
يعني: عاقبة كفره وعقوبة كفره وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً وهو الغضب الشديد الذي يستوجب العقوبة. يعني: لا يزدادون في طول أعمارهم إلا غضب الله تعالى عليهم. وقال الزجاج: المقت أشد الغضب وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً يعني: غبناً في الآخرة وخسراناً.
ثم قال عز وجل: قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني: تعبدون من دون الله أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ يعني: أخبروني أي شيء خلقوا مما في السموات أو مما في الأرض من الخلق. وقال القتبي: من بمعنى في يعني: أروني ماذا خلقوا في الأرض.
يعني: أي شيء خلقوا في الأرض كما خلق الله عز وجل: أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ يعني:
عون على خلق السموات والأرض. ويقال: نصيب في السموات. واللفظ لفظ الاستفهام والشك، والمراد به النفي. يعني: ليس لهم شرك فى السموات.
ثم قال: أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً يعني: أعطيناهم كتاباً. اللفظ لفظ الاستفهام، والمراد به النفي. يعني: كما ليس لهم كتاب فيه حجة على كفرهم فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ يعني: ليسوا على بيان مما يقولون. قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، وعاصم، في رواية حفص عَلى بَيِّنَةٍ بغير ألف. وقرأ الباقون: بينات بلفظ الجماعة، ومعناهما واحد، لأن الواحد ينبئ عن الجماعة.
ثم قال: بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً يعني: ما يعد الظالمون بعضهم بعضا.
يعني: الشياطين للكافرين من الشفاعة لمعبودهم إِلَّا غُرُوراً يعني: باطلا.
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ٤١ الى ٤٥]
إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (٤١) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (٤٢) اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً (٤٣) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً (٤٤) وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً (٤٥)

قوله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ يعني: يحفظ السموات وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا يعني: لئلا تزولا عن مكانها وَلَئِنْ زالَتا يعني: يوم القيامة إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ يعني: لا يقدر أحد أن يمسكهما. ويقال: وَلَئِنْ زالَتا يعني: إن زالتا في الحال، وهما لا يزولان إِنَّهُ كانَ حَلِيماً عن قول الكُفَّار، حيث قالوا: لله ولد، فكادت السموات والأرض أن تزولا فأمسكهما بحلمه فلم يزولا غَفُوراً يعني: متجاوزاً عنهم إن تابوا.
ويقال: غَفُوراً حيث لم يعجل عليهم بالعقوبة، وأمسك السموات والارض أن تزولا.
وقوله عز وجل: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ يعني: كفار مكة كانوا يعيرون اليهود والنصارى بتكذيبهم أنبياءهم، وقالوا: لو أرسل الله عز وجل إلينا رسولاً، لكنا أهدى من إحدى الأمم، وكانوا يحلفون على ذلك فذلك قوله: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ فكل من حلف بالله، فهو جهد اليمين لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ يعني: رسول لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ يعني: أصوب ديناً من اليهود والنصارى فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ وهو محمد صلّى الله عليه وسلم مَّا زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً يعني: ما زادهم الرسول إلا تباعداً عن الهدى.
قوله عز وجل: اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ يعني: تكبراً في الأرض، اسْتِكْباراً مفعول المعنى زادهم الرسول تكبرا هذا كقوله وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً [الإسراء: ٨٢] وكأن القرآن سببا لخسرانهم فأضاف إليهم.
ثم قال: وَمَكْرَ السَّيِّئِ يقول: قول الشرك واجتماعهم على قتل النبيّ صلّى الله عليه وسلم. قرأ حمزة وَمَكْرَ السَّيِّئِ بجزم الياء. وقرأ الباقون بالكسر لتبين الحروف، وجزم حمزة لكثرة الحركات.
ثم قال: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ يعني: لا يدور وينزل المكر السيئ إلا بأهله. يعني عقوبة المكر ترجع إليهم فَهَلْ يَنْظُرُونَ يعني: ما ينتظرون إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ يعني: عقوبة الأمم الخالية أن ينزل بهم مثل ما نزل بالأولين فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا يعني:
لصنعة الله تعالى. ويقال: لملة الله. ويقال: لسنة الله في العذاب تَبْدِيلًا يعني: لا يقدر أحد أن يبدله وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا يعني: تغييراً. يعني: لا يقدر أحد أن يغير فعل الله تعالى.
ثم وعظهم ليعتبروا فقال عز وجل: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ يعني: أو لم يسافروا في

الأرض فَيَنْظُرُوا يعني: فيعتبروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ يعني: آخر أمر الذين كانوا مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً يعني: منعة وَما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ يعني: ليسبقه، ويفوته من شيء. ويقال: لا يقدر أحد أن يهرب من عذابه فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً بخلقه بأنه لا يفوت منهم أحد قَدِيراً يعني: قادراً عليهم بالعقوبة.
قوله عز وجل: وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا يعني: لو عاقبهم مَا تَرَكَ عَلى ظَهْرِها يعني: على ظهر الأرض مِنْ دَابَّةٍ يعني: لهلكت الدواب من قحط المطر. قال قتادة: مَا تَرَكَ عَلى ظَهْرِها من دابة إلا أهلكهم كما أهلك من كان في زمان نوح- عليه السلام- ويقال: مِنْ دَابَّةٍ يعني: من الجن والإنس فيعاقبهم بذنوبهم، فيهلكهم. وقال مجاهد: مَا تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ يعني من هوام الأرض من العقارب، ومن الخنافس.
وروي عن عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أنه قال: كاد الجعل أن يعذب في حجره بذنب بني آدم. ثم قرأ وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ الآية. والعرب تكني عن الشيء إذا كان مفهوماً كما كنى ها هنا عن الأرض كقوله: مَا تَرَكَ عَلى ظَهْرِها وَإِن لم يسبق ذكر الأرض.
ثم قال: وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى يعني: إلى الميعاد الذي وعدهم الله تعالى.
ويقال: إلى الوقت الذي وقت لهم في اللوح المحفوظ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ يعني: إلى انقضاء حياتهم. ويقال: هو البعث.
قال تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً يعني: عالماً بهم وبأعمالهم. روى الزهري عن سعيد بن المسيب قال: لما طعن عمر- رضي الله عنه-، قال كعب: لو دعا الله عمر لأخر في أجله. فقال الناس: سبحان الله أليس قد قال الله تعالى: فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف: ٣٤] فقال كعب: وقد قال: وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [فاطر: ١١] قال الزهري: فنرى أن ذلك ما لم يحضر الأجل فإذا حضر لم يؤخر، وليس أحد إلا وعمره مكتوب في اللوح المحفوظ، والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.