
وقيل: مسح بدهان كانت الأنبياء تمسح به، فيعلم أنها أنبياء.
وقال النخعي: المسيح الصّدِّيق
وقيل: سمي المسيح لأنه كان إذا مسح بيده على أهل العاهة أفاقوا كما ذكر الله فيكون فاعلاً غير منقول عن مفعول.
وذكر ابن حبيب عن ابن عباس أنه قال: المسيح تفسيره الملك. وفسره ابن حبيب فقال: سمي ملكاً لأنه ملك إبراء الأكمه والأبرص وأحيى الموتى، وغير ذلك من الآيات.
قوله: ﴿قَالَتْ رَبِّ أنى يَكُونُ لِي وَلَدٌ﴾.
أي: من أين يكون لي ولد؟ أمن بعل أتزوجه، أم تبتدئ [خلقه] من غير بشر أتزوجه؟، فأعلمها الله أنه يخلق ما يشاء، فيعطي الولد من غير فحل لك، ويحرم ذلك نساء العالمين، وإذا أراد أمراً ﴿فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾، والهاء في " له " تعود على الأمر.
[وقيل المعنى: فإنما يقول (له) من أجله ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾ أي: من أجل، الأمر]

الذي يقضي به ويريد.
قال ابن عباس: وضعت مريم عيسى عليه السلام لثمانية أشهر فلذلك لا يعيش من (ولد) لثمانية أشهر.
قوله: ﴿وَيُعَلِّمُهُ الكتاب﴾ أي: يكتب بيده، ﴿والحكمة﴾: السنة التي توحَى إليه، ﴿والتوراة﴾: هي التي أنزلت فبله على موسى عليه السلام و ﴿والإنجيل﴾ أي: الكتاب الذي أنزل عليه، ولم يعطه أحد قبله، وتعليمه إياه إلهام منه إليه بذلك، و ﴿رَسُولاً﴾ أي: ويجعله رسولاً، فالابتداء به حسن
وقيل المعنى: ويكلمهم رسولا
وقيل: هو معطوف على وجيه، فالابتداء به على ذلك.
ومن فتح ﴿أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ﴾ فهو متعلق برسول، أي: فإني قد جئتكم بآية تصدقني أني رسول.

والآية بمعنى الآيات، وهي إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، وإحداث الطير من الطين. وغير ذلك من: الإنجيل وغيره.
قوله: ﴿أني أَخْلُقُ﴾ من فتح أني جعلها بَدَلاً من (أن) الأولى، وإن شئت بدلاً من (آية)، (و) إن شئت على إضمار هي فتكون أن في موضع رفع.
وقرأ يزيد بن القعقاع (أخلق لكم من الطين كهيأة الطائر) فيكون طائراً.
وقال ابن اسحاق: حبس [عيسى] عليه السلام يوماً مع غلمان في الكتاب [فأخذ طيناً]

ثم قال: أجعل لكم هذا الطين طائراً؟ قالوا: وتستطيع ذلك؟ قال: نعم، بإذن الله ربي، قال: ثم هيأه حتى إذا صار في هيأة الطائر نفخ فيه، ثم قال كن طائراً بإذن الله، فخرج يطير بإذن [الله] بين كفيه فذكر الغلمان ذلك لمعلمهم فأفشوه في الناس، وترعرع، فعمت به بنو إسرائيل، فلما خافت أمه عليه حملته على حُمير ثم خرجت به هاربة.
قال ابن جريج وغيره: قال لهم: أيُّ الطير أشد خلقاً؟ قالوا: الخفاش، إنما هو لحم، ففعل مثله من الطين، وقال في هذه الصمورة ﴿فَأَنفُخُ فِيهِ﴾ رده على الطير، وفي المائدة ﴿فَتَنفُخُ فِيهَا﴾ [المائدة: ١١٠] رده على الهيأة، ويجوز رد الهاء في هذه السورة] على الهيأة لأنها

(بمعنى) المثال والشبه، وتأنيثها غير حقيقي ولا سلطت لا في نسخ.
ولا يجوز في سورة المائدة رجوع الهاء على الطير لأنه اسم جمع.
وقوله: ﴿وَأُبْرِىءُ الأكمه﴾.
قال مجاهد: هو الذي يبصر بالليل ولا يبصر بالنهار.
وقال الأوزاعي: هو الذي لا يبصر بالليل، وهو الذي به عشى.
وقال قتادة: هو الذي ولد أعمى، وكذلك قال أكثر المفسرين.
وعن ابن عباس وغيره: هو الأعمى حَدَث به ذلك، أو ولد [به]
وقال عكرمة: هو الأعمش.
وقال وهب: كان عيسى عليه السلام قد هربت [به] أمه إلى أرض مصر من قومها

فلما بلغ اثني عشر سنة أوحى الله تعالى إليها أن انطلقي إلى الشام، ففعلت حتى إذا بلغ ثلاثين سنة، جاءه الوحي على رأس الثلاثين فكانت نبوته ثلاثين سنة، ثم رفعه الله إليه.
وقد روي عن النبي ﷺ :" أنه نعى نفسه لفاطمة حين بلغ سنّة ستين سنة وقال: " ما من نبي إلا يعمر مثل نصف عمر من قبله (و) أن عيسى عمّر مائة سنة وقد بلغت ستين سنة وما أراني إلا ميتاً في هذا العام " أو كلام هذا معناه " ".
قال وهب: ربما اجتمع على عيسى عليه السلام من المرضى خمسون ألفاً من أطاق أن يبلغه بلغه، ومن لم يطق ذلك أتاه عيسى يمشي إليه، فكان عيسى يداويهم بالدعاء وكان يُحْيي الموتى.

قوله ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ﴾.
أصل تدخرون: تفتعلون من ذخرت، فلما اختلف الحرفان، بأن كانت الذال حرفاً مجهوراً، والتاء حرفاً مهموساً أبدل من التاء حرفا مجهوراً يشبه الدال في الجهر، ويقرب منها في المخرج وهو الدال، ثم ادغمت الذال في الدال.
قال ابن إسحاق: لما بلغ [عيسى] تسع سنين أو عشراً، أدخلته أمه الكتاب، فلا يذهب المؤدب يعلمه شيئاً إلا بادره عيسى ﷺ قبل أن يعلمه إياه، فيقول المؤدب ألا تعجبون لابن هذه الأرملة، أذهب أعلمه شيئاً إلا وجدته أعلم به مني.
قال ابن جبير وغيره: كان يخبر الصبيان بما صنع في بيوتهم وبما صنع آباؤهم، ويقول يا فلان: إن أهلك قد خبأوا لك كذا وكذا من طعام، ويقول للصبي: انطلق فإن أهلك يأكلون كذا وكذا، ويقول: إنطلق فقد خبأ لك أهلك كذا وكذا. فينطلق

الصبي يبكي على أهله حتى يعطوه ذلك الشيء، فيقولون له: من أخبرك بهذا فيقول: عيسى.
فلما رأى ذلك بنو إسرائيل قالوا لأولادهم: لا تلعبوا مع هذا الساحر، وحبسوا أولادهم عنه، فجمعوهم في بيت فجاء عيسى عليه السلام (يطلبهم فقالوا: ليس هم هنا، فقال عيسى عليه السلام): وما في هذا البيت؟ فقالوا: خنازير! فقال عيسى عليه السلام: كذلك يكونون، ففتحوا عنهم فإذا هم خنازير، فذلك قوله (تعالى): ﴿لُعِنَ الذين كَفَرُواْ مِن بني إِسْرَائِيلَ على لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابن مَرْيَمَ﴾ [المائدة: ٧٨]
قال قتادة: معنى قوله: ﴿وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ﴾ ذلك في أمر المائدة التي نزلت عليهم كانت خواناً تنزل أين ما كانوا بثمر من ثمار الجنة، وأمروا ألا يخونوا فيه ولا يدخروا لغد، ابتلاهم الله بذلك فكانوا إذا فعلوا من ذلك شيئاً، وادخروا لغد انبأهم عيسى ﷺ به، فهو قوله: ﴿بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ﴾ أي: من المائدة التي نهوا عن ادخار ما

ينزل عليهم فيها.
وقرأ مجاهد والزهري تدخرون، بدال مخففة.
﴿إِنَّ فِي ذلك لآيَةً﴾، أي: في جميع ما ذكر آية، أي: في نبوة عيسى.
وقوله ﴿وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التوراة﴾ أي: ما قبلي من التوراة إيماناً بها، وتصديقاً بما فيها، وإن كانت شريعته تخالفها فإنه، ونحن مؤمنون بما صح منها، ولم يبدل ولم يغير على أن عيسى ﷺ كان عاملاً بالتوراة لم يخالف فيها شيئاً إلا ما خفف الله أشياء كانت حراماً فيها وهو قوله ﴿وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الذي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ﴾ وذلك أنه حلل لحوم الإبل والثروب وأشياء من الطير والحيتان كانت في التوراة محرمة.
واللام متعلقة بفعل محذوف والمعنى، ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم.
وكان أبو عبيدة يجيز أن يكون البعض هنا بمعنى الكل، وهذا يوجب أن يحل لكم القتل والسرق والزنى وغيره لأن كل ذلك كان محرماً عليهم في الوراة، فلا يجوز