
والتفسير يدل على النصب لأنهم قالوا للنبي ﷺ: أتريد أن نعبدك، فأنزل الله ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ﴾ أن يفعل كذا وكذا، ولا أن يأمركم بكذا فنفى عنه ما أسندوا إليه، ثم قال: ولكن له أن يقول ويأمر ﴿كُونُواْ ربانيين﴾.
ثم قال: ﴿أَيَأْمُرُكُم بالكفر﴾ أي أيأمركم نبيكم بالكفر فهذا ظاهر الآية والتفسير، وهو تابع لقراءة النصب في المعنى.
وقيل المعنى أيأمركم الله بالكفر فهذا رد على قراءة من قراء بالرفع.
قوله: ﴿وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النبيين لَمَآ آتَيْتُكُم﴾.
أي: واذكر إذ أخذ الله. واللام في " لما " لام تأكيد " وما " بمعنى الذي في موضع رفع بالابتداء، و (من) لبيان الجنس والهاء محذوفة من آتيناكم و، ﴿مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ﴾ الخبر هذا مذهب الخليل وسيبويه.

وأجاز الأخفش أن يكون الخبر ﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ﴾ وهذا لام قسم كأنه قال: والله لتؤمنن به.
وقال الكسائي: ما للشرط وهي في موضع نصب، واللام لام تأكيد كما تقول والله لئن زيد ضربت لأضربنك به.
ومن كسر اللام في " لما " فهي لام الجر أي: أخذ الميثاق الذي أتاهم من كتاب وحكمة، ويكون ﴿لَتُؤْمِنُنَّ﴾ من أخذ الميثاق وكأن تقول: أخذت ميثاقك لا تفعلن.
وفي قراءة ابن مسعود ﴿وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النبيين﴾، وكذلك قرأها أبي بن كعب، ودليله قوله: ﴿ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ﴾ وهو محمد ﷺ ولم يأتِ إلا لأهل الكتاب، وغيرهم دون النبيين، ثم ﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ﴾ فليس في هذا أمر من نبيين، إنما هو أمر لمن أخذ الله عليه الميثاق، وهم أهل الكتاب، وهذا المعنى مروي عن مجاهد وغيره قالوا: إنما أخذ الله الميثاق على أهل الكتاب في الإيمان بالأنبياء والنصر لهم، ولم يؤخذ على النبيين نصر لقومهم، ولا إيمان بقومهم.
وقال ابن عباس: المعنى وأخذ الله ميثاق النبيين على قومهم. وقال طاووس: أخذ الله ميثاق النبيين أن يصدق بعضهم بعضاً.

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنهـ: لم يبعث الله نبياً آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في محمد ﷺ لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه ويأمره فيأخذ العهد على قومه بذلك.
وقال قتادة: أخذ الله على النبيين أن يصدق بعضهم بعضاً وأن يبلغوا كتاب الله تعالى ورسالته إلى قومهم ففعلوا وأخذوا على القوم أن يؤمنوا بما بلغت إليهم رسلهم، وكان فيما بلغت إليهم الرسل الأمر بالإيمان بمحمد ﷺ والتصديق به، والنصر له.
وقال السدي: لم يبعث الله نبياً من لدن نوح ﷺ إلا أخذ ميثاقه أن يؤمن بمحمد ﷺ وبنصره إن بعث وهو حي وأن يأخذ الميثاق على قومه بذلك إن بعث وهم أحياء.
وقوله: ﴿أَأَقْرَرْتُمْ﴾ أي: بالميثاق على نحو ما تقدم " ﴿وَأَخَذْتُمْ على ذلكم إِصْرِي﴾ أي: عهدي ﴿قالوا أَقْرَرْنَا﴾.
قيل: الضمير يعود على الأنبياء أي قال الأنبياء: أقررنا بما التزمنا من الإيمان برسلك الذين ترسلهم مصدقين لما معنا من كتب.
﴿قَالَ فاشهدوا﴾ أي: اشهدوا أيها النبيون بما أخذت به ميثاقكم عليكم، وعلى

أممكم ﴿وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ الشاهدين﴾ أي: أشهد عليكم وعليهم بذلك.
وقيل: إن الضمير راجع إلى الذين أوتوا الكتاب على تقدير الاختلاف المذكور.
﴿فَمَنْ تولى بَعْدَ ذلك﴾: أي من أعرض بعد العهد الذي أخذ عليه، فهو فاسق أي خارج من دين الله.
وفي هاتين الآيتين تذكير - لمن كان على عهد رسول الله ﷺ من أهل الكتاب - وتخويف.
قوله: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ الله يَبْغُونَ﴾ أي: أفغير طاعة الله يا أهل الكتاب تطلبون، وهو الذي خضع له من في السماوات والأرض، وأسلم طائعاً، وهم: الملائكة، والنبيون والمؤمنون ﴿وَكَرْهاً﴾ وهم الذين آمنوا بالتوحيد، وأشركوا عن علم كما قال: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله﴾ [الزخرف: ٨٧].
وقيل: إسلام الكاره هو حين أخذ عليه الميثاق.
وقال مجاهد: إسلام الكاذب سجود ظله.
والطائع: المؤمن.

وقيل: إسلام الكاره تقلبه في مشيئة الله، واستكانته لقضائه.
وقال قتادة: إسلام الكاره هو حين لا ينفعه إسلامه، وذلك في الآخرة، وحين رأى الموت، قال الله تعالى: ﴿فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا﴾ [غافر: ٨٥].
وقيل المعنى: له خضع الجميع طائعين، وكارهين لأنه جبلهم على ذلك، وخلقهم كذلك.
وفي تفسير الحسن ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السماوات﴾ انقطع الكلام. ثم قال: ﴿والأرض﴾ طوعاً أو ركهاً أي أسلم من في الأرض طوعاً وكرهاً، فالكاره المنافق لا ينفعه إيمانه.
وقيل: إن أهل الأرض أسلموا كلهم حين أخذ الله عليهم الميثاق واستخرجهم من ظهر آدم، فالتأويل: أفغير طاعة الله تريدون وهذه صفته. ثم أمر الله تعالى محمداً عليه السلام وأمته أن يقولوا: ﴿آمَنَّا بالله وَمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ على إِبْرَاهِيمَ﴾ ومن ذكر بعده [وأن] لا يفرقوا بين أحد منهم، وأعلمهم الله تعالى أنه لا يقبل ديناً غير الإسلام، وأن من ابتغى غيره فهو خاسر في الآخرة. أي: يخسر نفسه وذلك الخسران المبين.