آيات من القرآن الكريم

وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ۚ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ۖ قَالُوا أَقْرَرْنَا ۚ قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ
ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧ ﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ

وقرأ جمهورُ النَّاس: «تَدْرُسُونَ» بضم الرَّاء: من دَرَسَ، إذا أَدْمَنَ قراءةَ الكِتَابِ، وكرَّره.
وقرأ نافع وغيره: «وَلاَ يَأْمُرُكُمْ» برفع الراء: على القَطْع «١» قال سِيبَوَيْهِ: المعنى لا يأمركم اللَّه، وقال ابْنُ جُرَيْجٍ وغيره: المعنى: ولا يأمركم هذا البَشَر الذي أُوتِيَ هذه النعَمَ، وهو محمّد صلّى الله عليه وسلّم «٢»، وأما قراءةُ مَنْ نَصَب الراء، وهو حمزةُ وغيره، فهي عَطْفٌ على قوله:
أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ، المعنى: ولا له أنْ يأمركم قاله أبُو عَلِيٍّ وغيره «٣»، وهو الصوابُ، لا ما قاله الطَّبَرِيُّ «٤» من أنَّها عطْفٌ على قوله: ثُمَّ/ يَقُولَ، والأربابُ في هذه الآية:
بمعنى الآلهة.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٨١ الى ٨٥]
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٨١) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٨٢) أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٨٣) قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٨٤) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (٨٥)
وقوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ: المعنى: واذكر يا محمَّد إذْ، فيحتملُ أن يكون أخذ هذا الميثاق حين أَخرج بني آدم مِنْ ظَهْر آدم نَسَماً، ويحتملُ أنْ يكون هذا الأخْذُ على كلِّ نبيٍّ في زمنه، ووقت بعثه، والمعنى: إنَّ اللَّه تعالى أخذ ميثاقَ كُلِّ نبيٍّ بأنه ملتزمٌ هو ومن آمَنَ به الإيمانَ بمَنْ أتى بعده من الرُّسُل، والنّصر له، وقال ابن عبّاس: إنما

(١) ينظر: «السبعة» (٢١٣)، و «الكشف» (١/ ٣٥٠)، و «الحجة» (٣/ ٥٧)، و «معاني القراءات» (١/ ٢٦٤)، و «حجة القراءات» (١٦٨)، و «العنوان» (٨٠)، و «إعراب القراءات» (١/ ١١٦)، و «شرح طيبة النشر» (٤/ ١٦١)، و «شرح شعلة» (٣١٩)، و «إتحاف» (١/ ٤٨٣).
(٢) أخرجه الطبري بنحوه في «تفسيره» (٣/ ٣٢٧) برقم (٧٣٢٠)، وذكره البغوي في «تفسيره» (١/ ٣٢١)، وابن عطية في «تفسيره» (١/ ٤٦٣)، والسيوطي في «الدر المنثور» بنحوه (٢/ ٨٣)، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر.
(٣) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (١/ ٤٦٣).
(٤) ينظر: «تفسير الطبري» (٣/ ٣٢٧).

صفحة رقم 68

أخذ اللَّه ميثاقَ النَّبيِّين على قومهم، فهو أخذ لميثاقِ الجميع «١»، وقال عَلِيُّ بْنُ أبي طَالِبٍ (رضي اللَّه عنه) : لَمْ يبعثِ اللَّهُ نَبِيًّا آدَمَ فَمَنْ بعده، إلا أخذ عليه العهد في محمّد صلّى الله عليه وسلّم: لَئِنْ بُعثَ، وهو حيٌّ، لَيُؤْمِنَنَّ به، ولينصُرَنَّه «٢»، وأمره بأخذه على قومه، ثم تلا هذه الآيةَ، وقاله السُّدِّيُّ «٣».
وقرأ حمزةُ: «لِمَا» بكسر اللام «٤»، وهي لامُ الجَرِّ، والتقديرُ لأجْلِ ما آتيناكم إذْ أنتم القادَةُ والرءوس، ومَنْ كان بهذه الحال، فهو الذي يُؤْخَذُ ميثاقُهُ، و «ما» في هذه القراءةِ بمعنَى «الَّذِي»، والعائدُ إلَيْها من الصِّلَة، تقديره: آتيناكموه، و «مِنْ» : لبيان الجنس، وثُمَّ جاءَكُمْ... الآية: جملةٌ معطوفةٌ على الصِّلة، ولا بُدَّ في هذه الجملة مِنْ ضميرٍ يعودُ على الموصُول، وإنما حذف تخفيفاً لطول الكلام، وتقديره عند سيبويه: رَسُولٌ بِهِ مصَدِّقٌ لِمَا معَكُمْ، واللامُ فِي: لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ هي اللامُ المتلقِّية للقَسَمِ الذي تضمَّنه أخْذُ الميثاقِ، وفصل بَيْن القَسَم والمُقْسَم عليه بالجارِّ والمجرورِ، وذلك جائِزٌ، وقرأ سائِرُ السَّبْعة «لَمَا» بفتح اللام، وذلك يتخرَّج على وجهين:
أَحدهما: أنْ تكون «مَا» موصولةً في مَوْضع رفع بالابتداء، واللاَّمُ لامُ الابتداء، وهي متلقِّية لما أُجْرِيَ مُجْرَى القَسَم من قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ، وخَبَرُ الابتداءِ قولُهُ: لَتُؤْمِنُنَّ، ولَتُؤْمِنُنَّ: متعلِّق بقَسَمٍ محذوفٍ، فالمعنى: واللَّهِ، لَتُؤْمِنُنَّ، قاله أبو عَلِيٍّ «٥» وهو متَّجِه بأنَّ الحَلِفَ يقع مرَّتين.
والوجْهُ الثاني: أنْ تكونَ «ما» للجزاءِ شرْطاً، فتكون في موضع نصبٍ بالفعلِ الذي

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣/ ٣٣٠) برقم (٧٣٢٤)، وذكره الماوردي في «تفسيره» (١/ ٤٠٦)، والبغوي في «تفسيره» (١/ ٣٢٢)، وابن عطية (١/ ٤٦٤)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢/ ٨٤)، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣/ ٣٣٠) برقم (٧٣٢٦)، وذكره الماوردي في «تفسيره» بنحوه (١/ ٤٠٦)، والبغوي في «تفسيره» (١/ ٣٢٢)، وابن عطية (١/ ٤٦٤)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢/ ٨٤).
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٣/ ٣٣٠) برقم (٧٣٢٩)، وذكره الماوردي في «تفسيره» (١/ ٤٠٦)، وابن عطية (١/ ٤٦٤)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢/ ٨٤)، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم.
(٤) ينظر: «السبعة» (٢١٣)، و «الكشف» (١/ ٣٥١)، و «الحجة» (٣/ ٦٢)، و «إعراب القراءات» (١/ ١١٦)، و «شرح الطيبة» (٤/ ١٦١)، و «معاني القراءات» (٢٦٥)، و «شرح شعلة» (٣٢٠)، و «إتحاف» (١/ ٤٨٣)، و «العنوان» (٨٠).
(٥) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (١/ ٤٦٤).

صفحة رقم 69

بعْدَهَا، وهو مجزومٌ، و «جَاءَكُمْ» : معطوفٌ في موضع جزمٍ، واللام الداخلَةُ على «مَا» ليسَتِ المتلقِّية للقَسَمِ، ولكنها الموطِّئةُ المُؤْذِنَةُ بمجيءِ لامِ القَسَم، فهي بمَنْزِلَة اللاَّم في قوله تعالى: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ [الأحزاب: ٦٠] لأنها مؤذِنَةٌ بمجيء المتلقِّية للقسم في قوله: لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ [الأحزاب: ٦٠] وكذلك هذه مؤذنةٌ بمجيء المتلقِّية للقَسَمِ في قوله:
«لَتُؤْمِنُنَّ».
وقرأ نافعٌ وحْده: «آتَيْنَاكُمْ»، بالنُّون، وقرأ الباقون: «آتَيْتُكُمْ» بالتاء «١»، ورَسُول في هذه الآية: اسمُ جنسٍ، وقال كثيرٌ من المفسرين هو نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم.
وقوله تعالى: قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي... هذه الآية: هي وصْفُ توقيفِ الأنبياء- عليهم السلام- على إِقرارهم بهذا الميثاق، والتزامهم له، وَأَخَذْتُمْ في هذه الآية: عبارةٌ عمَّا تحصَّل لهم من إيتاء الكُتُبِ والحِكْمة، فَمِنْ حيْثُ أخذ عليهم، أخذوا هم أيضًا، وقال الطَّبَرِيُّ «٢» : أَخَذْتُمْ في هذه الآية: معناه: قَبِلْتُمْ، والإصْر: العَهْد لا تَفْسِير له في هذا الموضع إلا ذَلِكَ «٣».
وقوله تعالى: فَاشْهَدُوا يحتملُ معنَيَيْنِ:
أحدهما: فاشهدوا/ على أممكم المؤمنينِ بكُمْ، وعلى أنْفُسِكُمْ بالتزام هذا العَهْد، قاله الطَّبَرِيُّ، وجماعة «٤».
والمعنى الثاني: بُثوا الأمْرَ عنْد أممكم، واشهدوا به، وشهادةُ اللَّهِ على هذا التأويل هي إعطاء المُعْجَزَاتِ، وإقرارُ نبوّاتهم، هذا قول الزّجّاج وغيره «٥».

(١) وحجة نافع قوله تعالى: وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً [الإسراء: ٥٥]، وقوله سبحانه: وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ [الصافات: ١١٧]، ونحوه.
ينظر: «حجة القراءات» (١٦٨)، و «السبعة» (٢١٤)، و «الحجة» (٣/ ٦٩)، و «معاني القراءات» (١/ ٢٦٥)، و «إعراب القراءات» (١/ ١١٦)، و «شرح شعلة» (٣١٩)، و «العنوان» (٨٠)، و «إتحاف فضلاء البشر» (١/ ٤٨٤). [.....]
(٢) ينظر: «الطبري» (٣/ ٣٣٢).
(٣) وأصل الإصر: الثّقل والشّدّ. والإصر- أيضا-: الذنب. والإصر- أيضا-: والأصر ما عطفك على شيء.
ينظر: «لسان العرب» (٨٦، ٨٧).
(٤) ينظر: «الطبري» (٣/ ٣٣٣).
(٥) ينظر: «معاني القرآن» (١/ ٤٣٧).

صفحة رقم 70

وقال ع «١» : فتأمَّل أنَّ القول الأول هو إيداعُ الشهادةِ واستحفاظها، والقولُ الثَّانِي هو الأمر بأدائها، وحَكَمَ تعالى بالفِسْقِ على مَنْ تولى مِنَ الأمم بَعْدَ هذا الميثاق، قاله عليُّ بْنُ أبي طَالِبٍ، وغيره «٢»، وقرأ أبو عَمرٍو: «يَبْغُونَ» بالياء مِنْ أَسْفَلُ مفْتُوحَة «٣»، و «تَرْجِعُونَ» بالتَّاء من فوقُ مضمومةً، وقرأ عاصمٌ بالياءِ من أسفَلُ فيهما، وقرأ الباقُون بالتَّاء فيهما، ووجوه هذه القراءاتِ لا تخفى بأدنى تأمُّل.
وتبغون: معناه: تَطْلُبُونَ.
قال النوويِّ: ورُوِّينَا في كتاب ابن السُّنِّيِّ، عن السَّيِّدِ الجليلِ المُجْمَعِ على جلالته وحِفْظِهِ ودِيَانَتِهِ وَوَرَعِهِ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ دِينَارٍ البَصْرِيِّ الشَّافِعِيِّ المشهور «٤» أنه قَالَ: لَيس رجُلٌ يكونُ على دابَّة صَعْبَةٍ، فيقول في أذنها: أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ، إلا وقَفَتْ بإذن اللَّه تعالى.
وروِّينَا في كتاب ابن السّنّيّ، عن ابن مسعود، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنَّهُ قَالَ: «إذَا انفلتت دَابَّةُ أَحَدِكُمْ بِأَرْضٍ فلاة، فليناد: يا عباد الله، احبسوا، يَا عِبَادَ اللَّهِ، احبسوا، فَإنَّ للَّهِ عَزَّ وجَلَّ فِي الأَرْضِ حَاضِراً سَيَحْبِسُهَا «٥».
قال النَّوويُّ «٦» : حكى لِي بعُضْ شُيُوخِنا أَنَّهُ انفلتت لَهُ دابّة أظنّها بغلة، وكان يعرف

(١) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ٤٦٦).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٢/ ٣٣٣) برقم (٧٣٣٧)، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (١/ ٤٦٦).
(٣) وهي رواية حفص عن عاصم، وحجتهما أن الخطاب قد انقضى بالفصل بينه وبين ذلك بقوله: فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ... الآية، ثم إن المعنى حينئذ: اليهود.
ينظر: «السبعة» (٢١٤)، و «الكشف» (١/ ٢٥٣)، و «العنوان» (٨٠)، و «الحجة للقراء السبعة» (٣/ ٦٩)، و «حجة القراءات» (١٧٠)، و «شرح شعلة» (٣٢٠)، و «شرح الطيبة» (٤/ ١٦٢)، و «إتحاف» (١/ ٤٨٤)، و «معاني القراءات» (١/ ٢٦٧).
(٤) يونس بن عبيد بن دينار الإمام القدوة، الحجة، أبو عبد الله العبدي، مولاهم البصري، من صغار التابعين وفضلائهم.
رأى أنس بن مالك، وحدث عن الحسن، وابن سيرين، وعطاء، وعكرمة، قال علي بن المديني: له نحو مائتي حديث، وقال ابن سعد: كان ثقة، كثير الحديث، وقال أحمد وابن معين والناس: ثقة.
ينظر: «السير» (٦/ ٢٨٨)، «طبقات ابن سعد» (٧/ ٢٦٠)، «الكامل» (٥/ ٤٨٧)، «حلية الأولياء» (٣/ ١٥- ٢٧).
(٥) أخرجه ابن السني في «عمل اليوم والليلة»، حديث (٥٤٢).
(٦) ينظر: «حلية الأبرار» (ص ٢٥٧).

صفحة رقم 71

هذا الحديثَ، فقالَهُ، فَحَبَسَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ في الحَالِ، وكنْتُ أَنَا مرَّةً مع جماعةٍ، فانفلتت منَّا بهيمةٌ، فَعَجَزُوا عَنْها، فَقُلْتُهُ، فوقَفَتْ في الحال بغَيْر سَبَبٍ سوى هذا الكلامِ. اهـ.
وأَسْلَمَ: معناه: استسلم، عند الجمهور.
واختلفوا في معنى قوله: طَوْعاً وَكَرْهاً، فقال مجاهد: هذه الآيةُ كقوله تعالى:
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان: ٢٥] فالمعنى: أنَّ إقرار كلِّ كافرٍ بالصانعِ هو إسلامٌ كرهاً «١»، ونحوه لأبي العالية، وعبارته: كُلُّ آدمِيِّ، فقد أقرَّ على نفسه بأنَّ اللَّه رَبِّي، وأنا عبده، فمَنْ أشرك في عبادته، فهو الذي أسلم كرهاً، ومن أخلَص، فهو الذي أسلم طَوْعاً «٢».
قال ع «٣» : والمعنى في هذه الآية يفهم كلُّ ناظر أنَّ الكره خاصٌّ بأهل الأرض.
وقوله سبحانه: أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ: توقيفٌ لمعاصرِي نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم من الأحبار والكفّار.
قوله تعالى: قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ... الآية: المعنى قل يا محمّد، أنت وأمّتك: آمَنَّا بِاللَّهِ... الآية، وقد تقدَّم بيانها في «البقرة»، ثم حكم تعالى في قوله: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ... الآيةَ بأنه لا يقبل من آدمي دِيناً غير دين الإسلام، وهو الَّذي وافَقَ في معتقداته دِينَ كُلِّ مَنْ سمي من الأنبياء- عليهم السلام-، وهو الحنيفيَّة السَّمْحة، وقال بعض المفسِّرين: إن مَنْ يَبْتَغِ... الآيةَ، نزلَتْ في الحارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ «٤»، قُلْتُ: وعلى تقدير صحَّة هذا القول، فهي تتناولُ بعمومها من سواه إلى يوم القيامة.

(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٢/ ٣٣٤) برقم (٧٣٤٠)، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (١/ ٤٦٦)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢/ ٨٥)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير.
(٢) ذكره ابن عطية (١/ ٤٦٦)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٢/ ٨٦). وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم.
(٣) ينظر: «المحرر الوجيز» (١/ ٤٦٧).
(٤) الحارث بن سويد بن الصامت الأنصاري الأوسي، ووقع لابن عبد البر الحارث بن سويد، ويقال: ابن مسلم المخزومي، ارتدّ ولحق بالكفار فنزلت: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً.
ينظر: «الإصابة» (١/ ٦٧١- ٦٧٢)، «أسد الغابة» ت (٨٩٩). [.....]

صفحة رقم 72
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية