آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا
ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ

والذّراري، وتقسم الأموال. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لقد حكمت بحكم الله تعالى من فوق سبعة أرقعة» وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وأمر بهم فأُدخلوا المدينة، وحُفر لهم أُخدود في السّوق، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومعه أصحابه، وأُخرجوا إِليه فضُربت أعناقهم، وكانوا ما بين ستمائة إلى سبعمائة.
قوله تعالى: مِنْ صَياصِيهِمْ قال ابن عباس وقتادة: من حصونهم قال ابن قتيبة: وأصل الصيَّاصي: قرون البقر، لأنها تمتنع بها، وتدفع عن أنفسها فقيل للحصون: الصياصي، لأنها تَمنع، وقال الزجاج: كل قرن صيصية، وصيصية الديك: شوكة يتحصن بها.
قوله تعالى: وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ أي: ألقى فيها الخوف فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وهم المُقاتِلة وَتَأْسِرُونَ وقرأ ابن يعمر، وابن أبي عبلة: «وتأسُرون» برفع السين فَرِيقاً وهم النساء والذَّراري، وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ يعني عقارهم ومنازلهم ونخيلهم وَأَمْوالَهُمْ من الذهب والفضة والحُلِيّ والعبيد والإِماء وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها أي: لم تطئوها بأقدامكم بَعْدُ، وهي مما سنفتحها عليكم وفيها أربعة أقوال «١» : أحدها: أنها فارس والروم، قاله الحسن. والثاني: ما ظهر عليه المسلمون إِلى يوم القيامة، قاله عكرمة. والثالث: مكة، قاله قتادة. والرابع: خيبر، قاله ابن زيد، وابن السّائب، وابن إسحاق، ومقاتل.
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٢٨ الى ٣٤]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً (٢٨) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (٢٩) يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (٣٠) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً (٣١) يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٣٢)
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (٣٣) وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً (٣٤)
قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ... الآية.
(١١٣٢) ذكر أهل التفسير أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلّم سألنه شيئاً من عرض الدنيا، وطلبن منه زيادة في

صحيح. أخرجه مسلم ١٤٧٩ وأبو يعلى ١٦٤ من طريق سماك بن حرب عن ابن عباس عن عمر مطوّلا مع اختلاف في ألفاظه. وأخرجه البخاري ٨٩ ومسلم ١٤٧٩ والترمذي ٣٣٢٥ وأحمد ١/ ٣٣ والنسائي ٤/ ١٣٧
__________
(١) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» ١٠/ ٢٨٨: والصواب من القول أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أنه أورث المؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم أرض بني قريظة وديارهم وأموالهم، وأرضا لم يطئوها يومئذ ولم تكن مكة ولا خيبر ولا أرض فارس والروم ولا اليمن.
من طرق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور عن ابن عباس عن عمر بنحوه.

صفحة رقم 459

النفقة، وآذينه بغَيْرة بعضهنّ على بعض، فآلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم شهراً، وصَعِد إِلى غرفة له فمكث فيها، فنزلت هذه الآية، (١١٣٣) وكُنَّ أزواجُه يومئذ تسعاً: عائشة، وحفصة، وأم حبيبة، وسَوْدة، وأم سَلَمة، وصَفِيَّة الخيبريَّه، وميمونة الهلالية وزينب بنت جحش، وجويرية بنت الحارث، (١١٣٤) فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلّم فعرض الآية عليهنّ، فبدأ بعائشة، فاختارت الله ورسوله، ثم قالت: يا رسول الله لا تُخبر أزواجك أنِّي اخترتك فقال «إِن الله بعثني مُبلِّغاً ولم يبعثني متعنِّتاً». وقد ذكرت حديث التخيير في كتاب «الحدائق» وفي «المغني» بطوله.
وفي ما خيَّرهنَّ فيه قولان «١» : أحدهما: أنه خيَّرهن بين الطلاق والمقام معه، هذا قول عائشة رضي الله عنها. والثاني: أنه خيَّرهنَّ بين اختيار الدنيا فيفارقهنّ، أو اختيار الآخرة فيُمسكهنّ، ولم يخيِّرهنّ في الطلاق، قاله الحسن، وقتادة.
وفي سبب تخييره إِيَّاهُنَّ ثلاثة أقوال. أحدها: أنَّهنَّ سألنَه زيادة النَّفقة. والثاني: أنَّهنَّ آذَينه بالغَيْرة. والقولان مشهوران في التفسير. والثالث: أنه لمَّا خُيِّر بين ملك الدنيا ونعيم الآخرة فاختار الآخرة، أُمِر بتخيير نسائه ليكنَّ على مِثْل حاله، حكاه أبو القاسم الصّيمري.
والمراد بقوله تعالى: أُمَتِّعْكُنَّ: مُتعة الطلاق. والمراد بالسَّراح: الطلاق، وقد ذكرنا ذلك في البقرة «٢». والمراد بالدار الآخرة. الجنة. والمُحْسِنات: المُؤْثِرات للآخرة.
قال المفسرون: فلمّا اخترنه أثابهنّ الله عزّ وجلّ ثلاثة أشياء: أحدها: التفضيل على سائر النساء بقوله تعالى: لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ. والثاني: أن جَعَلَهُنَّ أُمَّهات المؤمنين. والثالث: أن حظر عليه طلاقَهُنَّ والاستبدال بهنّ بقوله تعالى: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ «٣». وهل أبيح له بعد ذلك

أخرجه الطبري ٨٤٦١ عن قتادة مرسلا، وله شواهد.
صحيح. أخرجه مسلم ١٤٧٨ وأحمد ٣/ ٣٢٨ وأبو يعلى ٢٢٥٣ والبيهقي ٧/ ٣٨ من حديث جابر مطولا.
__________
(١) قال الحافظ في «الفتح» ٨/ ٥٢١: قال الماوردي: اختلف هل كان التخيير بين الدنيا والآخرة، أو بين الطلاق والإقامة عنده؟ على قولين للعلماء أشبههما بقول الشافعي الثاني، ثم قال: إنه الصحيح، وكذا قال القرطبي:
اختلف في التخيير. قال الحافظ: والذي يظهر الجمع بين القولين، لأن أحد الأمرين ملزوم الآخر، وكأنهنّ خيرن بين الدنيا فيطلقهنّ، وبين الآخرة فيمسكهن، وهو مقتضى سياق الآية.
- وقال القرطبي رحمه الله في «التفسير» ١٢/ ١٧٠: اختلف العلماء في كيفية تخيير النبي صلى الله عليه وسلّم أزواجه على قولين: الأول: أنه خيرهن في البقاء على الزوجية أو الطلاق، قالته عائشة ومجاهد وعكرمة والشعبي والزهري وربيعة. والثاني: أنه خيرهن بين الدنيا والآخرة، ذكره الحسن وقتادة، ومن الصحابة علي. والأول أصح لقول عائشة لما سئلت عن الرجل يخير امرأته، فقالت: قد خيّرنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، أفكان طلاقا. ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلّم إلا التخيير المأمور بين البقاء والطلاق اه ملخصا.
- والذي ذهب إليه القرطبي هو الصواب إن شاء الله تعالى، وحديث عائشة أخرجه البخاري ٥٢٦٢ و ٥٢٦٣ ومسلم ١٤٧٧ ح ٢٥ و ٢٦.
(٢) البقرة: ٢٣١.
(٣) الأحزاب: ٥٢.

صفحة رقم 460

التزويج عليهنّ؟ فيه قولان سيأتي ذِكْرهما إِن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ أي: بمعصية ظاهرة. قال ابن عباس: يعني النشوز وسوءَ الخُلُق يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ أي: يُجعل عذاب جُرمها في الآخرة كعذاب جُرمَين، كما أنها تُؤتى أجرَها على الطاعة مرتين. وإِنما ضوعف عِقابُهنّ، لأنهنّ يشاهدن من الزّواجر الرّادعة ما لا يُشاهِد غيرُهن، فاذا لم يمتنعن استحققن تضعيف العذاب، ولأن في معصيتهنَّ أذىً لرسول الله صلى الله عليه وسلّم وجرم من آذى رسول الله صلى الله عليه وسلّم أكبرُ من جُرم غيره.
قوله تعالى: وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً أي: وكان عذابُها على الله عزّ وجلّ هيّنا. وَمَنْ يَقْنُتْ أي: تطع، وأَعْتَدْنا قد سبق بيانه «١»، والرِّزق الكريم: الحَسَن، وهو الجنة.
ثُمَّ أظهر فضيلتهنّ على النساء بقوله تعالى: لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ قال الزجاج: لم يقل:
كواحدة من النساء، لأن «أَحَداً» نفي عامّ للمذكَّر والمؤنَّث والواحد والجماعة. قال ابن عباس: يريد:
ليس قدرُكُنَّ عندي مثل قَدْر غيركنَّ من النساء الصالحات، أنْتُنَّ أكرمُ عليَّ، وثوابُكُنَّ أعظم إِنِ اتَّقَيْتُنَّ، فشرط عليهن التقوى بياناً أن فضيلتهنَّ إِنَّما تكون بالتقوى، لا بنفس اتصالهنّ برسول الله صلى الله عليه وسلّم.
قوله تعالى: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ أي: لا تلِنَّ بالكلام فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ أي: فُجور والمعنى: لا تَقُلْنَ قولاً يجد به منافق أو فاجر سبيلاً إِلى موافقتكن له، والمرأة مندوبة إِذا خاطبت الأجانب إِلى الغِلظة في المَقَالة، لأن ذلك أبعد من الطمع في الرِّيبة. وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً أي: صحيحاً عفيفاً لا يُطمِع فاجراً. وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ قرأ نافع، وعاصم إِلا أبان، وهبيرة، والوليد بن مسلم عن ابن عامر: «وقََرْنَ» بفتح القاف وقرأ الباقون بكسرها. قال الفراء: من قرأ بالفتح، فهو من قَرَرْتُ في المكان، فخفِّفت، كما قال: ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً «٢»، ومن قرأ بالكسر، فمن الوَقار، يقال: قِرْ في منزلك. وقال ابن قتيبة: من قرأ بالكسر، فهو من الوقار، يقال: وَقَرَ في منزله يَقِرُ وَقُوراً. ومن قرأ بنصب القاف جعله من القرار. وقرأ أُبيُّ بن كعب، وأبو المتوكل: «واقْرَرْنَ» باسكان القاف وبراءين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة. وقرأ ابن مسعود، وابن أبي عبلة مثله، إِلا أنهما كسرا الراء الأولى.
قال المفسرون: ومعنى الآية: الأمر لهن بالتوقُّر والسكون في بُيوتهنَّ وأن لا يَخْرُجْنَ.
قوله تعالى: وَلا تَبَرَّجْنَ قال أبو عبيدة: التبرُّج: أن يُبْرِزن محاسنهن. وقال الزجاج: التبرُّج:
إِظهار الزِّينة وما يُستدعى به شهوةُ الرجل. وفي الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى أربعة أقوال: أحدها: أنها كانت بين إِدريس ونوح، وكانت ألف سنة، رواه عكرمة عن ابن عباس. والثاني: أنها كانت على عهد إِبراهيم عليه السلام، وهو قول عائشة رضي الله عنها. والثالث: بين نوح وآدم، قاله الحكم. والرابع: ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام، قاله الشعبي. قال الزجاج: وإِنما قيل: «الأولى»، لأن كل متقدِّم أوَّل، وكل متقدِّمة أُولى، فتأويله: أنهم تقدّموا أمّة محمّد صلى الله عليه وسلّم.
وفي صفة تبرُّج الجاهلية الأولى ستة أقوال: أحدها: أن المرأة كانت تخرج فتمشي بين الرجال، فهو التبرج، قاله مجاهد. والثاني: أنها مِشية فيها تكسُّر وتغنُّج، قاله قتادة. والثالث: أنه التّبختر، قاله

(١) النساء: ٣٧.
(٢) طه: ٩٧.

صفحة رقم 461

ابن أبي نجيح. والرابع: أن المرأة منهن كانت تتخذ الدِّرع من اللؤلؤ فتَلْبَسُه ثم تمشي وسط الطريق ليس عليها غيره، وذلك في زمن إِبراهيم عليه السلام، قاله الكلبي. والخامس: أنها كانت تُلقي الخِمار عن رأسها ولا تشُدُّه، فيُرى قُرْطها وقلائدها، قاله مقاتل. والسادس: أنها كانت تَلْبَس الثياب تبلغ المال، لا تواري جَسدها، حكاه الفراء.
قوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ وفيه للمفسرين خمسة أقوال: أحدها:
الشرك، قاله الحسن. والثاني: الإِثم، قاله السدي. والثالث: الشيطان، قاله ابن زيد. والرابع: الشكّ.
والخامس: المعاصي، حكاهما الماوردي. قال الزجاج: الرِّجس: كل مستقذَر من مأكول أو عمل أو فاحشة. ونصب «أهلَ البيت» على وجهين: أحدهما: على معنى: أعني أهلَ البيت. والثاني: على النداء، فالمعنى: يا أهل البيت. وفي المراد بأهل البيت ها هنا ثلاثة أقوال «١» : أحدها: أنهم نساء رسول الله صلى الله عليه وسلّم، لأنهنَّ في بيته، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وبه قال عكرمة، وابن السّائب، ومقاتل. ويؤكّد هذا القولَ أن ما قبله وبعده متعلِّق بأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وعلى أرباب هذا القول اعتراض، وهو أن جمع المؤنَّث بالنون، فكيف قيل: «عنكم» «ويطهركم» ؟ فالجواب أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيهنَّ، فغلّب المذكَّر. والثاني: أنه خاصٌّ في رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعليّ وفاطمة والحسن والحسين رضوان الله عليهم، قاله أبو سعيد الخدري.
(١١٣٥) وروي عن أنس وعائشة وأمّ سلمة نحو ذلك.

أصل الحديث. ورد عن جماعة من الصحابة.
١- حديث أم سلمة، وله طرق متعددة: الأول: أخرجه الطحاوي في «المشكل» ٧٦٦ من طريق الأجلح عن شهر بن حوشب عن أم سلمة، وعبد الملك عن عطاء عن أم سلمة. وإسناده حسن في الشواهد، الأجلح هو ابن عبد الله، وثقه قوم، وضعفه آخرون، وقد تابعه عبد الملك بن أبي سليمان، وهو ثقة، لكن لم يسمع عطاء من أم سلمة. وأخرجه أحمد ٦/ ٣٠٤ والترمذي ٣٨٧٦ والطبراني ٢٣ (٧٦٩) عن زبيد بن الحارث عن شهر عن أم سلمة. وإسناده لين لأجل شهر. الطريق الثاني: أخرجه الطحاوي ٧٦٨ والطبري ٢٨٤٩٥ و ٢٨٤٩٧ من طريق عطية العوفي عن أبي سعيد عن أم سلمة. وإسناده واه لأجل عطية العوفي. الطريق الثالث: أخرجه الطحاوي ٧٦٥ و ٧٧٢ من طريق عمرة بنت أفعى عن أم سلمة. وإسناده ضعيف لجهالة عمرة. الطريق الرابع: أخرجه الطحاوي ٧٦٣ والطبري ٢٨٤٩٨ من طريق عبد الله بن وهب بن زمعة. وإسناده ضعيف، فيه خالد بن مخلد
__________
(١) قال الحافظ ابن كثير في «التفسير» ٣/ ٥٩٨: ثم الذي لا يشك فيه من تدبر القرآن أن نساء النبي صلى الله عليه وسلّم داخلات في قوله إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ... ، فإن سياق الكلام معهن، ولهذا قال تعالى بعد هذا كله وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ أي: واعملن بما ينزل الله على رسوله في بيوتكن من الكتاب والسنة، قاله قتادة وغيره واحد.
- وقال القرطبي رحمه الله في «التفسير» ١٤/ ١٨٢- ١٨٣: اختلف أهل العلم في أهل البيت من هم؟
- فقال عطاء وعكرمة وابن عباس: هم زوجاته خاصة، لا رجل معهنّ.
- وقالت فرقة منهم الكلبي: هم علي وفاطمة والحسن والحسين خاصة.
- والذي يظهر من الآية أنها عامة في جميع أهل البيت من الأزواج وغيرهم، وإنما قال وَيُطَهِّرَكُمْ لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعليا وحسنا وحسينا فيهم، وإذا اجتمع المذكر والمؤنث غلّب المذكر، فاقتضت الآية أن الزوجات من أهل البيت، لأن الآية فيهنّ، والمخاطبة لهنّ، يدل عليه سياق الكلام اه ملخصا.

صفحة رقم 462

والثالث: أنهم أهل رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأزواجه، قاله الضحاك. وحكى الزجاج أنهم نساء النبيّ صلى الله عليه وسلّم والرجال الذين هم آله قال: واللغة تدل على أنها للنساء والرّجال جميعا، لقوله تعالى: عَنْكُمُ بالميم، ولو كانت للنساء، لم يجز إِلاَّ «عنكنّ» «ويُطهركنّ».
قوله تعالى: وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فيه ثلاثة أقوال: أحدها: من الشِّرك، قاله مجاهد. والثاني: من السُّوء، قاله قتادة. والثالث: من الإثم، قاله السّدّيّ، ومقاتل.

القطواني، غير حجة، وموسى بن يعقوب سيء الحفظ. الطريق الخامس: أخرجه الطحاوي ٧٦٢ والطبري ٢٨٥٠٢ والطبراني ٢٣ (٧٥٠). وإسناده ضعيف، فيه عنعنة الأعمش، وهو مدلس، وفيه جعفر بن عبد الرحمن البجلي، وهو شبه مجهول، حيث وثقه ابن حبان وحده. الطريق السادس: أخرجه الطبري ٢٨٤٩٦ من طريق سعيد بن زربي عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن أم سلمة. وإسناده ضعيف لضعف سعيد بن زربي. ولفظه عند الترمذي: عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلّم جلل على الحسن والحسين وعلي وفاطمة كساء، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فقالت أم سلمة: وأنا معهم يا رسول الله قال: إنك إلى خير. قال الترمذي: هذا حديث حسن، وهو أحس شيء روي في هذا الباب.
٢- حديث عائشة رضي الله عنها: أخرجه مسلم ٢٤٢٤ والطبري ٢٨٤٨٨ من طريقين عن محمد بن بشر عن زكريا به وإسناده غير قوي، فيه مصعب بن شيبة، فهو وإن روى له مسلم فقد ضعفه غير واحد، لذا لينه الحافظ في «التقريب» لكن لم ينفرد بهذا المتن. وأخرجه الحاكم ٣/ ١٤٧ من طريق عبيد الله عن زكريا به! وصححه الحاكم على شرطهما ووافقه الذهبي!، وليس كما قالا، فقد تفرد. وأخرجه البغوي ٣٨٠٤ من طريق الوليد بن شجاع عن يحيى بن زكريا به. ولفظه عند مسلم: قالت عائشة: خرج النبي صلى الله عليه وسلّم غداة وعليه مرط مرحّل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله. ثم جاء الحسين فدخل معه. ثم جاءت فاطمة فأدخلها. ثم جاء علي فأدخله ثم قال: «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا».
٣- حديث واثلة بن الأسقع: أخرجه أحمد ٤/ ١٠٧ وفي «الفضائل» ٩٧٨ وابن أبي شيبة ١٢/ ٧٢- ٧٣ وابن حبان ٦٩٧٦ والحاكم ٣/ ١٤٧ والطحاوي في «المشكل» ٧٧٣ والطبري ٢٨٤٩٤ من طرق عن الأوزاعي ثني شداد أبو عمار قال سمعت واثلة... بنحو الحديث المتقدم، وليس فيه ذكر أم سلمة أصلا. وإسناده صحيح. شداد من رجال مسلم، وباقي الإسناد على شرط الشيخين، وقد صححه الحاكم على شرطهما، وتعقبه الذهبي بقوله: على شرط مسلم. وكرره الطبري ٢٨٤٩٣ من طريق كلثوم المحاربي عن شداد به، وإسناده حسن في الشواهد.
٤- حديث عمرو بن أبي سلمة: أخرجه الترمذي ٣٧٨٧ والطبري ٢٨٤٩٩ والطحاوي في «المشكل» ٧٧١ من طريق يحيى بن عبيد المكي عن عطاء عن عمر بن أبي سلمة به. ورجاله ثقات معروفون غير يحيى بن عبيد حيث قال الحافظ في «التقريب» : يحيى بن عبيد عن عطاء، يحتمل أن يكون الذي قبله، وإلا فمجهول. وقال عن الذي قبله: يحيى بن عبيد المكي، مولى بني مخزوم، ثقة من السادسة. قلت: قد توبع على أكثر هذا المتن، دون لفظ «وجعل عليا خلفه» فقد تفرد به، وهو غريب.
٥- حديث سعد بن أبي وقاص: أخرجه مسلم ٢٤٠٤ ح ٣٢ والترمذي ٢٩٩٩ و ٣٧٢٤ وأحمد ١/ ١٨٥ والنسائي في «الخصائص» ١١ والطحاوي في «المشكل» ٧٦١ من طرق عن حاتم بن إسماعيل عن بكير بن مسمار عن عامر بن سعد عن سعد قال: لما نزلت هذه الآية فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم عليا وفاطمة وحسنا وحسينا، فقال: «اللهم هؤلاء أهلي». لفظ مسلم والترمذي وغيرهما دون النسائي والطحاوي حيث ذكر في الحديث الآية التي في الأحزاب. وكرره النسائي ٥٤ والطبري ٢٨٥٠١ والحاكم ٣/ ١٠٨ من وجه آخر، وليس فيه ذكر الآية أصلا، بل فيه «حين نزل الوحي» وإسناده صحيح.
الخلاصة: هو حديث صحيح بمجموع طرقه وشواهده. وأصح متن وإسناد في هذا الباب حديث سعد ثم حديث واثلة ثم حديث أم سلمة لطرقه الكثيرة ثم حديث عائشة ثم حديث عمر بن أبي سلمة.

صفحة رقم 463
زاد المسير في علم التفسير
عرض الكتاب
المؤلف
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
سنة النشر
1422
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية