
(وَيُعَلِّمُه الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ) في هذه الآية الكريمة يبين الله سبحانه وتعالى علم الرسالة التي أرسله بها، وهو علم بأربعة أمور: علمه بالكتاب، وعلمه بالحكمة، وعلمه بالتوراة، وعلمه بالإنجيل. أما علمه بالكتاب فقد قال بعض مفسري السلف: إنه العلم بالخط والكتابة، وتوجيه ذلك التفسير أن عيسى بعث في أمة اشتهرت بالعلم والمعرفة، فلابد أن يكون فيه ما هو سبيل العلم والمعرفة وهو الكتابة، وقد كانت آيته في إثبات رسالته فوق علم العلماء، وقدرة الناس قاطبة. وقال بعض مفسري السلف أيضا: إن علم عيسى بالكتاب هو علمه بما نزل على النبيين السابقين. وإنا نختار الأول، فإنه على التفسير الثاني يكون تكرار؛ لأنَّ علم الرسالات السابقة، في التوراة التي ذكر أنها من علمه، والتأسيس أولى من التأكيد. وأما العلم الثاني، وهو الحكمة، فهو العلم الذي يحكم صاحبه في القول والعمل، وسياسة الناس في القول والعمل، ولذا يقول العلماء: إن الحكمة هي العلم النافع؛ فهي العلم الذي تظهر ثمرته في القول والعمل وهداية الناس، وقيادة نفوسهم؛ ولذلك قال الله تعالى آمرا نبيه الكريم - ﷺ -: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ...). وإن هذا النوع من العلم هو ألزم العلوم لمن يقود الناس إلى الإيمان، ويدعوهم بدعاية الرحمن.
صفحة رقم 1227
وأما العلم الثالث والرابع فهما علم التوراة وعلم الإنجيل، والتوراة تومئ إلى علم الرسالات التي كانت قبلها، وعلم الإنجيل هو العلم برسالته التي بعث بها في وسط تلك المادية التي استولت على بني إسرائيل، وهذا يدل على اتصال رسالته بالرسالات التي سبقته، وكل رسول مبعوث لَا تكون رسالته مقطوعة عما قبلها، بل هي موصولة بها متممة لها، وهي لبنة في صرح الرسالات الإلهية وبعد أن أشار سبحانه وتعالى إلى علم الرسالة التي هيأه الله تعالى لها، أشار إلى من أرسل إليهم، فقال تبارك وتعالى:
* * *