
الْهُدَى هُدَى اللهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (٧٣) }
شرح الكلمات:
وجه النهار١ وآخره: أوله: وهو الصباح، وأخره: وهو المساء.
﴿وَلا تُؤْمِنُوا٢ إِلا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ﴾ : أي: لا تصدقوا إلا ما كان على ملتكم.
﴿الْهُدَى هُدَى اللهِ﴾ : البيان الحق والتوفيق الكامل بيان الله وهداه لا ما يخلط اليهود ويلبسون تضليلاً للناس.
﴿أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ﴾ : أن يعطى أحد نبوة وديناً وفضلاً.
﴿أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾ : يخاصموكم يوم القيامة عند ربكم.
﴿قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ الله﴾ : قل إن التوفيق للإيمان والهداية للإسلام بيد الله لا بيد غيره.
﴿وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ : ذو سعة بفضله، عليم بمن يستحق فضله فيمن عليه. معنى الآيات:
يخبر تعالى عن كيد اليهود ومكرهم بالمسلمين فيقول: ﴿وَقَالَتْ٣ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ وذلك أن كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف عليهما لعائن الله قال لبعض إخوانهم صلوا مع المسلمين صلاة الصبح إلى الكعبة، وصلوا العصر إلى الصخرة بيت المقدس فإن قيل لكم: لم عدلتم
وتضيء في وجه النهار منيرة | كجمانة البحرية سل نظامها |
٣ عطف على: ﴿ودت طائفة﴾، فالطائفة الأولى ودت إضلال المسلمين جهراً وعلناً، وهذه حاولته بالخداع والتضليل بأساليب المكر والإحتيال.

عن الكعبة بعد ما صليتم إليها؟ قولوا لهم قد تبين لنا أن الحق هو استقبال الصخرة لا الكعبة.
هذا معنى قوله تعالى فيهم: ﴿وَقَالَتْ طَائِفَةٌ١ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا٢ بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا﴾ يعني في شأن القبلة، ﴿وَجْهَ النَّهَارِ﴾ أي: صباحاً ﴿وَاكْفُرُوا آخِرَهُ﴾ أي: واجحدوا به مساءاً، ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ أي: إلى استقبال الصخرة بدلاً عن الكعبة، والغرض هو بلبلة أفكار المسلمين وإدخال الشك عليهم٣ وقوله تعالى عنهم: ﴿وَلا تُؤْمِنُوا إِلا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ﴾ يريد أنهم قالوا لبعضهم بعضا لا تصدقوا أحداً إلا لمن تبع دينكم من أهل ملتكم وهذا صرف من رؤسائهم لليهود عن الإسلام وقبوله، أي لا تصدقوا المسلمين فيما يقولون لكم، وهنا رد تعالى عليهم بقوله قل يا رسولنا: ﴿إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللهِ﴾، لا ما يحتكره اليهود من الضلال ويزعمون أنه الحق والهدى وهو البدعة اليهودية، وقوله تعالى: ﴿أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ﴾ هو قول اليهود معطوف على قولهم: ﴿وَلا تُؤْمِنُوا إِلا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ﴾، أما قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْهُدَى... ﴾ فهو كلام معترض بين كلام اليهود الذي قُدم تعجيلاً للرد عليهم، ومعنى قولهم: ﴿أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ... ﴾ إلخ. أي: كراهة أن يعترف من قبلكم بأن محمداً نبي حق وأن دينه حق فيتابعه اليهود والمشركون عليه فيسلمون، أو على الأقل يثبت المسلمون عليه، ونحن نريد زلزلتهم وتشكيكهم حتى يعودوا إلى دين آبائهم، أو يحاجوكم عند ربكم يوم القيامة وتكون لهم الحجة عليكم إن أنتم اعترفتم لهم اليوم بأن نبيهم حق ودينهم حق، فلذا واصلوا الإصرار أنه لا دين حق إلا اليهودية وأن ما عداها باطل وهنا أمر تعالى رسوله أن يقول لهم مبكتاً لهم: ﴿إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ﴾، لا بيد اليهود ﴿يُؤْتِيهِ﴾ أي: الفضل الذي هو النبوة والهدى والتوفيق وما يتبع ذلك من خير الدنيا والآخرة، ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾ من عباده ويحرمه من يشاء، وهو الواسع الفضل العليم بمن يستأهله ويحق له ﴿يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾.
٢ ولا مانع أن يكون مراداً من الآية أنهم قالوا لسفلتهم أظهروا الإيمان بمحمد ودينه في أول النهار ثم أكفروا به آخره فإنكم إن فعلتم ذلك ارتاب من يتبعه في دينه فيرجع عن دينه إلى دينكم إلا أن ما فسرنا به الآية أظهر.
٣ وهذا لا يمنع أن يكون قولهم: ﴿آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ﴾ إظهاراً منهم للدخول في الإسلام والاعتراف به في أول النهار، مكراً وخديعة، فإذا ولى النهار أظهروا رجوعهم عنه لظن من رآهم أنهم يريدون الحق، ولذلك أسلموا، فلما تبين لهم بطلان الإسلام وعدم صحته رجعوا عنه.

هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- تسجيل المكر والخداع على اليهود وأنه صفة من صفاتهم اللازمة لهم إلى يوم القيامة.
٢- الكشف عن التعصب اليهودي وأساليب التمويه والتضليل، والإعلام العالمي اليوم مظهر من مظاهر التضليل اليهودي.
٣- سذاجة اليهود المتناهية في فهم مسائل الدين والاعتقاد توارثوها إلى اليوم، وإلا فأي مؤمن بالله واليوم الآخر يقول: لا تعترفوا للمسملين بأنهم على حق حتى لا يحتجوا عليكم بإعترافكم يوم القيامة؟.
إن الله تعالى يعلم أن اليهود يجحدون الإسلام وهو الحق ويكفرون به وهو الحق من ربهم وسيعذبهم في نار جهنم يخلدون فيها، وكونهم لا يصرحون للمسلمين بأنهم على حق وهم يعلمون أنهم على الحق في دينهم ينجيهم هذا من عذاب الله على كفرهم بالإسلام؟.
اللهم لا. فما معنى قولهم لا تعترفوا بالإسلام حتى لا يحتج عليكم المسلمون باعترافكم يوم القيامة؟؟ إنه الجهل والسذاجة في الفهم. وسبحان الله ماذا في الخلق من عجائب!!.
﴿وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥) بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧٦) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٧٧) ﴾