
يكون، فليس من بني آدم خلق إلاّ وفي الأرض منه شيء، قال فيرسل الله جلّ ذكره ماء من تحت العرش مَنِيًّا كَمَنِيِّ الرّجلِ فتَنْبَتُ أجسادهم وَلحُمانُهُم/ من ذلك ما تَنبُتُ الأرض من الثرى، ثم قرأ: ﴿الله الذي يُرْسِلُ الرياح﴾ [الروم: ٤٨] الآية. قال: ثم يقوم ملك الصُّورِ بين السماء والأرض فينفخ فيها فتنطلق كل نفس إلى جسدها فتدخل فيه.
قوله تعالى ذكره: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ العزة فَلِلَّهِ العزة جَمِيعاً﴾ إلى قوله: ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.
أي: من كان يريد العزّة بعبادة الأوثان والأصنام فإن لله العزّة جميعاً، قاله مجاهد.
وقال قتادة: معناه: من كان يريد أن يتعزز فليتعزز بطاعة الله. وقال الفراء: معنه من كان يريد علم العزة فإنها لله جميعاً، أي: كلها له.
وقيل المعنى: من كان يريد العزّة التي لا ذلة تعقبها فهي لله، لأنّ العزّة إذا أعقبتها ذلة فهي ذلة إذ قصاراها للذلة.

و " جميعاً " منصوب على الحال. أي: إن العزة في حال اجتماعها، له في الدنيا والآخرة.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب والعمل الصالح يَرْفَعُهُ﴾ أي: إلى الله يصعد ذكر العبد ربّه، ويرفع ذكر العبد ربَّه العمل الصالح، وهو العمل بطاعة الله.
ويُقال: الكلم الطيب هو لا إله إلاّ الله، يرفعه عمل الفرائض، فإذا قال العبد لا إله إلاّ الله نظرت الملائكة إلى عمله، فإن كان عمله موافقاً لقوله صعدا جميعاً ولهما دوي كدوي النحل حتى يقف بين يدي الله تعالى، فنظر إلى قائلها نظرة لا يَيْؤُسُ بعدها أبداً، وإذا كان عمله مخالفاً لقوله، وقف حتى يموت من عمله.
قال عبد الله: إنّا إذا حدثناكم بحديث أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله تعالى، إن العبد المسلم إذا قال: سبحان الله وبحمده الحمد لله لا إله إلاّ الله والله أكبر تبارك الله، أخذهن ملك فجعلهنّ تحت جناحه ثم يصعد بهنّ إلى السماء فلا يَمُرُّ بِهِنَّ على جَمْعٍ نم الملائكة إلاّ استغفروا لقائلهنّ، ثم قرأ عبد الله:
﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب والعمل الصالح يَرْفَعُهُ﴾.
وقال كعب: إن لسبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر لدويًّا حول العرش كدويّ النحل يذكرن بصاحبهنّ. والعمل في الخزائن.
قال ابن عباس: ﴿الكلم الطيب﴾ ذكر الله، و ﴿والعمل الصالح﴾ أداء فرائضه فمن ذكر الله في أداء فرائضه، حمل عمله ذكر الله فصعد به إلى الله سبحانه.

ومن ذكر الله ولم يؤدّ فرائضه رُدَّ كلامه على عمله فكان أولى به. وكذلك قال الحسن وابن جبير ومجاهد وأبو العالية والضحاك وقال شهر بن حوشب: " الكلم الطيب " القرآن، و " العمل الصالح " يرفع القرآن. أي التوحيد يرفع القرآن.
روي عن ابن مسعود أنه قال: إذا حدثناكم بحديث آتيناكم بتصديقه من كتاب الله تعالى: خمس ما قالهنّ عبد مسلم إلاّ قبض عليهن ملكٌ فجعلهنّ تحت جناحه فيصعد بهن لا يمر بهنّ على جمع من الملائكة إلاّ استغفروا لقائلهن حتى يجيء بها الرحمن: الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلاّ الله والله أكبر وتبارك وتعالى، ثم قرأ: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب والعمل الصالح يَرْفَعُهُ﴾.

وعن قتادة أنه قال: العمل الصالح يرفعه الله. ويجب على القول أن يكون الاختيار نصب " العملَ الصالحَ ".
وقيل: إن المعنى: والعمل الصالح يرفعه الكلم الطيب. ويجب أيضاً على هذا التأويل أ، يكون الاختيار نصب " العمل الصالح "، ولم يقرأ به أحد غير عيسى بن عمر.
وما تقدم عند هذين من التأويلات لا يلزم فيها نصب " العمل " لأن الضمير لا يعود على العمل.
ثم قال: ﴿والذين يَمْكُرُونَ السيئات﴾ أي يكتسبونها.
﴿لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ يعني عذاب جهنم.
ثم قال: ﴿وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾ أي: وعمل هؤلاء المشركين هو يبطل ويهلك لأنه لم يكن لله.
قال قتادة: يبور: يفسد. يقال بار، يبور إذا هلك.
وقال شهر بن حوشب: هم أصحاب الرياء.

وقال أبو اسحاق: وقد بيّن الله مكرهم في سورة الأنفال فقال: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الذين كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ﴾ [الأنفال: ٣٠].
" الكلم الطيب " وَقْفٌ إلاّ على قراءة من نصب " والعمل ".
ثم قال تعالى: ﴿والله خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ﴾ أي: خلق آدم الذي هو أبوكم من تراب، ثم خلقكم يا ذرّيته من نطفة الرجل والمرأة ﴿ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً﴾ أي أجناساً. / وقيل: معناه: زوج الأنثى للذكر. قاله قتادة وغيره.
ثم قال تعالى: ﴿وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أنثى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ﴾ أي: هو عالم يوقت حمله ووقت وضعه وما هو أذكر أم أنثى.
ثم قال: ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ﴾ أي: ما يطول في عمر أحد ولا ينقص غيره من مثل ما عمره إلاّ في كتاب قبل أن تحمل به أمة، وقبل أن تضعه، يجعل عمر هذا طويلاً وعمر هذا أنقص منه، فلا يزاد في ذلك ولا ينقص منه.
وقال ابن عباس قولاً معناه: ليس أحد قضى الله له طول عمر ببالغ دون ذلك، ولا أحد قضى الله له قصر عمر ببالغ أطول من ذلك، كل في كتاب مبين. يعني اللوح المحفوظ، وهذا هو القول الأول بعينه.

وكذلك قال الضحاك وابن زيد.
قال ابن زيد: أن الإنسان يعيش مائة سنة، والآخر يموت حين يولد.
وهو مذهب الفراء، فالها تعود على غير المعمر، والمعنى: وما يعمر من إنسان تعمر ولا ينقص من ذلك العمر من عمر إنسان آحر إلاّ وهو في كتاب مبين.
ويجوز أن تكون تعود على المعمر على حذف، والتقدير: وما يعمر من معمّر ولا ينقص آخر من مثل عمر المعمر الأول إلاّ في كتاب. وقال ابن عباس وابن جبير: المعنى: ما يعمر من إنسان ولا ينقص من عمر ذلك الإنسان إلاّ في كتاب، أي كلّما نقص من عمر ابن آدم فهو في كتاب، أي يكتب نقص من عمره يوم، نقص شهر، نقص سنة، في كتاب آخر إلى أن يستوفى أجله فيموت.
قال ابن جبير: ما مضى من عمره فهو النقصان، وما يستقبل فهو الذي يعمره، وهذا اخيار أبي إسحاق وقوله.
وكان كعب الأحبار يذهب إلى أن الإنسان يجوز أن يزاد في عمره ما لم يحضر الأجل.
وروي أنه لما طُعِنَ عُمر رضي الله عنهـ قال: لو شاء الله لزاد في أجله فأنكر عليه ذلك

المسلمون، وقالوا: إن الله جلّ ذكره يقول: ﴿فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [النحل: ٦١]، فقال: وإن الله يقول: ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ﴾.
وقيل: إن معنى الآية: لن يكون بحكم أن عمرَ الإنسان مائة سنة إن أطاع الله وتسعون إن عصاه فأيّهما بلغ فهو في كتاب.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ﴾ أي: إحصاء أعمار خلقه عليه يسير سهل.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿وَمَا يَسْتَوِي البحران هذا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَآئِغٌ شَرَابُهُ وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ﴾. أي ما يعتدلان. والفرات: أعذب العذب، والملح الأجاج: ماء البحر.
والأجاج: المر وهو أشد المياه ملوحة في مرارة.
ثم قال: ﴿وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً﴾ أي: ومن كل البحار، يعني الحم الحوت وغيره من صيد البحرين.
ثم قال تعالى: ﴿وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ يعني اللؤلؤ والمرجان.
فقال: ﴿وَمِن كُلٍّ﴾، فَعَمَّ، هما إنما يخرجان من الملح، كما قال: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ﴾ [الرحمن: ٢٢] أي من أحدهما، هذا قول أبي اسحاق.
وقيل: إن الأصداف التي منها الدُّرُّ وغيره إنما تستخرج من المواضع التي فيها