آيات من القرآن الكريم

هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ۖ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا ۖ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا
ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ

وقد استبان مما تقدم أنهم لا يخرجون منها، ومن ثم قال:
(فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) أي فذوقوا عذاب النار جزاء مخالفتكم للأنبياء فى حياتكم الدنيا، ولن تجدوا لكم ناصرا ينقذكم مما أنتم فيه من العذاب والسلاسل والأغلال.
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ٣٨ الى ٣٩]
إِنَّ اللَّهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٣٨) هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَساراً (٣٩)
تفسير المفردات
ذات الصدور: هى المعتقدات والظنون التي في النفوس، والخلائف: واحدهم خليفة، وهو الذي يقوم بما كان قائما به سلفه، مقتا: أي بغضا واحتقارا، خسارا:
أي خسارة، فالعمر كرأس مال إذا اشترى به صاحبه رضا الله ربح، وإذا اشترى به سخطه خسر.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر فيما سلف أنه ليس للظالمين من ينصرهم ويدفع العذاب عنهم- أردف ذلك بيان أنه محيط بالأشياء علما، فلو كان لهم نصير في وقت ما لعلمه.
إلى أنه تعالى لما نفى النصير على سبيل الاستمرار، وكان ذلك مظنة أن يقال كيف يخلّدون في العذاب وقد ظلموا في أيام معدودات- أعقب ذلك بذكر أنه عليم بما انطوت عليه ضمائرهم، وأنهم صمّموا على ما هم فيه من الضلال والكفر إلى الأبد، فمهما طالت أعمارهم فلن تتغير حالهم.

صفحة رقم 134

الإيضاح
(إِنَّ اللَّهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)
أي إن الله عالم ما تخفون أيها المشركون فى أنفسكم وما تضمرون، وما ستنوون أن تفعلوه، وما هو غائب عن أبصاركم في السموات والأرض، فاتقوه أن يطلع عليكم وأنتم تضمرون الكيد لرسوله، وتريدون إطفاء دينه، وتنصرون آلهتكم التي لا تنفعكم شيئا يوم القيامة.
ثم علل هذا بقوله:
(إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ)
أي لأنه عليم بما تكنه السرائر، وما تنطوى عليه الضمائر، وسيجازى كل عامل بما عمل.
وفي هذا إيماء إلى أنه لو مد أعمارهم لم يرجعوا عن الكفر أبدا، فلا مطمع فى صلاحهم.
ثم ذكر ما هو سبب آخر لعلمه بالغيب فقال:
(هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ) أي هو الذي ألقى إليكم مقاليد التصرف والانتفاع بما في الأرض لتشكروه بالتوحيد والطاعة.
(فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) أي فمن غمط مثل هذه النعمة العظيمة فإنما يعود وبال ذلك إلى نفسه دون غيره، لأنه هو المعاقب لا سواه.
ثم فصل ذلك وبيّنه بقوله:
(وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً) أي وكلما استمروا في كفرهم أبغضهم ربهم وغضب عليهم.
(وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً) أي وكلما اطمأنوا إلى كفرهم خسروا أنفسهم يوم القيامة وحق عليهم سوء العذاب.
والتكرير للتنبيه إلى اقتضاء الكفر لكل من الأمرين القبيحين البغض والخسران على سبيل الاستقلال.

صفحة رقم 135
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية