
والثاني: أن قولَه: ﴿كُنْ﴾، علامةٌ لما يريد خلقه وإنشاءه.
وقوله تعالى: ﴿فَيَكُونُ﴾. قال بعض النحويين (١): هو بمعنى: كان. وكذا فسَّره ابن عباس، فقال (٢): ﴿ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ﴾، فَكانَ، فجرى عليه (٣) الروح. وقد ذكرنا أنه يجوز أن يراد بمثال المستَقبَلِ الماضي، مستقصىً عند قوله: ﴿تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ﴾ (٤).
وقال آخرون (٥): المعنى: ﴿ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ﴾، فيكون كما يأمر الله تعالى. وقوله: ﴿فَيَكوُنُ﴾، حكاية لتلك الحالة التي يكون فيها آدمُ كما شاءَ اللهُ.
٦٠ - قوله تعالى: ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾ ارتفع ﴿الْحَقُّ﴾ عند الفراء (٦) والزجاج (٧) بخبر ابتداءٍ محذوف. المعنى: [(الذي أنبأناك من قصة] (٨)
(٢) لم أقف على مصدر قولة، وأورده الخازن في "تفسيره" ١/ ٣٠٢.
(٣) في (ج)، (د): (فيه).
(٤) سورة البقرة: ١٠٢. ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا﴾. قال النحاس: (والمستقبل يكون في موضع الماضي إذا عُرفَ المعنى) "إعراب القرآن" له: ١/ ٣٣٨. وذكر الحدَّاديُّ أنَّ الماضي يذكر بلفظ المستقبل في موضعين:
أحدهما: إذا كان حالاً.
والثاني: إذا كان الفاعل يدوم على الفعل، وكان من سبيله إتيان ذلك الفعل. انظر: "المدخل لعلم تفسير كتاب الله" له: ٢٢٨.
(٥) لم أقف عليهم.
(٦) انظر: "معاني القرآن" له: ١/ ٢٢٠.
(٧) انظر: "معاني القرآن" له: ١/ ٤٢٢.
(٨) ما بين المعقوفين غير مقروء في (أ). ومُثْبت من بقية النسخ.

عيسى، الحَقُّ). أو: (ذلك النبأ في أمر عيسى، الحقُّ). فحُذِفَ؛ لتقدم ذِكْره، وأغنى حضورُ المعنى للنفس عن الإشارة إليه.
وقال أبو عبيدة (١): هو استئنافٌ بعد انقضاء الكلام، وخبره: في قولك (٢): ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾ [و] (٣) هذا كما تقول: الحقُّ من الله تعالى (٤)، والباطل من الشيطان (٥).
وقوله تعالى: ﴿فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ الخطاب للنبي - ﷺ -، والمراد: نهي غيره عن الشكِّ، كما قال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾ (٦) ويحتمل أن يكون المعنى: فلا تكن من الممترين أيُّها السامع للبرهان، من المكلفين كائنًا مَنْ كان.
والامْتِراءُ: الشكُّ (٧). قال ابن الأنباري (٨): وهو مأخوذ من قول العرب: (مَرَيْتُ الناقةَ والشاةَ): إذا حَلَبْتهما (٩). فكأنَّ الشاكَّ يجتذب
(٢) في (ب)، (ج)، (د): (قوله).
(٣) ما بين المعقوفين: زيادة من: (ج)، (د).
(٤) تعالى: ساقطة من: (ج)، (د).
(٥) وقيل: هو فاعل؛ أي: جاءك الحقُّ. انظر: "تفسير القرطبي" ٤/ ١٠٣.
(٦) سورة الطلاق: ١. ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ قال الزجاج: (والخطاب للنبي خطاب للخلق؛ لأن النبي لم يشكك في قصَّة عيسى) "معاني القرآن" له: ١/ ٤٢٢.
(٧) في (ب): (الشاك).
(٨) في "الزاهر" ١/ ٤٥٥ نقله عنه بالمعنى.
(٩) في (ج): (حلبتها).