
يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (٣٠)
شرح الكلمات:
قل لأزوجك: أي اللائي هن تحته يومئذ وهن تسع طلبن منه التوسعة في النفقة عليهن ولم يكن عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما يوسع به عليهن.
فتعالين: أي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان يومئذ قد اعتزلهن شهرا.
أمتعكن: أي متعة الطلاق المشروعة على قدر حال المطلق سعة وضيقا.
أسرحكن سراحا جميلا: أي أطلقكن طلاقاً من غير إضرار بكن.
تردن الله ورسوله والدار الآخرة: أي تردن رضا الله ورسوله والجنة.
فإن الله أعد للمحسنات: أي عشرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زيادة على الإحسان العام.
بفاحشة مبينة: أي بنشوز وسوء خلق يتأذى به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
يضاعف لها العذاب ضعفين: أي مرتين على عذاب غيرهن ممن آذين أزواجهن.
وكان ذلك على الله يسيراً: أي مضاعفة العذاب يسيرة هينة على الله تعالى.
معنى الآيات:
شاء الله تعالى أن يجتمع نساء الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما رأين نساء الأنصار والمهاجرين قد وُسّع عليهن في النفقة لوجود يسر وسعة رزق بين أهل المدينة، أن يطالبن بالتوسعة في النفقة عليهن أسوة بغيرهن وكن يومئذ تسعا وهن عائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وسودة بنت زمعة، وأم سلمة بنت أمية، وزينب بنت جحش، وميمونة بنت الحارث الهلالية، وجورية بنت الحارث المصطلقية، وصفيّة بنت حيي بن أخطب النضريّة فأبلغت عائشة ذلك رسول الله صلى

الله عليه وسلم فتأثر لذلك، لعدم القدرة على ما طُلب منه وقعد في مشربة له واعتزلهن شهراً كاملا حتى أنزل الله تعالى آية التخيير وهي هذه ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ (١) الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا﴾ من لذيذ الطعام والشراب وجميل الثياب وحلي الزينة ووافر ذلك كله فتعالين إلى مقام الرسول الرفيع ﴿أُمَتِّعْكُنَّ﴾ المتعة المشروعة في الطلاق ﴿وَأُسَرِّحْكُنَّ﴾ أي أطلّقكن (٢) ﴿سَرَاحاً جَمِيلاً﴾ أي لا إضرار معه، ﴿وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ﴾ أي رضاهما ﴿وَالدَّارَ الْآخِرَةَ﴾ أي الجنة ﴿فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ﴾ أي هيأ وأحضر ﴿لِلْمُحْسِنَاتِ﴾ طاعة الله ورسوله ﴿مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً﴾ وهو المقامات العالية في حضرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دار السلام.
وخيرهن صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امتثالا لأمر الله في قوله ﴿قُلْ لِأَزْوَاجِكَ﴾ وبدأ بعائشة (٣) فقال لها: إني أريد أن أذكر لك أمراً فلا تقضي فيه شيئاً حتى تستأمري أبويك أي تطلبين أمرهما في ذلك وقرأ عليها الآية فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة، وتتابعن على ذلك فما اختارت منهنّ امرأة غير الله ورسوله والدار الآخرة فأكرمهن الله لذلك وأنزل على رسوله: ﴿لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً﴾
وقوله تعالى ﴿يَا نِسَاءَ (٤) النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ أي بخصلة قبيحة ظاهرة كسوء عشرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن الله تعالى ﴿يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ﴾ يوم القيامة لأن أذيّة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أبواب الكفر والعياذ بالله تعالى ﴿وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً﴾ أي وكان تضعيف العذاب على من أتت بفاحشة (٥) مبينة شيئا يسيراً على الله لا يعجزه حتى لا يفعله وهذا لأمرين الأول لأن أذيّة الرسول من أبواب الكفر والثاني لعلو مقامهن وشرفهن فإن ذا الشرف والمنزلة العالية يستقبح منه القبيح أكثر مما يستقبح من غيره.
٢ - معنى إرادة الحياة الدنيا إيثارك ما في الحياة الدنيا من متع وترف على الاشتغال بالطاعات والزهد في زينة الحياة الدنيا ومظاهرها الساحرة الخلابة.
٣ - نص الحديث: "يا عائشة إني أريد أن أعرض عليك أمراً أحب ألا تتعجلي فيه حتى تستشيري أبويك، قالت: وما هو يا رسول الله؟ فتلى عليها الآية. قالت أفيك يا رسول الله أستشيري أبوي؟! بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة".
٤ - ناداهن الله تعالى بعنوان نساء النبي إعلان عن شرفهن وكمالهن بعد أن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة.
٥ - إذا أطلق لفظ الفاحشة معرفاً بأل فهو الزنى، وإذا ورد نكرة فهو المعصية كما في هذه الآية.

هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- مشروعية تخيير الزوجات فإن اخترن الطلاق تطلّقن وإن لم تخترنه فلا يقع الطلاق.
٢- كمال أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث اخترن الله ورسوله والدار الآخرة عن الدنيا وزينتها.
٣- مشروعية المتعة بعد الطلاق وهي أن تعطى المرأة شيئا من المال بحسب غنى المطلق وفقره لقوله تعالى ﴿عَلَى المُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى المُْقْتِرِ قَدَرُهُ﴾
٤- وجوب الإحسان العام والخاص، الخاص بالزوج والزوجة والعام في طاعة الله ورسوله.
٥- بيان أن سيئة العالم الشريف أسوأ من سيئة الجاهل الوضيع. ولذا قالوا سيئات الأبرار حسنات المقربين كمثل من الأمثال السائرة للعظة والاعتبار.