آيات من القرآن الكريم

يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏ ﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡ

ويكون قوله هُدَى اللَّهِ بدلا من الهدى، وهذا في المعنى قريب من الذي قبله، وقال ابن جريج: قوله تعالى: أَنْ يُؤْتى هو من قول محمد ﷺ لليهود، وتم الكلام في قوله أُوتِيتُمْ وقوله تعالى: أَوْ يُحاجُّوكُمْ متصل بقول الطائفة وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ ومنه، وهذا القول يفسر معانيه ما تقدم في قول غيره من التقسيم والله المستعان.
وقرأ ابن مسعود: «أن يحاجوكم» بدل أَوْ، وهذه القراءة تلتئم مع بعض المعاني التي تقدمت ولا تلتئم مع بعضها، وقوله عِنْدَ رَبِّكُمْ يجيء في بعض المعاني على معنى عند ربكم في الآخرة، ويجيء في بعضها على معنى عند كتب ربكم، والعلم الذي جعل في العباد، فأضاف ذلك إلى الرب تشريفا، وكأن المعنى أو يحاجوكم عند الحق، وقرأ الحسن «إن يؤتى» أحد بكسر الهمزة والتاء، على إسناد الفعل إلى أَحَدٌ، والمعنى: أن إنعام الله لا يشبهه إنعام أحد من خلقه، وأظهر ما في القراءة أن يكون خطابا من محمد عليه السلام لأمته، والمفعول محذوف تقديره إن يؤتي أحد أحدا.
قوله تعالى:
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٧٣ الى ٧٥]
وَلا تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٧٣) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٧٤) وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥)
في قوله تعالى: قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ إلى قوله الْعَظِيمِ، تكذيب لليهود في قولهم: نبوءة موسى مؤبدة، ولن يؤتي الله أحدا مثل ما آتى بني إسرائيل من النبوة والشرف، وسائر ما في الآية من لفظة واسِعٌ وغير ذلك قد تقدم نظيره.
ثم أخبر تعالى عن أهل الكتاب أنهم قسمان في الأمانة، ومقصد الآية ذم الخونة منهم، والتفنيد لرأيهم وكذبهم على الله، في استحلالهم أموال العرب، وفي قراءة أبي بن كعب «تيمنه» بتاء وياء في الحرفين وكذلك- تيمنا- في يوسف، قال أبو عمرو الداني: وهي لغة تميم.
قال القاضي: وما أراها إلا لغة قرشية، وهي كسر نون الجماعة كنستعين، وألف المتكلم كقول ابن عمر، لا إخاله، وتاء المخاطب كهذه الآية ولا يكسرون الياء في الغائب وبها قرأ أبي بن كعب في «تيمنا» وابن مسعود والأشهب العقيلي وابن وثاب، وقد تقدم القول في «القنطار» في صدر السورة وقرأ جمهور الناس، «يؤده إليك» بكسر الهاء التي هي ضمير القنطار، وكذلك في الأخرى التي هي ضمير «الدينار»، واتفق أبو عمرو وحمزة وعاصم والأعمش على إسكان الهاء، وكذلك كل ما أشبهه في القرآن، نحو نُصْلِهِ جَهَنَّمَ [النساء: ١١٥] ونُؤْتِهِ نُوَلِّهِ إلا حرفا حكي عن أبي عمرو أنه كسره، وهو قوله تعالى: فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ [النمل: ٢٨] قال أبو إسحاق: وهذا الإسكان الذي روي عن هؤلاء غلط بين لأن الهاء لا ينبغي أن تجزم، وإذا لم تجزم فلا يجوز أن تسكن في الوصل، وأما أبو عمرو فأراه كان يختلس الكسرة فغلط

صفحة رقم 457

عليه، كما غلط عليه في بارئكم، وقد حكى عنه سيبويه، وهو ضابط لمثل هذا: أنه يكسر كسرا خفيفا، و «القنطار» في هذه الآية: مثال للمال الكثير يدخل فيه أكثر من القنطار وأقل، وأما «الدينار» فيحتمل أن يكون كذلك، مثالا لما قل، ويحتمل أن يريد طبقة لا تخون إلا في دينار فما زاد، ولم يعن لذكر الخائنين في أقل إذ هم طغام حثالة، وقرأ جمهور الناس «دمت» بضم الدال، وقرأ ابن وثاب والأعمش وأبو عبد الرحمن السلمي وابن أبي ليلى والفياض بن غزوان وغيرهم: «دمت ودمتم»، بكسر الدال في جميع القرآن، قال أبو إسحاق: من قولهم: «دمت»، تدام، نمت، تنام، وهي لغة، ودام معناه ثبت على حال ما، والتدويم على الشيء الاستدارة حول الشيء ومنه قول ذي الرمة: [البسيط] والشمس حيرى لها في الجوّ تدويم والدوام، الدوار يأخذ في رأس الإنسان، فيرى الأشياء تدور له، وتدويم الطائر في السماء، هو ثبوته إذا صفّ واستدار والماء الدائم وغيره هو الذي كأنه يستدير حول مركزه، وقوله قائِماً يحتمل معنيين قال الزجّاج وقتادة ومجاهد: معناه قائما على اقتضاء دينك.
قال الفقيه الإمام أبو محمد: يريدون بأنواع الاقتضاء من الحفز والمرافعة إلى الحكام، فعلى هذا التأويل، لا تراعى هيئة هذا الدائم بل اللفظة من قيام المرء على أشغاله، أي اجتهاده فيها، وقال السدي وغيره: قائِماً في هذه الآية معناه: قائما على رأسه، على الهيئة المعروفة، وتلك نهاية الحفز، لأن معنى ذلك أنه في صدر شغل آخر، يريد أن يستقبله، وذهب إلى هذا التأويل جماعة من الفقهاء وانتزعوا من الآيات جواز السجن، لأن الذي يقوم عليه غريمه فهو يمنعه من تصرفاته في غير القضاء، ولا فرق بين المنع من التصرفات وبين السجن، وهذه الآية وما بعدها نزلت فيما روي، بسبب أن جماعة من العرب كانت لهم ديون في ذمم قوم من أهل الكتاب، فلما أسلم أولئك العرب قالت لهم اليهود: نحن لا نؤدي إليكم شيئا حين فارقتم دينكم الذي كنتم عليه، فنزلت الآية في ذلك وروي أن بني إسرائيل كانوا يعتقدون استحلال أموال العرب لكونهم أهل أوثان، فلما جاء الإسلام وأسلم من أسلم من العرب بقي اليهود فيهم على ذلك المعتقد، فنزلت الآية حامية من ذلك، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا كل شيء من أمر الجاهلية فهو تحت قدمي، إلا الأمانة فإنها مؤداة إلى البر والفاجر».
الإشارة ب ذلِكَ إلى كونهم لا يؤدون الأمانة في دينار فما فوقه، على أحد التأويلين، والضمير في،

صفحة رقم 458
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية