آيات من القرآن الكريم

فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ
ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ

وَيَصُدُّونَ فردها على (كفروا) لأنها غير موقتة، وكذلك قوله إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ «١» المعنى: إلا الذين يتوبون من قبل أن تقدروا عليهم.
والله أعلم. وكذلك قوله إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً»
معناه: إلا من يتوب ويعمل صالحا. وقال الشاعر:
فإني لاتيكم تشكر ما مضى... من الأمر واستيجاب ما كان فِي غد «٣»
يريد به المستقبل: لذلك قال (كان فِي غد) ولو كان ماضيا لقال: ما كان فِي أمس، ولم يجز ما كان فِي غد. وأمّا قول الكميت:
ما ذاق بؤس معيشةٍ ونعيمها... فيما مضى أحد إذا لم يعشق
فمن ذلك إنما أراد: لم يذقها فيما مضى ولن يذوقها فيما يستقبل إذا كان لم يعشق.
وتقول: ما هلك امرؤ عرف قدره، فلو أدخلت فِي هذا (إذا) كانت أجود من (إذ) لأنك لم تخبر بذلك عن واحد فيكون بإذا، وإنما جعلته كالدأب فجرى الماضي والمستقبل. ومن ذلك أن يقول الرجل للرجل: كنت صابرا إذا ضربتك لأن المعنى: كنت كلما ضربت تصبر. فإذا قلت: كنت صابرا إذ ضربت، فإنما أخبرت عن صبره فِي ضربٍ واحد.
وقوله: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ... (١٥٩)
العرب تجعل (ما) صلة فِي المعرفة والنكرة واحدا.
قال الله فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ «٤» والمعنى فبنقضهم، وعَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ «٥» والمعنى: عن قليل. والله أعلم. وربما جعلوه اسما وهى فى مذهب

(١) آية ٣٤ سورة المائدة.
(٢) آية ٦٠ سورة مريم.
(٣) انظر ص ١٨٠ من هذا الجزء.
(٤) آية ١٥٥ سورة النساء، ١٣ سورة المائدة.
(٥) آية ٤٠ سورة المؤمنين.

صفحة رقم 244

الصلة فيجوز فيما بعدها الرفع على أنه صلة، والخفض على إتباع الصلة لما قبلها كقول الشاعر:

فَكَفَى بِنا فَضْلا عَلَى مَنْ غَيْرِنا حُبُّ النَّبِيّ محمدٍ إيانا «١»
وترفع (غير) إذا جعلت صلة بإضمار (هُوَ)، وتخفض على الاتباع لمن، وقال الفرزدق:
إني وإياك إن بلغن أرحلنا كمن بواديه بعد المحل ممطور «٢»
فهذا مع النكرات، فإذا كانت الصلة معرفة آثروا الرفع، من ذلك فَبِما نَقْضِهِمْ لم يقرأه أحد برفع ولم نسمعه. ولو قيل جاز. وأنشدونا بيت عدي «٣» :
لم أر مثل الفتيان فى غير ال أيام ينسون ما عواقبها
والمعنى: ينسون عواقبها صلة لما. وهو مما أكرهه لأن قائله يلزمه أن يقول:
«أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ» «٤» فأكرهه لذلك ولا أرده. وقد جاء، وقد وجهه بعض النحويين إلى: ينسون أي شيء «٥» عواقبها، وهو جائز، والوجه الأول أحب إلى.
والقراء لا تقرأ بكل ما يجوز فِي العربية، فلا يقبحن عندك تشنيع مشنع مما لم يقرأه القرّاء مما يجوز.
(١) انظر ص ٢١ من هذا الجزء.
(٢) من قصيدة له يمدح فيها يزيد بن عبد الملك ابن مروان. فقوله «وإياك» خطاب ليزيد. أي إن بلغتك الإبل أرحلنا وأوصلتنا إليك عمنا الخير وفارقنا البؤس كمن مطر واديه بعد المحل. وانظر كتاب سيبويه ١/ ٢٦٩.
(٣) أي عدى بن زيد. وبعد البيت الشاهد:
يرون إخوانهم ومصرعهم وكيف تعتاقهم مخالبها
وغير الأيام صروفها وحوادثها المتغيرة. وانظر الخزانة ٢/ ٢١، وأمالى ابن الشجري ١/ ٧٤.
(٤) آية ٢٨ سورة القصص.
(٥) يريد أن بعض النحويين جعل (ما) فى بيت عدىّ استفهامية لا موصولا، فعواقبها خبر (ما) وليست صلة. وهو غير ما أسلفه. [.....]

صفحة رقم 245
معاني القرآن للفراء
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي الفراء
تحقيق
أحمد يوسف نجاتي
الناشر
دار المصرية للتأليف والترجمة - مصر
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
ألفاظ القرآن
اللغة
العربية