
ثم قال عز وجل: جَنَّاتُ عَدْنٍ يعني: لهم جنات عدن أي دار الإقامة يقال عدن يعدن إذا أقام قرأ أبو عمرو وابن كثير في إحدى الروايتين يَدْخُلُونَها بضم الياء، وفتح الخاء على معنى فعل ما لم يسم فاعله. وقرأ الباقون يَدْخُلُونَها على معنى أن الفعل لهم يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ يعني: يلبسون الحلي من أساور مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً قرأ نافع وعاصم وَلُؤْلُؤاً بالنصب ومعناه: يحلون أساور ولؤلؤاً. وقرأ الباقون بالكسر يعني: من ذهب ومن لؤلؤ.
ثم قال: وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ يعني: لباسهم في الجنة من حرير الجنة لا كحرير الدنيا.
قوله عز وجل: وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ يعني: حزن الموت وحزن خوف الخاتمة. ويقال: همّ العيش. ويقال: همّ المرور على الصراط إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ يغفر الذنوب شَكُورٌ يقبل اليسير من العمل ويعطي الجزيل عز وجل الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ يعني: الحمد لله الذي أنزلنا دار الخلود والمقامة. والمقام بمعنى واحد يعني: الإقامة والدوام من فضله وكرمه لاَ يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ يعني: لا يصيبنا تعب وعناء وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ يعني: لا يصيبنا فيها من أعباء كما يصيبنا في الدنيا.
ثم بين حال المشركين في النار:
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ٣٦ الى ٤٠]
وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (٣٦) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٣٧) إِنَّ اللَّهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٣٨) هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَساراً (٣٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً (٤٠)

فقال عز وجل: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يعني: جحدوا بوحدانية الله عز وجل لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضى عَلَيْهِمْ الموت. ويقال: لا يرسل عليهم ولا ينزل الموت فَيَمُوتُوا حتى يستريحوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها يعني: من عذاب جهنم كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ يعني: هكذا نعاقب كل كافر بالله تعالى. قرأ أبو عمرو يَجْزِى بالياء والضم ونصب الزاي كُلَّ كَفُورٍ بضم اللام على معنى فعل ما لم يسم فاعله. وقرأ الباقون نَجْزِي بالنون والنصب كُلَّ بنصب اللام ومعنى القراءتين يرجع إلى شيء واحد. يعني: كذلك يجزي الله تعالى.
ثم أخبر عن حالهم فيها فقال عز وجل: وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها أي: يستغيثون. يقال:
صرخ يصرخ إذا أغاث واستغاث وهو من الأضداد. ويستعمل للإغاثة والاستغاثة، لأن كل واحد منهما يصلح وهو افتعال من الصراخ. يعني: يدعون في النار ويقولون: رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ
يعني: نعمل غير الشرك وغير المعصية. يقول الله تعالى:
أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ يعني: أولم نعطكم من العمر والمهلة في الدنيا مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ يعني: يتعظ فيه من أراد أن يتعظ.
وروى مجاهد عن ابن عباس في قوله أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ قال: العمر ستون سنة وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ يعني: الشيب والهرم. وروي أن إبراهيم الخليل أول من رأى الشيب، فقال: يا رب ما هذا؟ فقال: هذا وقار في الدنيا، ونور في الآخرة. فقال: يا رب زدني وقاراً. ويقال: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ يعني: أولم نعطكم، ونطول أعماركم وما يَتَذَكَّرُ فِيهِ من تذكر أي: مقدار ما يتعظ فيه من يتعظ.
وروى أبو هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «لَقَدَ أَعْذَرَ الله إلَى عَبْدٍ أحْيَاهُ حَتَّى بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً أزَالَ عُذْرَهُ» وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ أي: الرسول فَذُوقُوا العذاب في النار فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ يعني: ما للمشركين من مانع من عذاب الله عز وجل.
ثم قال عز وجل: إِنَّ اللَّهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
يعني: غيب ما يكون في السموات والأرض. يعني: أنهم لو رُدُّواْ لعادوا لِمَا نُهُواْ عنه إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ
يعني:
عليم بما في قلوبهم. ويقال: عالم بما في قلوب العباد من الخير والشر.
ثم قال عز وجل: هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ يعني: قل لهم يا محمد الله تعالى جعلكم سكان الأرض من بعد الأمم الخالية فَمَنْ كَفَرَ بتوحيد الله فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ