آيات من القرآن الكريم

قُلْ صَدَقَ اللَّهُ ۗ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ

(قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا... (٩٥)
* * *
الأمر للنبي - ﷺ -، فقد أمره أن يذكر لهم صدق الله تعالى فيما أخبره به من أن إبراهيم ما حرم الإبل ولا ألبانها، وأن بني إسرائيل من قبل التوراة كان كل الطعام الطيب حلالا لهم غير حرام عليهم.

صفحة رقم 1318

وفى ذلك إشارة إلى أنهم يعاندون الله تعالى بأخبارهم الكاذبة، وأن كلامهم لَا يروج عند مؤمن، لأنه إما أن يصدِّق الله تعالى ذا الجلال والإكرام، المنفرد بحق العبودية، والمنفرد بالألوهية، وإما أن يصدق أخبارهم الكاذبة التي تتنزى بالحقد والحسد الدفين.
وإذا كانوا يتمسحون بإبراهيم فعليهم أن يتبعوه في أخص شريعته ولبها، ولذا قال: (فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا) أي اتبعوا منهاجه وشرعته وطريقته، وقد كان طريقه هو طريق الفطرة السليمة، ولذلك وصفه بقوله " حنيفا " أي متجها إلى الحق لَا ينحرف عنه إلى غيره، ولا يسلك غير سبيل المؤمنين يجيب داعي الحق إذا دعي إليه.
وإذا استمروا على طريقهم من معاندة الحق ومنازلته، وإثارة غبار الشك حوله، فإنهم بعيدون عن إبراهيم، كما بعد عنه المشركون، وقد أكد سبحانه بعْد إبراهيم عن الشرك بقوله:
(وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) هذا نفي الإشراك عن إبراهيم عليه السلام نفيا مؤكدا وهو مؤكد بالجملة الأسمية، وبالفعل " كان "، فهو نفي للكينونة أي الوجود، فهو لم يوجد مشركا ولا يمكن أن يكون مشركا، أو يدخل في صفوف المشركين، وفي ذلك بيان براءة إبراهيم من مشركي قريش براءته من اليهود، فليس لأحد الفريقين أن يتمسح به، وأن يذكر أنه يسير على ملته، وهو لَا يخلص في قول ولا يجعل وجهته رب العالمين.
اللهم اهدنا بهديك، وخلص قلوبنا، وأصلح أحوالنا، ووفقنا إلى الإخلاص في القول والعمل إنك سميع الدعاء.
* * *

صفحة رقم 1319

(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (٩٦) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (٩٧)
* * *
بين الله سبحانه وتعالى بطلان ما كان يحتج به أهل الكتاب في الآيات السابقة، ورد عليهم بما يرشدهم إلى الصواب لو كانوا طلاب هداية، وباحثين عن الحقيقة لَا يبغونها عوجا، وفي هذه الآية وما وليها، يرشدهم إلى الأمر الجامع الذي يلتقون فيه مع العرب، وهو الاتصال بإبراهيم الذي يعتزون بنسبتهم إليه، وهو جد إسرائيل الذي كان منه الأسباط، وكان منه عن طريقهم من ينتمي إليهم من النبيين الذين أنشأوا بيت المقدس، وأقاموا الدولة المقدسة في الأرض المقدسة، والتي لم يحسن اليهود مِن بعدهم القيام عليها، بل عثوا فيها بالفساد، حتى مزقهم بُختنصَّر شَرَّ ممزق، وشرد الرومانُ بعد ذلك بهم من خلفهم، حتى جاء المسلمون فأعادُوا إلى الوادي المقدس شريعة الله المقدسة، وهي الإسلام الذي كتب له أن يعمره بها إلى يوم القيامة (١): (وَكانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا)، ولقد ذكر الله سبحانه ذلك الأمر الجامع في بيان شرف بيت الله الحرام فقال:
________
(١) روى الإمام أحمد (٢١٢٨٦) في مسنده عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الدِّينِ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: " بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ".

صفحة رقم 1320
زهرة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة
الناشر
دار الفكر العربي
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية