آيات من القرآن الكريم

ذَٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ
ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ

وَعَذَابُ الدُّنْيَا هُوَ زَوَالُ الْمُلْكِ وَضَرْبُ الذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ وَالْجِزْيَةِ، وَالتَّشْرِيدُ فِي الْأَقْطَارِ، وَكَوْنُهُمْ يَعِيشُونَ تَبَعًا لِلنَّاسِ، وَعَذَابُ الْآخِرَةِ هُوَ جَهَنَّمُ. وَمَعْنَى وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ أَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ نَاصِرًا يَدْفَعُ عَنْهُمْ ذَلِكَ وَإِنْ حَاوَلَهُ لَمْ يَظْفَرْ بِهِ وَأَسْنَدَ فَنُوَفِّيهِمْ إِلَى نُونِ الْعَظَمَةِ تَنْبِيهًا عَلَى عَظَمَةِ مَفْعُولِ هَذَا الْفَاعِلِ إِذِ الْعَظِيمُ يُعْطِي عَظِيما. وَالتَّقْدِير فيوفيهم أُجُورَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِدَلِيلِ مُقَابِلِهِ فِي ضِدِّهِمْ مِنْ قَوْلِهِ: فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَتَوْفِيَةُ الْأُجُورِ فِي الدُّنْيَا تَظْهَرُ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ: مِنْهَا رِضَا اللَّهِ عَنْهُمْ، وَبَرَكَاتُهُ مَعَهُمْ، وَالْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ، وَحُسْنُ الذِّكْرِ. وَجُمْلَةُ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ تَذْيِيلٌ، وَفِيهَا اكْتِفَاءٌ: أَيْ وَيُحِبُّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: فَنُوَفِّيهِمْ- بِالنُّونِ- وَقَرَأَهُ حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ، وَرُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ، فَيُوَفِّيهِمْ بِيَاءِ الْغَائِبِ على الِالْتِفَات.
[٥٨]
[سُورَة آل عمرَان (٣) : آيَة ٥٨]
ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (٥٨)
تَذْيِيلٌ: فَإِنَّ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ أَعَمُّ مِنَ الَّذِي تُلِيَ هُنَا، وَاسْمُ الْإِشَارَةِ إِلَى الْكَلَامِ السَّابِقِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ [آل عمرَان: ٤٥] وَتَذْكِيرُ اسْمِ الْإِشَارَةِ لِتَأْوِيلِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ بالْكلَام أَو بالمذكور. وَجُمْلَةُ نَتْلُوهُ حَالٌ مِنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ عَلَى حَدِّ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً [هود: ٧٢] وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ عَرَبِيٌّ فَصِيحٌ وَإِنْ خَالَفَ فِي صِحَّةِ مَجِيءِ الْحَالِ مِنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ بَعْضُ النُّحَاةِ.
وَقَوْلُهُ: مِنَ الْآياتِ خَبَرُ ذلِكَ أَيْ إِنَّ تِلَاوَةَ ذَلِكَ عَلَيْكَ مِنْ آيَاتِ صِدْقِكَ فِي دَعْوَى الرِّسَالَةِ فَإِنَّكَ لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ذَلِكَ، وَهُوَ ذِكْرٌ وَمَوْعِظَةٌ لِلنَّاسِ، وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ جَعْلِ نَتْلُوهُ خَبَرًا عَنِ الْمُبْتَدَأِ، وَمِنْ وُجُوهٍ أُخْرَى. وَالْحَكِيمُ بِمَعْنَى الْمُحْكِمِ، أَوْ هُوَ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ أَيِ الْحَكِيمُ عَالِمُهُ أَو تاليه.

صفحة رقم 262
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية