَنْظُرُونَ خبرهم «وقياما» حال من ضمير يَنْظُرُونَ قدم للفاصلة، أو من المبتدأ عند من يجوز ذلك. وفي البحر النصب على الحال وخبر المبتدأ الظرف الذي هو (إذا) الفجائية وهي حال لا بد منها إذ هي محط الفائدة إلا أن يقدر الخبر محذوفا أي فإذا هم مبعوثون أو موجودون قياما، وإذا نصب «قياما» على الحال فالعامل فيها ذلك الخبر المحذوف إن قلنا به وإلا فالعامل هو العامل في الظرف فإن كان (إذا) ظرف مكان على ما يقتضيه ظاهر كلام سيبويه فتقديره فبالحضرة هم قياما، وإن كان ظرف زمان كما ذهب إليه الرياشي فتقديره ففي ذلك الزمان الذي نفخ فيه هم أي وجودهم، واحتيج إلى تقديره هذا المضاف لأن ظرف الزمان لا يكون خبرا عن الجثة، وإن كانت (إذا) حرفا كما زعم الكوفيون فلا بد من تقدير الخبر إلا أن اعتقدنا أن يَنْظُرُونَ هو الخبر ويكون عاملا في الحال انتهى. ولعمري إنّ مذهب الكوفيين أقل تكلفا، هذا وهاهنا إشكال بناء على أنهم فسروا نفخة الصعق بالنفخة الأولى التي يموت بها من بقي على وجه الأرض. فانه
قد أخرج البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه والإمام أحمد وغيرهم عن أبي هريرة قال: «قال رجل من اليهود بسوق المدينة:
والذي اصطفى موسى على البشر فرفع رجل من الأنصار يده فلطمه قال: أتقول هذا وفينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ فذكرت ذلك لرسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: قال الله تعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ فأكون أول من يرفع رأسه فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أرفع رأسه قبلي أو كان ممن استثنى الله تعالى»

وهو يأبى تفسير النفخة بذلك ضرورة أن موسى عليه السلام قد مات قبل تلك النفخة بألوف سنين، واحتمال أنه عليه السلام لم يمت كما قيل في الخضر وإلياس مما لا ينبغي أن يتفوه به حي، ويدل كما قال بعض الأجلة: على أنها نفخة البعث.
وقال القاضي عياض: يحتمل أن تكون هذه صعقة فزع بعد النشر حين تنشق السماوات فتتوافق الآيات والأحاديث وتكون النفخات ثلاثا وهو اختيار ابن العربي. ورده القرطبي بأن أخذ موسى عليه السلام بقائمة العرش إنما هو عند نفخة البعث وادعى أن الصحيح أن ليس إلا نفختان لا ثلاث ولا أربع كما قيل.
ثم قال: والذي يزيح الإشكال ما قال بعض مشايخنا: إن الموت ليس بعدم محض بالنسبة للأنبياء عليهم السلام والشهداء فإنهم موجودون أحياء وإن لم نرهم فإذا نفخت نفخة الصعق صعق كل من في السماء والأرض وصعقة غير الأنبياء موت وصعقتهم غشي فإذا كانت نفخة البعث عاش من مات وأفاق من غشى عليه، ولذا وقع في الصحيحين فأكون أول من يفيق انتهى، ولا يخفى أنه يحتاج إلى القول بجواز استعمال المشترك في معنييه معا أو إلى ارتكاب عموم المجاز أو التزام إرادة غشي عليهم وأن موت من يموت بعد الغشي مفاد من أمر آخر فتدبر.

صفحة رقم 283

وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ أي أرض المحشر وهي الأرض المبدلة من الأرض المعروفة. وفي الصحيح يحشر الناس على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها علم لأحد وهي أوسع بكثير من الأرض المعروفة. وفي بعض الروايات أنها يومئذ من فضة ولا يصح، أي أضاءت بِنُورِ رَبِّها هو على ما روي عن ابن عباس نور يخلقه الله تعالى بلا واسطة أجسام مضيئة كشمس وقمر، واختاره الإمام وجعل الإضافة من باب ناقَةُ اللَّهِ [الأعراف: ٧٣، هود: ٦٤، الشمس: ١٣] وعن محيي السنة تفسيره بتجلي الرب لفصل القضاء، وعن الحسن والسدي تفسيره بالعدل وهو من باب الاستعارة وقد استعير لذلك وللقرآن والبرهان في مواضع من التنزيل أي وأشرقت الأرض بما يقيمه فيها من الحق والعدل ويبسطه سبحانه من القسط في الحساب ووزن الحسنات والسيئات، واختار هذا الزمخشري وصحح أولا تلك الاستعارة بتكررها في القرآن العظيم، وحققها ثانيا بقوله: وينادي على ذلك إضافته إلى اسمه تعالى لأنه عزّ وجلّ هو الحق العدل إشارة إلى الصارف إلى التأويل، وعينها ثالثها بإضافة اسمه تعالى الرب إلى الأرض لأن العدل هو الذي يتزين به الأرض لا البرهان مثلا، ورابعا بما عطف على إشراق الأرض من وضع الكتاب والمجيء بالنبيين والشهداء والقضاء بالحق لأنه كله تفصيل العدل بالحقيقة، وأيدها خامسا بالعرف العام فإن الناس يقولون للملك العادل:
أشرقت الآفاق بعد لك وأضاءت الدنيا بقسطك، وسادسا
بقوله صلّى الله عليه وسلم: «الظلم ظلمات يوم القيامة»
فإنه يقتضي أن يكون العدل نورا فيه، وسابعا بأن فتح الآية وختمها بنفي الظلم يدل عليه ليكون من باب رد العجز على الصدر على طريقة الطرد والعكس. ورجح ما اختاره الإمام بأن الأصل الحقيقة ولا صارف لأن الإضافة تصح بأدنى ملابسة، وأيد ما حكي عن محيي السنة ببعض الأحاديث.
وتعقب ذلك صاحب الكشف فقال: إن إضافة الملابسة مجاز (١) والترجيح لما اختاره جار الله لما ذكر من الفوائد ولأنه الشائع في استعمال القرآن، ألا ترى إلى قوله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [النور: ٣٥] وأما تجلي الرب سبحانه فسواء حمل على تجلي الجلال أو تجلي الجمال لا يقتضي إشراق الأرض بنور إلا بأحد المعنيين أعني العدل أو عرضا يخلقه الله تعالى عند التجلي في الأرض فلو توهم من تجليه تعالى أنه ينعكس نور منه على الأرض لاستحال إلا بالتفسير المذكور فليس قولا ثالثا لينصر ويؤيد بالحديث الذي لا يدل على أنه تفسير الآية

(١) هو اختيار لأحد قولين في المسألة اه منه.

صفحة رقم 284

المشتمل على حديث الرؤية وإلقاء ستره تعالى على العبد يذكر ما فعل به وما جنى انتهى، ولعل الأوفق بما يشعر به كثير من الأخبار أن قوله سبحانه: وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها إشارة إلى تجليه عزّ وجلّ لفصل القضاء وقد يعبر عنه بالإتيان، وقد صرح به في قوله تعالى: يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ [البقرة: ٢١٠] ولم يتأول ذلك السلف بل أثبتوه له سبحانه كالنزول على الوجه الذي أثبته عزّ وجلّ لنفسه.
ولا يبعد أن يكون هذا النور هو النور الوارد
في الحديث الصحيح «إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور»
ويقال فيه كالحجاب نحو ما قال السلف في سائر المتشابهات أو هو نور آخر يظهر عند ذلك التجلي، ولا أقول: هو نور منعكس من الذات المقدس انعكاس نور الشمس مثلا من الشمس بل الأمر فوق ما تنتهي إليه العقول، وأنى وهيهات وكيف ومتى يتصور إلى حقيقة ذلك الوصول، ويومىء إلى أن ذلك التجلي مقرون بالعدل التعبير بعنوان الربوبية مضافا إلى ضمير الأرض والله تعالى أعلم بمراده. وقرأ ابن عباس وعبيد بن عمير وأبو الجوزاء أَشْرَقَتِ بالبناء للمفعول قال الزمخشري: من شرقت بالضوء تشرق إذا امتلأت به واغتصت وأشرقها الله تعالى كما تقول: ملأ الأرض عدلا وطبقها عدلا، وقال ابن عطية: هذا إنما يترتب من فعل يتعدى فهذا على أن يقال: أشرق البيت وأشرقه السراج فيكون الفعل مجاوزا وغير مجاوز، وقال صاحب اللوامح وجب أن يكون الإشراق على هذه القراءة منقولا من شرقت الشمس إذا طلعت فيصير متعديا والمعنى أذهبت ظلمة الأرض، ولا يجوز أن يكون من أشرقت إذا أضاءت فإن ذلك لازم وهذا قد يتعدى إلى المفعول وَوُضِعَ الْكِتابُ قال السدي الحساب، فالكتاب مجاز عن الحساب ووضعه ترشيح له، والمراد به الشروع فيه ويجوز جعل الكلام تمثيلا.
وقال بعضهم: صحائف الأعمال وضعت بأيدي العمال فالتعريف للجنس أو الاستغراق، وقيل: اللوح المحفوظ وضع ليقابل به الصحائف فالتعريف للعهد، وروي هذا القول عن ابن عباس، واستبعده أبو حيان وقال: لعله لا يصح عن ابن عباس وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ قيل ليسألوا هل بلغوا أممهم؟ وقيل: ليحضروا حسابهم وَالشُّهَداءِ قال عطاء ومقاتل وابن زيد: الحفظة، وكأنهم أرادوا أنهم يشهدون على كل من الأمم أنهم بلغوا أو يشهدون على كل بعمله كما قال سبحانه: وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ [ق: ٢١]
وفي بعض الآثار أنه يؤتى باللوح المحفوظ وهو يرتعد فيقال له: هل بلغت إسرافيل؟ فيقول: نعم يا رب بلغته فيؤتى بإسرافيل وهو يرتعد فيقال له: هل بلغك اللوح؟
فيقول: نعم يا رب فعند ذلك يسكن روع اللوح ثم يقال لإسرافيل فأنت هل بلغت جبرائيل؟ فيقول: نعم يا رب فيؤتى بجبرائيل وهو يرتعد فيقال له: هل بلغك إسرافيل؟ فيقول: نعم يا رب فعند ذلك يسكن روع إسرافيل ثم يقال لجبرائيل: فأنت هل بلغت؟ فيقول: نعم يا رب فيؤتى بالمرسلين وهم يرتعدون فيقال لهم: هل بلغكم جبرائيل؟
فيقولون: نعم فيسكن عند ذلك روع جبرائيل ثم يقال لهم: فأنتم هل بلغتم؟ فيقولون: نعم فيقال للأمم: هل بلغكم الرسل؟ فيقول كفرتهم: ما جاءنا من بشير ولا نذير فيعظم على الرسل الحال ويشتد البلبال فيقال لهم: من يشهد لكم؟
فيقولون: النبي الأمي وأمته فيؤتى بالأمة المحمدية فيشهدون لهم أنهم بلغوا فيقال لهم: من أين علمتم ذلك؟ فيقولون:
من كتاب أنزله الله تعالى علينا ذكر سبحانه فيه أن الرسل بلغوا أممهم ويزكيهم النبي عليه الصلاة والسلام
وذلك قوله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً [البقرة: ١٤٣] ومن هنا قيل: المراد بالشهداء في الآية أمة نبينا صلّى الله عليه وسلم، وقال الجبائي وأبو مسلم هم عدول الآخرة يشهدون للأمم وعليهم، وقيل: جميع الشهداء من الملائكة وأمة محمد عليه الصلاة والسلام والجوارح والمكان، وأيا ما كان فالشهداء جمع

صفحة رقم 285

شاهد، وقال قتادة والسدي: المراد بهم المستشهدون في سبيل الله تعالى فهو جمع شهيد وليس بذاك وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ أي بين العباد المفهوم من السياق بِالْحَقِّ بالعدل وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ بنقص ثواب أو زيادة عقاب على ما جرى به الوعد بناء على أن الظلم حقيقة لا يتصور في حقه تعالى فإن الأمر كله له عزّ وجلّ.
وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ أي أعطيت جزاء ذلك كاملا وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ فلا يفوته سبحانه شيء من أعمالهم، وقوله تعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً إلخ تفصيل للتوفية وبيان لكيفيتها، والفاء ليس بلازم، والسوق يقتضي الحث على المسير بعنف وإزعاج وهو الغالب ويشعر بالإهانة وهو المراد هنا أي سيقوا إليها بالعنف والإهانة أفواجا متفرقة بعضها في أثر بعض مترتبة حسب ترتب طبقاتهم في الضلالة والشرارة، والزمر جمع زمرة قال الراغب: هي الجماعة القليلة: ومنه قيل شاة زمرة قليلة الشعر ورجل زمر قليل المروءة، ومنه اشتق الزمر، والزمارة كناية عن الفاجرة، وقال بعضهم: اشتقاق الزمرة من الزمر وهو الصوت إذ الجماعة لا تخلو عنه حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها ليدخلوها وكانت قبل مجيئهم غير مفتوحة فهي كسائر أبواب السجون لا تزال مغلقة حتى يأتي أصحاب الجرائم الذين يسجنون فيها فتفتح ليدخلوها فإذا دخلوها أغلقت عليهم، وحَتَّى هي التي تحكى بعدها الجملة، والكلام على إذا الواقعة بعدها قد مر في الأنعام. وقرأ غير واحد «فتحت» بالتشديد وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها على سبيل التقريع والتوبيخ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ أي من جنسكم تفهمون ما ينبؤونكم به ويسهل عليكم مراجعتهم.
وقرأ ابن هرمز «تأتكم» بتاء التأنيث، وقرىء «نذر منكم» يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ المنزلة لمصلحتكم وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا أي وقتكم هذا وهو وقت دخولكم النار لأن المنذر به في الحقيقة العذاب ووقته، وجوز أن يراد به يوم القيامة والآخرة لاشتماله على هذا الوقت أو على ما يختص بهم من عذابه وأهواله، ولا ينافيه كونه في ذاته غير مختص بهم والإضافة لامية تفيد الاختصاص لأنه يكفي للاختصاص ما ذكر، نعم الأول أظهر فيه.
واستدل بالآية على أنه لا تكليف قبل الشرع لأنهم وبخوهم بكفرهم بعد تبليغ الرسل للشرائع وإنذارهم ولو كان قبح الكفر معلوما بالعقل دون الشرع لقيل. ألم تعلموا بما أودع الله تعالى فيكم من العقل قبح كفركم، ولا وجه لتفسير الرسل بالعقول لإباء الأفعال المستندة إليها عن ذلك، نعم هو دليل إقناعي لأنه إنما يتم على اعتبار المفهوم وعموم الذين كفروا وكلاهما محل نزاع، وقيل في وجه الاستدلال: إن الخطاب للداخلين عموما يقتضي أنهم جميعا أنذرهم الرسل ولو تحقق تكليف قبل الشرع لم يكن الأمر كذلك. وتعقب بأن للخصم أن لا يسلم العموم، ولمن قال بوجوب الإيمان عقلا أن يقول: إنما وبخوهم بالكفر بعد التبليغ لأنه أبعد عن الاعتذار وأحق بالتوبيخ والإنكار قالُوا بَلى قد أتانا رسل منا تلوا علينا آيات ربنا وأنذرونا لقاء يومنا هذا وَلكِنْ حَقَّتْ أي وجبت كَلِمَةُ الْعَذابِ أي كلمة الله تعالى المقتضية له عَلَى الْكافِرِينَ والمراد بها الحكم عليهم بالشقاوة وأنهم من أهل النار لسوء اختيارهم أو قوله تعالى لإبليس: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ [ص: ٨٥] ووضعوا الكافرين موضع ضميرهم للإيماء إلى عليّة الكفر، والكلام اعتراف لا اعتذار قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أي مقدرا خلودكم فيها، والقائل يحتمل أن يكون الخزنة وترك ذكرهم للعلم به مما قبل، ويحتمل أن يكون غيرهم ولم يذكر لأن المقصود ذكر هذا المقول المهول من غير نظر إلى قائله وقال بعض الأجلة: أبهم القائم لتهويل المقول.
فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ أل فيه سواء كانت حرف تعريف أم اسم موصول للجنس وفاء بحق فاعل باب نعم وبئس والمخصوص بالذم محذوف ثقة بذكره آنفا أي فبئس مثواهم جهنم والتعبير بالمثوى لمكان خالِدِينَ وفي

صفحة رقم 286

التعبير بالمتكبرين إيماء إلى أن دخولهم النار لتكبرهم عن قبول الحق والانقياد للرسل المنذرين عليهم الصلاة والسلام وهو في معنى التعليل بالكفر، ولا ينافي تعليل ذلك بسبق كلمة العذاب عليهم لأن حكمه تعالى وقضاءه سبحانه عليهم بدخول النار ليس إلا بسبب تكبرهم وكفرهم لسوء اختيارهم المعلوم له سبحانه في الأزل، وكذا قوله عزّ وجلّ لأملأن فهناك سببان قريب وبعيد والتعليل بأحدهما لا ينافي التعليل بآخر فتذكر وتدبر.
وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً جماعات مرتبة حسب ترتب طبقاتهم في الفضل،
وفي صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله ﷺ أول زمرة تدخل الجنة من أمتي على صورة القمر ليلة البدر ثم الذين يلونهم على أشد نجم في السماء إضاءة ثم هم بعد ذلك منازل»
والمراد بالسوق هنا الحث على المسير للإسراع إلى الإكرام بخلافه فيما تقدم فإنه لإهانة الكفرة وتعجيلهم إلى العقاب والآلام واختير للمشاكلة، وقوله سبحانه: إِلَى الْجَنَّةِ يدفع إيهام الإهانة مع أنه قد يقال: إنهم لما أحبوا لقاء الله تعالى أحب الله تعالى لقاءهم فلذا حثوا على دخول دار كرامته جل شأنه قاله بعض الأجلة، واختار الزمخشري أن المراد هنا بسوقهم سوق مراكبهم لأنه لا يذهب بهم إلا راكبين، وهذا السوق والحث أيضا للإسراع بهم إلى دار الكرامة.
وتعقب بأنه لا قرينة على إرادة ذلك وكون جميع المتقين لا يذهب بهم إلا راكبين يحتاج إلى دليل، والاستدلال بقوله تعالى: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً [مريم: ٨٥] لا يتم إلا على القول بأن الوفد لا يكونون إلا ركبانا وأن الركوب يستمر لهم إلى أن يدخلوا الجنة، وفي الكشف أنه تفسير ظاهر يؤيده الأحاديث الكثيرة ويناسب المقام لأن السوقين بعد فصل القضاء واللطف الخالص في شأن البعض والقهر الخالص في شأن البعض ولا ينافي مقام عظمة مالك الملوك على ما توهم انتهى، وأقول: إن حمل الذين اتقوا على المخلصين فالقول بركوبهم قول قوي وإن حمل على المحترز عن الشرك خاصة ليشمل المخلصين فالقول بذلك قول ضعيف إذ منهم من لا يدخل الجنة إلا بعد أن يدخل النار ويعذب فيها، وظاهر كثير من الأخبار أن من هذا الصنف من يذهب إلى الجنة مشيا.
ففي صحيح مسلم عن ابن مسعود أن رسول الله ﷺ قال: «آخر من يدخل الجنة رجل فهو يمشي مرة ويكبو أخرى وتسفعه النار مرة فإذا ما جاوزها التفت إليها فقال تبارك الذي نجاني منك لقد أعطاني الله تعالى شيئا ما أعطاه أحدا من الأولين والآخرين فترفع له شجرة فيقول: أي رب أدنني من هذه الشجرة فلأستظل بظلها فأشرب من مائها فيقول الله تعالى: يا ابن آدم لعلي أن أعطيتكها سألتني غيرها فيقول: لا يا رب ويعاهده أن لا يسأله غيرها وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه فيدنيه» الحديث
، وقال بعض العارفين: إن المتقين يساقون إلى الجنة لأنهم قد رأوا الله تعالى في المحشر فلرغبتهم في رؤيته عزّ وجلّ ثانيا لا يحبون فراق ذلك الموطن الذي رأوه فيه ولشدة حبهم وشغفهم لا يكاد يخطر لهم أنهم سيرونه سبحانه إذا دخلوا الجنة، والمحبة إذا عظمت فعلت بصاحبها أعظم من ذلك وأعظم فكأنها غلبتهم حتى خيلت إليهم أن ذلك الموطن هو الموطن الذي يرى فيه عزّ وجلّ وهو محل تجليه على محبيه جل جلاله وعظم نواله فأحجموا عن المسير ووقفوا منتظرين رؤية اللطيف الخبير وغدا لسان حال كل منهم يقول:

وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي متأخر عنه ولا متقدم
ويدل على رؤيتهم إياه عزّ وجلّ هناك ما
في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: «إن أناسا قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تضارون في القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا يا رسول الله قال: هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا قال: فإنكم ترونه كذلك يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئا فليتبعه فيتبع من يعبد الشمس الشمس ويتبع من يعبد القمر القمر ويتبع من يعبد الطواغيت

صفحة رقم 287

الطواغيت وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله تبارك وتعالى في صورة غير الصورة التي يعرفون فيقول: أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا جاء ربنا عرفناه فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون فيقول: أنا ربكم فيقولون: أنت ربنا فيتبعونه ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أنا وأمتي أول من يجيز ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل ودعوى الرسل يومئذ اللهم سلم سلم» الحديث
، ومع هذا فسوقهم ليس كسوق الذين كفروا كما لا يخفى.
وقيل: السائق للكفرة ملائكة الغضب والسائق للمتقين شوقهم إلى مولاهم فهو سبحانه لهم غاية الإرب، وليست الجنة عندهم هي المقصودة بالذات ولا مجرد الحلول بها أقصى اللذات وإنما هي وسيلة للقاء محبوبهم الذي هو نهاية مطلوبهم حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وقرىء بالتشديد، والواو وللحال والجملة حالية بتقدير قد على المشهور أي جاؤوها وقد فتحت لهم أبوابها كقوله تعالى: جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ [ص: ٥٠] ويشعر ذلك بتقدم الفتح كأن خزنة الجنات فتحوا أبوابها ووقفوا منتظرين لهم، وهذا كما تفتح الخدم باب المنزل للمدعو للضيافة قبل قدومه وتقف منتظرة له، وفي ذلك من الاحترام والإكرام ما فيه، والظاهر أن قوله تعالى: وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها إلخ عطف على فُتِحَتْ أَبْوابُها وجواب إِذا محذوف مقدر بعد خالِدِينَ للإيذان بأن لهم حينئذ من فنون الكرامات ما لا يحيط به نطاق العبارات كأنه قيل: إذا جاؤوها مفتحة لهم أبوابها وقال لهم خزنتها سَلامٌ عَلَيْكُمْ أي من جميع المكاره والآلام وهو يحتمل الإخبار والإنشاء.
طِبْتُمْ أي من دنس المعاصي، وقيل: طبتم نفسا بما أتيح لكم من النعيم المقيم، والأول مروي عن مجاهد وهو الأظهر، والجملة في موضع التعليل فَادْخُلُوها خالِدِينَ أي مقدرين الخلود كان ما كان مما يقصر عنه البيان أو فازوا بما لا يعد ولا يحصى من التكريم والتعظيم، وقدره المبرد سعدوا بعد خالِدِينَ أيضا، ومنهم من قدره قبل وَفُتِحَتْ أي حتى إذا جاؤوها جاؤوها وقد فتحت وليس بشيء، ومنهم من قدره نحو ما قلنا قبل وَقالَ وجعل جملة «قال» إلخ معطوفة عليه، وما تقدم أقوى معنى وأظهر.
وقال الكوفيون: واو وَفُتِحَتْ زائدة والجواب جملة فُتِحَتْ وقيل: الجواب قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها والواو زائدة، والمعول عليه ما ذكرنا أولا وبه يعلم وجه اختلاف الجملتين أعني قوله تعالى في أهل النار: حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وقوله جل شأنه في أهل الجنة: حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها حيث جيء بواو في الجملة الثانية وحذف الجواب ولم يفعل كذلك في الجملة الأولى، فما قيل: إن الواو في الثانية واو الثمانية لأن المفتح ثمانية أبواب ولما كانت أبواب النار سبعة لا ثمانية لم يؤت بها وجه ضعيف لا يعول عليه.
واستدل المعتزلة بقوله: طِبْتُمْ فَادْخُلُوها حيث رتب فيه الأمر بالدخول على الطيب والطهارة من دنس المعاصي على أن أحدا لا يدخل الجنة إلا وهو طيب طاهر من المعاصي إما لأنه لم يفعل شيئا منها أو لأنه تاب عما فعل توبة مقبولة في الدنيا. ورد بأنه وإن دل على أن أحدا لا يدخلها إلا وهو طيب لكن قد يحصل ذلك بالتوبة المقبولة وقد يكون بالعفو عنه أو الشفاعة له أو بعد تمحيصه بالعذاب فلا متمسك فيها للمعتزلة.
وقيل: المراد بالذين اتقوا المحترزون عن الشرك خاصة فطبتم على معنى طبتم عن دنس الشرك ولا خلاف في أن دخول الجنة مسبب عن الطيب والطهارة عنه. وتعقب بأن ذاك خلاف الظاهر لأن التقوى في العرف الغالب تقع على أخص من ذلك لا سيما في معرض الإطلاق والمدح بما عقبه من قوله تعالى: فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ فتدبر وَقالُوا عطف على قالَ أو على الجواب المقدر بعد خالِدِينَ أو على مقدر غيره أي فدخلوها وقالوا:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ بالبعث والثواب وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ يريدون المكان الذي استقروا فيه فإن كانت

صفحة رقم 288

أرض الآخرة التي يمشي عليها تسمى أرضا حقيقة فذاك وإلا فإطلاقهم الأرض على ذلك من باب الاستعارة تشبيها له بأرض الدنيا، والظاهر الأول، وحكي عن قتادة وابن زيد والسدي أن المراد أرض الدنيا وليس بشيء، وإيراثها تمليكها مخلفة عليهم من أعمالهم أو تمكينهم من التصرف فيها تمكين الوارث فيما يرثه بناء على أنه لا ملك في الآخرة لغيره عزّ وجلّ وإنما هو إباحة التصرف والتمكين مما هو ملكه جل شأنه، وقيل: ورثوها من أهل النار فإن لكل منهم مكانا في الجنة كتب له بشرط الإيمان.
نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ أي يتبوأ كل منا في أي مكان أراده من جنته الواسعة لا أن كلا منهم يتبوأ في أي مكان من مطلق الجنة أو من جنات غيره المعينة لذلك الغير، فلا يقال: إنه يلزم جواز تبوء الجميع في مكان واحد وحدة حقيقة وهو محال أو أن يأخذ أحدهم جنة غيره وهو غير مراد، وقيل: الكلام على ظاهره ولكل منهم أن يتبوأ في أي مكان شاء من مطلق الجنة ومن جنات غيره إلا أنه لا يشاء غير مكانه لسلامة نفسه وعصمة الله تعالى له عن تلك المشيئة، وقال الإمام: قالت حكماء الإسلام: إن لكلّ جنتين جسمانية وروحانية ومقامات الثانية لا تمانع فيها فيجوز أن يكون في مقام واحد منها ما لا يتناهى من أربابها، وهذه الجملة حالية فالمعنى أورثنا مقامات الجنة حالة كوننا نسرح في منازل الأرواح كما نشاء.
وقد قال بعض متألهي الحكماء: الدار الضيقة تسع ألف ألف من الأرواح والصور المثالية التي هي أبدان المتجردين عن الأبدان العنصرية لعدم تمانعها كما قيل:
سم الخياط مع الأحباب ميدان وفسر المقام الروحاني بما تدركه الروح من المعارف الإلهية وتشاهده من رضوان الله تعالى وعنايته القدسية مما لا عين رأت ولا أذن سمعت.
وتعقب بأن هذا إن عد من بطون القرآن العظيم فلا كلام وإلا فحمل الجنة على مثل ذلك مما لا تعرفه العرب ولا ينبغي أن يفسر به، على أنه ربما يقال: يرد عليه أنه يقتضي أن لكل أحد أن يصل إلى مقام روحاني من مقاماتها مع أن منها ما يخص الأنبياء المكرمين والملائكة المقربين، والظاهر أنه لا يصل إلى مقاماتهم كل أحد من العارفين فافهم ولا تغفل فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ من كلام الداخلين عند الأكثر والمخصوص بالمدح محذوف أي هذا الأجر أو الجنة، ولعل التعبير- بأجر العاملين- دون أجرنا للتعريض بأهل النار أنهم غير عاملين، وقال مقاتل: هو من كلام الله تعالى وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ أي محدقين من الحفاف بمعنى الجانب جمع حاف كما قال الأخفش، وقال الفراء: لا يفرد فقيل: أراد أن المفرد لا يكون حافا إذ الإحداق والإحاطة لا يتصور بفرد وإنما يتحقق بالجمع، وقيل: أراد أنه لم يرد استعمال مفرده. وأورد على الأول أن الإحاطة بالشيء بمعنى محاذاة جميع جوانبه فتصور في الواحد بدورانه حول الشيء فإنه حينئذ يحاذي جميع جوانبه تدريجا فيكون الحفوف بمعنى الدوران حوله أو يراد بكونه حافا أنه جزء من الحاف وله مدخل في الحفوف، ولو صح ما ذكر لم يصح أن يقال: طائف أو محدق أو محيط أو نحوه مما يدل على الإحاطة. وأورد على الثاني أنا لم نجد ورود جمع سالم لم يرد استعمال مفرده فبعد ورود حافين الظاهر ورود حاف كما لا يخفى، والخطاب لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم، وجوز أن يكون لكل من تصح منه الرؤية كأنه قيل: وترى أيها الرائي الملائكة حافين مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ أي حول العرش على أن مِنَ مزيدة على رأي الأخفش وهو الأظهر، وقيل: هي للابتداء- فحول العرش- مبتدأ الحفوف وكأن الحفوف حينئذ للخلق، وفي بعض الآثار ما هو ناطق بذلك، وفيها ما يدل على أن العرش يوم فصل القضاء يكون في الأرض حيث يشاء الله تعالى والأرض يومئذ غير هذه الأرض،

صفحة رقم 289

على أن أحوال يوم القيامة وشؤون الله تعالى وراء عقولنا وسبحان من لا يعجزه شيء، والظاهر أن الرؤية بصرية- فحافين- حال أولى وقوله تعالى: يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ حال ثانية، ويجوز أن يكون حالا من ضمير حَافِّينَ المستتر، وجوز كون الرؤية علمية- فحافين- مفعول ثاني وجملة يُسَبِّحُونَ حال من الْمَلائِكَةَ أو من ضميرهم في حَافِّينَ والباء في بِحَمْدِ للملابسة والجار والمجرور في موضع الحال أي ينزهونه تعالى عما لا يليق به ملتبسين بحمده، وحاصله يذكرون الله تعالى بوصفي جلاله وإكرامه تبارك وتعالى، وهذا الذكر إما من باب التلذذ فإن ذكر المحبوب من أعظم لذائذ المحب كما قيل:

أجد الملامة في هواك لذيذة حبا لذكرك فليلمني اللوّم
أو من باب الامتثال ويدعي أنهم مكلفون، ولا يسلم أنهم خارجون عن خطة التكليف أو يخرجون عنها يوم القيامة، نعم لا يرون ذلك كلفة وإن أمروا به.
وفي حديث طويل جدا أخرجه عبد بن حميد وعلي بن سعيد في كتاب الطاعة والعصيان. وأبو يعلى وأبو الحسن القطان في المطولات. وأبو الشيخ في العظمة. والبيهقي في البعث والنشور عن أبي هريرة «فبينما نحن وقوف- أي في المحشر- إذ سمعنا حسا من السماء شديدا فينزل أهل سماء الدنيا بمثلي من في الأرض من الجن والإنس حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم وأخذوا مصافهم ثم تنزل أهل السماء الثالثة بمثلي من نزل من الملائكة ومثلي من فيها من الجن والإنس حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم وأخذوا مصافهم ثم ينزلون على قدر ذلك من التضعيف إلى السماوات السبع ثم ينزل الجبار في ظلل من الغمام والملائكة تحمل عرشه يومئذ ثمانية وهم اليوم أربعة أقدامهم على تخوم الأرض السفلى والأرضون والسماوات إلى حجزهم والعرش على مناكبهم لهم زجل بالتسبيح فيقولون: سبحان ذي العزة والجبروت سبحان ذي الملك والملكوت سبحان الحي الذي لا يموت سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت سبوح قدوس رب الملائكة والروح سبحان ربنا الأعلى الذي يميت الخلائق ولا يموت فيضع عرشه حيث يشاء من الأرض ثم يهتف سبحانه بصوته فيقول عزّ وجلّ: «يا معشر الجن والإنس إني قد أنصتّ لكم منذ يوم خلقتكم إلى يومكم هذا أسمع قولكم وأبصر أعمالكم فانصتوا إلي فإنما هي أعمالكم وصحفكم تقرأ عليكم فمن وجد خيرا فليحمد الله تعالى ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه» الحديث
. وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ أي بين العباد كلهم بإدخال بعضهم الجنة وبعضهم النار فإن القضاء المعروف يكون بينهم، ولوضوح ذلك لا يضر كون الضمير لغير الملائكة مع أن ضمير يُسَبِّحُونَ لهم إذ التفكيك لا يمتنع مطلقا كما توهم، وقيل: ضمير بَيْنَهُمْ للملائكة واستظهره أبو حيان، وثوابهم وإن كانوا كلهم معصومين يكون على حسب تفاضل أعمالهم فيختلف تفاضل مراتبهم فإقامة كل في منزلته حسب عمله هو القضاء بينهم بالحق.
وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ أي على ما قضى بيننا بالحق، والقائل قيل: هم المؤمنون المقضي لهم لا ما يعمهم والمقضي عليهم، وحمدهم الأول على إنجاز وعده سبحانه وإيراثهم الأرض يتبوؤن من الجنة ما شاؤوا، وحمدهم هذا على القضاء بالحق بينهم فلا تكرار.
وقال الطيبي: إن الأول للتفصلة بين الفريقين بحسب الوعد والوعيد والسخط والرضوان، والثاني للتفرقة بينهما بحسب الأبدان ففريق في الجنة وفريق في السعير والأول أحسن، وقيل: هم الملائكة يحمدونه تعالى على قضائه سبحانه بينهم بالحق وإنزال كل منهم منزلته، وعليه ليس في الحمدين شائبة تكرار لتغاير الحامدين.
وقيل: قِيلَ دون قالوا لتعينهم وتعظيمهم، وجوز كون القائل جميع العباد منعمهم ومعذبهم وكأنه أريد أن

صفحة رقم 290

الحمد من عموم الخلق المقضي بينهم هنا إشارة إلى التمام وفصل الخصام كما يقوله المنصرفون من مجلس حكومة ونحوها، فيحمده المؤمنون لظهور حقهم وغيرهم لعدله واستراحتهم من انتظار الفصل، ففي بعض الآثار أنه يطول الوقوف في المحشر على العباد حتى إن أحدهم ليقول: رب أرحني ولو إلى النار، وقيل: إنهم يحمدونه إظهارا للرضا والتسليم.
وقال ابن عطية: هذا الحمد ختم للأمر يقال عند انتهاء فصل القضاء أي إن هذا الحاكم العدل ينبغي أن يحمد عند نفوذ حكمه وإكمال قضائه، ومن هذه الآية جعلت الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ خاتمة المجالس في العلم، هذا والحمد لله رب العالمين وصلاته وسلامه على رسوله محمد خاتم النبيين وعلى آل وصحبه أجمعين.
«ومن باب الإشارة في بعض الآيات» فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ أي اعبده تعالى بنفسك وقلبك وروحك مخلصا، وإخلاص العبادة بالنفس التباعد عن الانتقاص، وإخلاص العبادة بالقلب العمى عن رؤية الأشخاص، وإخلاص العبادة بالروح نفي طلب الاختصاص. وذكر أن المخلص من خلص بالجود عن حبس الوجود إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ فيه إشارة إلى تهديد من يدعي رتبة من الولاية ليس بصادق فيها وعقوبته حرمان تلك الرتبة يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ فيه إشارة إلى أحوال السائرين إلى الله سبحانه من القبض والبسط والصحو والسكر والجمع والفرق والستر والتجلي وغير ذلك فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ قيل: يشير إلى ظلمة الإمكان وظلمة الهيولى وظلمة الصورة أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يشير إلى القيام بآداب العبودية ظاهرا وباطنا من غير فتور ولا تقصير يَحْذَرُ الْآخِرَةَ ونعيمها كما يحذر الدنيا وزينتها وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ رضاه سبحانه عنه وقربه عزّ وجلّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ قدر معبودهم جل شأنه فيطلبونه وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ذلك فيطلبون ما سواه إِنَّما يَتَذَكَّرُ حقيقة الأمر أُولُوا الْأَلْبابِ وهم الذين انسلخوا من جلد وجودهم وصفوا عن شوائب أنانيتهم قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا بي شوقا إلى اتَّقُوا رَبَّكُمْ فلا تطلبوا غيره سبحانه لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا في طلب في هذه الدنيا بأن لم يطلبوا مني غيري حَسَنَةٌ عظيمة وهي حسنة وجداني وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ وهي حضرة جلاله وجماله فإنها لا نهاية لها فليسر فيها ليرى ما يرى ولا يظن بما فتح عليه انتهاء السير وانقطاع الفيض إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ على صدق الطلب أَجْرَهُمْ من التجليات بغير حساب إذ لا نهاية لتجلياته تعالى وكُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن: ٢٩] قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي بطلب ما سواه عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ وهو عذاب القطيعة والحرمان قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي فلا أطلب دنيا ولا أخرى كما قيل:

وكل له سؤل ودين ومذهب ولي أنتم سؤل وديني هواكم
قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ أي الذين تبين خسران أنفسهم بإفساد استعدادها للوصول والوصال وَأَهْلِيهِمْ من القلوب والأسرار والأرواح بالإعراض عن طلب المولى يَوْمَ الْقِيامَةِ الذي تتبين فيه الحقائق ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ الذي لا خفاء فيه لفوات رأس المال وعدم إمكان التلافي، وقال بعض الأجلة: إن للإنسان قوتين يستكمل بإحداهما علما وبالأخرى عملا، والآلة الواسطة في القسم الأول هي العلوم المسماة بالمقدمات وترتيبها على الوجه المؤدي إلى النتائج التي هي بمنزلة الربح يشبه تصرف التاجر في رأس المال بالبيع والشراء، والآلة في القسم العملي هو القوى البدنية وغيرها من الأسباب الخارجية المعينة عليها، واستعمال تلك القوى في وجوه أعمال البر التي هي بمنزلة الربح يشبه التجارة، فكل من أعطاه الله تعالى العقل والصحة والتمكين ثم إنه

صفحة رقم 291

لم يستفد منها معرفة الحق ولا عمل الخير فإذا مات ربحه وضاع رأس ماله ووقع في عذاب الجهل وألم البعد عن عالمه والقرب مما يضاده أبد الآباد، فلا خسران فوق هذا ولا حرمان أبين منه، وقد أشار سبحانه إلى هذا بقوله تعالى:
لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ وهذا على الأول إشارة إلى إحاطة نار الحسرة بهم لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ قيل الغرف المبنية بعضها فوق بعض إشارة إلى العلوم المكتسبة المبنية على النظريات وأنها تكون في المتانة واليقين كالعلوم الغريزية البديهية أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ من سماء حضرته سبحانه أو من سماء القلب ماءً ماء المعارف والعلوم فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ مدارك وقوى فِي الْأَرْضِ أرض البشرية ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً من الأعمال البدنية والأقوال اللسانية ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً إشارة إلى أفعال المرائين وأقوالهم ترى مخضرة وفق الشرع ثم تصفر من آفة الرياء ثم تكون حطاما لا حاصل لها إلا الحسرة أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ للانقياد إليه سبحانه فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ يستضيء به في طلبه سبحانه، ومن علامات هذا النور محو ظلمات الصفات الذميمة النفسانية والتحلية بالأخلاق الكريمة القدسية.
اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ إذا قرعت صفات الجلال أبواب قلوبهم ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ بالشوق والطلب ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ يتجاذبونه وهم شغل الدنيا وشغل العيال وغير ذلك من الأشغال وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ إشارة إلى المؤمن الخالص الذي لم يشغله شيء عن مولاه عزّ شأنه فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ يشير إلى حال الكاذبين في دعوى الولاية وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ يشير إلى حال أقوام نبذوا الشريعة وراء ظهورهم وقالوا: هي قشر والعياذ بالله تعالى وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ قيل: هو سواد قلوبهم ينعكس على وجوههم وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً قيل المتقون قد عبدوا الله تعالى لله جل شأنه لا للجنة فتصير شدة استغراقهم في مشاهدة مطالع الجمال والجلال مانعة لهم عن الرغبة في الجنة فلا جرم يفتقرون إلى السوق، وقيل: كل خصلة ذميمة أو شريفة في الإنسان فإنها تجره من غير اختيار شاء أم أبى إلى ما يضاهي حاله فذاك معنى السوق في الفريقين، وقيل: القوم أهل وفاء فهم يقولون: لا ندخل الجنة حتى يدخلها أحبابنا فلذا يساقون إليها ولكن لا كسوق الكفرة وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ إشارة إلى أنه ﷺ في مقعد صدق عند مليك مقتدر بناء على أن العرش لا يتحول يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ إشارة إلى نعيمهم وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ أعطى كل ما يستحقه وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ على انقضاء الأمر وفصل القضاء بالعدل الذي لا شبهة فيه ولا امتراء، هذا والحمد لله تعالى على أفضاله والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله.

صفحة رقم 292

سورة غافر
وتسمى سورة غافر وسورة الطول، وهي كما روي عن ابن عباس وابن الزبير ومسروق وسمرة بن جندب مكية، وحكى أبو حيان الإجماع على ذلك، وعن الحسن أنها مكية إلا قوله تعالى: وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ [غافر: ٥٥] لأن الصلوات نزلت بالمدينة وكانت الصلاة بمكة ركعتين من غير توقيت. وأنت تعلم أن الحق قول الأكثرين: إن الخمس نزلت بمكة على أنه لا يتعين إرادة الصلاة بالتسبيح في الآية، وقيل: هي مكية إلا قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ [غافر: ٣٥] الآية فإنها مدنية، فقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية وغيره أنها نزلت في اليهود لما ذكروا الدجال، وهذا ليس بنص على أنها نزلت بالمدينة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: قولهم نزلت الآية في كذا يراد به تارة سبب النزول ويراد به تارة أن ذلك داخل في الآية وإن لم يكن السبب كما تقول: عني بهذه الآية كذا، وقال الزركشي في البرهان: قد عرف من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال: نزلت الآية في كذا فإنه يريد بذلك أنها تتضمن هذا الحكم لا أن هذا كان السبب في نزولها فهو من جنس الاستدلال على الحكم بالآية لا من جنس النقل لما وقع. نعم سيأتي إن شاء الله تعالى عن أبي العالية ما هو كالنص على ذلك.
وآيها خمس وثمانون في الكوفي والشامي، وأربع في الحجازي، واثنتان في البصري، وقيل: ست وثمانون، وقيل: ثمان وثمانون، ووجه مناسبة أولها لآخر الزمر أنه تعالى لما ذكر سبحانه هناك ما يؤول إليه حال الكافر وحال المؤمن ذكر جل وعلا هنا أنه تعالى غافر الذنب وقابل التوب ليكون ذلك استدعاء للكافر إلى الإيمان والإقلاع عما هو فيه، وبين السورتين أنفسهما أوجه من المناسبة، ويكفي فيها أنه ذكر في كل من أحوال يوم القيامة وأحوال الكفرة فيه وهم في المحشر وفي النار ما ذكر، وقد فصل في هذه من ذلك ما لم يفصل منه في تلك.
وفي تناسق الدرر وجه إيلاء الحواميم السبع لسورة الزمر تواخي المطالع في الافتتاح بتنزيل الكتاب. وفي مصحف ابن مسعود أول الزمر حم وتلك مناسبة جليلة، ثم إن الحواميم ترتبت لاشتراكها في الافتتاح- بحم- وبذكر الكتاب وأنها مكية بل ورد عن ابن عباس وجابر بن زيد أنها نزلت عقب الزمر متتاليات كترتيبها في المصحف، وورد في فضلها أخبار كثيرة، أخرج أبو عبيد في فضائله عن ابن عباس قال: إن لكل شيء لبابا وإن لباب القرآن الحواميم.
وأخرج هو وابن الضريس وابن المنذر والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال: الحواميم ديباج القرآن. وأخرجه أبو الشيخ وأبو نعيم والديلمي عن أنس رضي الله تعالى عنه مرفوعا، وأخرج الديلمي وابن مردويه عن سمرة بن جندب مرفوعا «الحواميم روضة من رياض الجنة».
وأخرج محمد بن نصر والدارمي عن سعد بن إبراهيم قال: كن الحواميم يسمين العرائس. وأخرج ابن نصر وابن

صفحة رقم 293
روح المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
أبو المعالي محمود شكري بن عبد الله بن محمد بن أبي الثناء الألوسي
تحقيق
علي عبد البارى عطية
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1415
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية