آيات من القرآن الكريم

قُلْ صَدَقَ اللَّهُ ۗ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ

والعوض، ومنهم من ينفق على مراقبة دفع البلاء والحزن، ومنهم من ينفق اكتفاء بعلمه، قال قائلهم:

ويهتز للمعروف فى طلب العلى لتذكر يوما- عند سلمى- شمائله
قوله جل ذكره:
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٩٣ الى ٩٤]
كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاَّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٩٣) فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩٤)
الأصل فى الأشياء ألا يشرع فيها بالتحليل والتحريم، فما لا يوجد فيه حدّ فذلك من الحق- سبحانه- توسعة ورفقة إلى أن يحصل فيه أمر وشرع فإنّ الله- سبحانه- وسّع أحكام التكليف على أهل النهاية «١»، فسبيلهم الأخذ بما هو الأسهل لتمام ما هم به من أحكام القلوب، فإن الذي على قلوبهم من المشاق أشد. وأما أهل البداية فالأمر مضيّق عليهم فى الوظائف والأوراد فسبيلهم الأخذ بما هو الأشق والأصعب لفراغهم بقلوبهم من المعاني، فمن ظنّ بخلاف هذا فقد غلط.
والإشارة من هذه الآية أيضا فى قوله: «فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ»
إلى أحوال أهل الدعاوى والمغاليط فإنهم يخلون بنفوسهم فينسبون إلى الله- سبحانه- هواجسها، والله برئ عنها. وعزيز عبد يفرّق بين الخواطر والهواجس.
قوله جل ذكره:
[سورة آل عمران (٣) : آية ٩٥]
قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٩٥)
ملّة إبراهيم الخروج إلى الله بالكلية، والتسليم لحكمه من غير أن تبقى بقية فإثبات ذرة فى الحسبان من الحدثان شرك- فى التحقيق.
قوله جل ذكره:
[سورة آل عمران (٣) : آية ٩٦]
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (٩٦)
(١) أهل النهاية هم العوام، وأهل البداية هم الخواص.

صفحة رقم 259

البيت حجرة والعبد مدرة، فربط المدرة بالحجرة، فالمدر مع الحجر.
وتعزّز وتقدّس من لم يزل.
ويقال البيت مطاف النفوس، والحق سبحانه مقصود القلوب! البيت أطلال وآثار وإنما هى رسوم وأحجار ولكن:

تلك آثارنا تدلّ علينا فانظروا بعدنا إلى الآثار
ويقال البيت حجر، ولكن ليس كل حجر كالذى يجانسه من الحجر.
حجر ولكن لقلوب الأحباب مزعج بل لأكباد الفقراء منفج «١»، لا بل لقلوب قوم مثلج مبهج، ولقلوب الآخرين منفج مزعج.
وهم على أصناف: بيت هو مقصد الأحباب ومزارهم، وعنده يسمع أخبارهم ويشهد آثارهم.
بيت من طالعه بعين التفرقة عاد بسر خراب، ومن لاحظه بعين الإضافة حظى بكل تقريب وإيجاب، كما قيل:
إن الديار- وإن صمتت- فإنّ لها عهدا بأحبابنا إذ عندها نزلوا
بيت من زاره بنفسه وجد ألطافه، ومن شهده بقلبه نال كشوفاته.
(١) نفج الأرب أثاره والنافجة الربح الشديدة، فيكون معنى منفج شديد الإثارة.

صفحة رقم 260

ويقال قال سبحانه: «وَطَهِّرْ بَيْتِيَ» وأضافه إلى نفسه، وقال هاهنا: «إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ» وفى هذا طرف من الإشارة إلى عين الجمع «١».
وسميت (بكة) لازدحام الناس، فالكلّ يتناجزون على البدار إليه، ويزدحمون فى الطواف حواليه، ويبذلون المهج فى الطريق ليصلوا إليه.
والبيت لم يخاطب أحدا منذ بنى بمنية، ولم يستقبل أحدا بحظوة، ولا راسل أحدا بسطر فى رسالة، فإذا كان البيت الذي خلقه من حجر- هذا وصفه فى التعزز «٢» فما ظنّك بمن البيت له. قال صلّى الله عليه وسلّم مخبرا عنه سبحانه: «الكبرياء ردائى والعظمة إزارى».
ويقال إذا كان البيت المنسوب إليه لا تصل إليه من ناحية من نواحيه إلا بقطع المفاوز والمتاهات فكيف تطمع أن تصل إلى ربّ البيت بالهوينى دون تحمّل المشقات ومفارقة الراحات؟! ويقال لا تعلّق قلبك بأول بيت وضع لك ولكن أفرد سرّك لأول حبيب آثرك.
ويقال شتّان بين عبد اعتكف عند أول بيت وضع له وبين عبد لازم حضرة أول عزيز كان له.
ويقال ازدحام الفقراء بهممهم حول البيت ليس بأقل من ازدحام الطائفين بقدمهم، فالأغنياء يزورون البيت، ويطوفون بقدمهم، والفقراء يبقون عنه فيطوفون حوله بهممهم.
ويقال الكعبة بيت الحق سبحانه فى الحجر، والقلب بيت الحق سبحانه فى السّر، قال قائلهم:

لست من جملة المحبين إن لم أجعل القلب بيته والمقاما
وطوافى إجالة السّر فيه وهو ركنى إذا أردت استلاما
فاللطائف تطوف بقلوب العارفين، والحقائق تعتكف فى قلوب الموحّدين، والكعبة مقصود العبد بالحج، والقلب مقصود الحق بإفراده إياه بالتوحيد والوجد.
(١) ربما كان فى الأصل (...... الإشارة إلى عين الجمع، «وأول بيت وضع للناس» إشارة إلى الفرق) في الأول نسب البيت إلى نفسه، وفى الثاني أشار إلى وضعه للناس.
وسقطت هذه العبارة الأخيرة من الناسخ.
(٢) وردت (التعذر) والسياق يتطلب (التعزز).

صفحة رقم 261
تفسير القشيري
عرض الكتاب
المؤلف
عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك القشيري
تحقيق
إبراهيم البسيوني
الناشر
الهيئة المصرية العامة للكتاب - مصر
سنة النشر
2000
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية