آيات من القرآن الكريم

وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا ۚ وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ۚ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ
ﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙﰚﰛﰜﰝ

لأن في الأول تعريفا بالفعل العجيب وهو الإرسال والإثارة، وفي الثاني تذكيرا بالنعمة فإن كمال نعمة الرياح والسحب بالسوق والإحياء كَذلِكَ النُّشُورُ (٩)، أي إحياء الأموات في سهولة الحصول، فإن الأرض الميتة لما قبلت الحياة، اللائقة بها كذلك الأعضاء الميتة تقبل الحياة، وكما أنا نسوق الريح والسحاب إلى البلد الميت نسوق الروح والحياة إلى البدن الميت، وكما أنا نجمع القطع السحابية بالريح كذلك نجمع أجزاء الأعضاء المتفرقة بالروح. مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً أي من كان يريد يد العزة فليطلبها من عند الله بطاعته، لأنه لا عزة إلّا لله، فإن المشركين كانوا يتعززون بعبادة الأصنام، ومن اعتز بالعبيد أذله الله، ومن اعتز بالله أعزه الله، إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ الذي يطلب به العزة وهي كلمة:
«لا إله إلّا الله»، وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ والضمير المستكن عائد ل «الكلم» فإن مدار قبول العمل هو التوحيد، ويؤيده القراءة بنصب «العمل» أو عائد ل «العمل» فإنه لا يقوى الإيمان بلا عمل، فإذا رجع الضمير البارز للعمل كانت الضمير المستكن عائدا ل «الكلم» كما تقدم أو لله تعالى. وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ أي والذين يكسبون أصناف المكرات السيئات لهم عذاب شديد، وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (١٠) أي صنع أولئك هو يفسد ويهلك.
قيل: هي مكرات قريش بالنبي صلّى الله عليه وسلّم في دار الندوة في إحدى ثلاث: حبسه، وقتله، وإخراجه من مكة.
وقال مجاهد: نزلت هذه الآية في أهل الربا. وقال مقاتل: في أهل الشرك بالله. وقال الكلبي: المعنى يعملون السيئات وعلى هذا فيكون هذا في مقابلة قوله تعالى: وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وهو إشارة إلى بقاء العمل الصالح. وقوله: وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ إشارة إلى فناء العمل السيئ.
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ، فكل أولاد آدم من تراب ومن نطفة، لأن كلهم من نطفة، والنطفة من غذاء، والغذاء ينتهي إلى الماء والتراب ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً أي أصنافا ذكرانا وإناثا، وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ في وقته ونوعه وغير ذلك. وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ، أي وما يمد في عمر أحد وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ أي عمر أحد إِلَّا فِي كِتابٍ، أي لوح محفوظ.
وعن سعيد: يكتب عمره كذا وكذا سنة، ثم يكتب أسفل ذلك، ذهب يوم ذهب يومان حتى يأتي إلى آخره. وقيل: إن الله كتب عمر الإنسان مائة سنة إن أطاع، وتسعين إن عصى، فأيهما بلغ فهو كتاب والله تعالى بيّن كمال قدرته بقوله: خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ وكمال علمه بقوله تعالى:
وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ فإن ما في الأرحام قبل الانخلاق وما في البطن بعده لا يعلم أحد حاله كيف، والأم الحامل لا تعلم منه شيئا، ونفوذ إرادته بقوله تعالى: وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ فبين الله إنه هو القادر العالم، المريد، والأصنام لا قدرة لها ولا علم ولا إرادة فكيف يستحق واحد منها العبادة؟! إِنَّ ذلِكَ أي الخلق من تراب وكتابة الآجال عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (١١) لاستغنائه عن الأسباب فكذلك البعث، وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا

صفحة رقم 277

عَذْبٌ أي لذيذ فُراتٌ أي يكسر العطش سائِغٌ شَرابُهُ أي يسهل انحداره إلى الخلق وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ أي مر زعاق لا يستطيع شربه وَمِنْ كُلٍّ من البحرين تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا أي سمكا شهي المطعم، وَتَسْتَخْرِجُونَ من الملح خاصة حِلْيَةً، أي زينة وهي اللؤلؤ والمرجان تَلْبَسُونَها. وقوله تعالى: وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ إشارة إلى أن عدم استوائهما دليل على كمال قدرته ونفوذ إرادته، وهو دليل آخر على القدرة والوحدانية وَتَرَى الْفُلْكَ أي وترى السفن أيها الناس فِيهِ أي في كل منهما مَواخِرَ، أي شواق للماء بجريها مقبلة ومدبرة بريح واحدة لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ بالتجارة وغيرها واللام متعلقة بمواخر وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢)، أي ولتشكروا الله على نعمه، يُولِجُ اللَّيْلَ أي يدخل زيادته فِي النَّهارِ فيكون النهار أطول من الليل بقدر نقصانه، وَيُولِجُ النَّهارَ أي يدخل زيادته فِي اللَّيْلِ فيكون الليل أطول من النهار بقدر نقصانه، وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ أي ذلل ضوء الشمس والقمر لبني آدم، كُلٌّ منهما يَجْرِي في فلكه لِأَجَلٍ مُسَمًّى أي إلى وقت معلوم في منازل معروفة، ومدة الجريان للشمس سنة، وللقمر شهر. ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ أي الذي فعل هذه الأفعال هو الله الموجد لكم من العدم، المربي بجميع النعم. لَهُ الْمُلْكُ كله، وهو مالك كل شيء. وَالَّذِينَ تَدْعُونَ أي تعبدون مِنْ دُونِهِ تعالى- وهم الأصنام- ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (١٣) أي لا يقدرون أن يفعلوا من ذلك قدر الشيء الذي تعلق به النواة مع القمع، وقيل: القطمير هو القشرة الرقيقة البيضاء التي بين التمرة والنواة. وهذا استدلال على تفرده تعالى بالألوهية. إِنْ تَدْعُوهُمْ أي المعبودات من غير الله لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ، لأنها جمادات وَلَوْ سَمِعُوا على سبيل التقدير مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ أي ما أجابوكم بجلب نفع ودفع ضرر لعجزهم عن الأفعال بالمرة، وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ أي حين ينطقهم الله ينكرون عبادتكم إياهم بقولهم: ما كنتم إيانا تعبدون. وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (١٤) أي ولا يخبرك أيها السامع أحد مثلي، لأني عالم بالأشياء وغيري لا يعلمها. يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ أي إلى مغفرته ورحمته ورزقه في الدنيا، وإلى جنته في الآخرة. وهذا يوجب عبادته وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (١٥) أي والله مع استغنائه يدعوكم كل الدعاء يقضي في الدنيا حوائجكم، وإن آمنتم به يقضي في الآخرة حوائجكم فهو المستوجب للحمد. إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أي يهلككم يا أهل مكة وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٦) أي بقوم آخرين مستمرين على الطاعة، أو بعالم آخر غير ما تعرفونه، وَما ذلِكَ أي الإذهاب بهم والإتيان بآخرين عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (١٧) أي بمتعسر وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى أي لا تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى، بل إنما تحمل كل منهما إثمها، وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ أي وإن تدع نفس مثقلة بالذنوب نفسا إلى حمل بعض ذنوبها لم تجب تلك النفس المدعوة بحمل شيء من تلك الأوزار، ويروى عن الكسائي «لا تحمل» بفتح التاء الفوقية وكسر الميم

صفحة رقم 278
مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن عمر نووي الجاوي البنتني إقليما، التناري بلدا
تحقيق
محمد أمين الضناوي
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1417
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية